سعر جرام الذهب عيار 21 الآن في محال الصاغة.. مستقر    قطع المياه في عدة مناطق بالجيزة لمدة 8 ساعات اليوم.. اعرف الأماكن    محافظ الجيزة: الانتهاء من مشروعات الخطة الاستثمارية للعام الحالي خلال أيام    «القاهرة الإخبارية»: ارتفاع عدد الشهداء في المحافظة الوسطى بقطاع غزة إلى 20    بعد تصريح الشناوي المثير.. رد كولر على مشاكل غرفة ملابس الأهلي    عاجل.. فليك يستقر على أسماء جهازه المعاون في برشلونة    رد فعل مفاجئ من محمد صلاح بعد الجدل الأخير.. كيف ظهر للجماهير؟    ضبط 21 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    موعد فصل الصيف 2024.. يتبقى أقل من 27 يوما    ضبط عامل بتهمة تزوير الشهادات الجامعية في أسيوط    فضول المصريين وموعد إجازة عيد الأضحى 2024: بين الاهتمام بالأحداث الدينية والاجتماعية    مدحت صالح يتراجع عن قراره ويعلن موعد ومكان عزاء شقيقه «أحمد»    سبب خوف عائشة بن أحمد من الزواج.. «صدمة عملت لها أزمة مع نفسها»    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يحقق 315 ألف جنية    وصول رسولوف إلى مهرجان كان.. وعرض فيلمه «بذور التنين المقدس» بالمسابقة اليوم    لماذا يثير متحور FLiRT ذعر العالم؟.. مفاجأة صادمة اكتشفها العلماء    بري يؤكد تمسك لبنان بالقرار الأممي 1701 وحقه في الدفاع عن أرضه    بوليتيكو: معظم دول الاتحاد الأوروبي لن تقدم على المساس بأصول روسيا المجمدة    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    قرار عاجل من جوميز قبل مواجهة الاتحاد السكندري في الدوري    3 وزراء يجتمعون لاستعراض استراتيجيات التوسع في شمول العمالة غير المنتظمة    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    دموع وصرخات.. قاع النيل بلا جثث ل ضحايا حادث ميكروباص معدية أبو غالب (فيديو وصور)    "الأونروا": في الضفة الغربية حرب لا يلاحظها أحد    مراسل "القاهرة الإخبارية": تجدد الاشتباكات بين الاحتلال والمقاومة برفح الفلسطينية    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    بفستان مستوحى من «شال المقاومة».. بيلا حديد تدعم القضية الفلسطينية في «كان» (صور)    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الإسلام الحضاري    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    أخبار الأهلي : دفعة ثلاثية لكولر قبل مواجهة الترجي بالنهائي الأفريقي    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاموس الخائفين
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 01 - 2024

بدأ العامُ الجَّديد منذ أيامٍ قلائل والأجواءُ حافلةٌ بالترقُّب؛ إذ الحالُ في عُسرٍ يشتدُّ، غالبُ الناس يُمني نفسَه بأيام أرفقَ وأطيب، وكثيرهم لا يرجو إلا السَّتر، وإن كان للكلمةِ أثر يُؤمَل، وفي القَّلبِ متسع لمَزيدٍ مِن السَّعي، وفي العقلِ لم يَزل مَوطئٌ للتحدي؛ فبابٌ آخر يُفتَح ومَساحاتٌ إضافية تُفرَد.
• • •
أسلك هذا العام دربًا أعده مختلفًا وليس بمختلف في آن، هو في إطار اللغة ومفارقها لكنه لا يشبه ما سبق، وإن كتبت خلال أعوام فائتة عن بعض المفاهيم المجردة من قبيل القوَّة والمذلَّة والمسرَّة، وعن أفعال تبدو من العامية المصرية التي نبدع فيها بينما تنتمي في حقيقتها إلى العربية الفصحى من قبيل نشف وهرى وطفش، وعن غير هذه وتلك من كلمات تحمل بين طياتها طرائف شتى؛ فسأمضي هذا العام وراء مفردات عادية مألوفة انطبعت لها في أذهاننا صورٌ نمطية، ولها أشباه ومثائل متعددة يمكن استخدام أحدها مكان الآخر؛ ما لم تكن الدقَّة في اختيار اللفظ مُهمَّةً مَرعيَّة.
• • •
المُترادفاتُ في العربيَّة وفيرةٌ، يَصعُب بَعض الأحيانِ حصرها؛ لكنّا نستخدم قليلَها ونتجاهلُ الأكثريةَ؛ إذ المألوفُ أقرب دومًا إلى الّلسَان والنِيَّة، وأسهل استحضارًا على العَقل. ثمَّة كلماتٌ نُسقِطها مِن حِساباتنا؛ نهجُرها ونهمِلُها فتتراكَم عليها الأتربةُ، وأخرى نلوكُها باستمرار مُتصورين أنها تفي بالمَطلوب. قد تبدو مَواضِع الاختلافِ بين هذه الكلمَة وتلك بسيطةً؛ لا يُمكن بعض المرَّات تمييزُها، وتلوح معانيها متقارِبةً ولَصيقة؛ لا جدوى من المُفاضلةِ بينها، مع هذا تتفاوت الإيحاءاتُ وتبقى لكلّ كلمة فيها روحٌ مُتفردة.
• • •
قاموسُ الخَوفِ واسعٌ، وقاموسُ الخائفين يمتلئُ بالخَلجَاتِ والكَّلمات؛ منها القاسي ومنها الهَيّن الخَفيف. مِن الناسِ مَن يَرتعد خوفًا ويَصفرُّ وجهُه، ويقفُ شعر رأسه ويقشعِرُّ جِلده، ومنهم من يتجمَّد مكانه ويفقد القُدرةَ على الحَركة. ثمَّة مأثور يَقول: "اللي يخاف مِن العفريت يطلع له"، والمُراد حثُّ المَرءِ على نبذِ خَوفه؛ لكننا عادةً ما نخافُ ونختار أن نقولَ: "مَن خاف سَلِم".
• • •
إذا افتقر المرءُ إلى وازِعٍ شخصيّ دفين يُوجهُه قيل: يَخاف ما يختشي، وإذا أوغلَ في الغِيّ لم يجد الناسُ ما يردعونه به سوى قَولة خَف الله، والقَّصد أن ثمَّة قوةً عُظمى تفوقُ قوةَ البشَرِ الذين لا يَحسَب الباغي حسابَهم.
• • •
حين يتردَّد الواحد ما بين جَهرٍ وكِتمان؛ تأتيه النصيحةُ الشهيرةُ لتفصلَ أمرَه؛ فمَن خافَ عليه أن يَصمتَ، ومَن قرَّر الإفصاحَ عليه أن ينفُضَ الخَوفَ بعيدًا. ثمَّة مَخاوِفٌ سِياسِيَّة، وأخرى طفُوليَّة، وهناك أيضًا مَخاوِفٌ مَشروعةٌ مَبنيَّة على أسبابٍ وحَيثِياتٍ مَنطقية. المَخاوِفُ جَّمع شائع الاستخدام من الفعل خَافَ، ولا توجد مثلًا "مَهاوب" من الفعل هَابَ، أما عن صِيغ المُبالغة فهناك الخوَّاف وكذلك الهيَّاب والهَيوب.
• • •
الذُّعْر والهَلع درجاتٌ أعلى وأشدّ من الخَوف، ولإن أصابا الشَّخصَ تخَلخَلت أوصالُه وفقد ثباتُه وربما تصرَّف دون وَعي، مع هذا يختلف الناسُ في تفاعلهم مع المُؤثّرات، فالبعضُ ينتفضُ ما صادفه كلبٌ ضَال، والبعضُ الآخر يتلقّى أزيزَ الطائراتِ وانفجارَ القنابلِ رابطَ الجأش، ويحتفظُ بالسَّكينة في مُواجهةِ فظائعٍ يَشيبُ من هولها الوِلدان.
• • •
تأتي نوباتُ الهَلع دون مُسبِّب واضح، فتتسارع ضرباتُ القلبِ ويَظن المرءُ خلالها أنه سيُسلم الروحَ، أما المَخاوفُ المَرضيَّةُ فأقل حِدَّة وإن ظلَّت بلا منطقٍ يُفسرها؛ هناك من يخافُ الأمكنةَ العاليةَ أو المُغلقة ويَرفض ولوجَها، ولا يُمكن إقناعه بحديثِ العقلِ فالخوف هنا سيدٌ مُطاع.
• • •
تواضَعنا على استخدامِ تعبيرِ "فيلم رعب"؛ لا فيلم فزع أو رهبة أو غيرها من مُفردات، والحقُّ أن الواقعَ صار أكثر إرعابًا وتخويفًا من أيّ دراما مَصنوعة. إذا جاء ذكر السينما والأفلام، فاثنان يَصعبُ نسيانهما: "شيءٌ من الخَوف" لشادية ومحمود مُرسي وحسين كمال بنهاية الستينيات، و"أرضُ الخًوف" لأحمد زكي وداوود عبد السيد بنهاية التسعينيات. ثلاثون عامًا تفصلُ فيلمين لكليهما بَصمةُ خوفٍ عميقة؛ في الأول خوفٌ سياسيٌّ من الطاغية، وفي الثاني خَوفٌ وجُوديٌّ من فُقدانِ الهُويَّة.
• • •
الخَوفُ ضَعفٌ والخائفون في حِلٍّ من اتخاذ قراراتٍ سَليمة؛ إذ يَعجز الذّهنُ عن رؤية الأمور في وضوح ما تداخلت مع عملِه المشاعرُ القوية، واكتسحت صفاءَه ولبَّدته بالغيوم؛ مع هذا ثمّة استثناءاتٌ تقع حين يستدعي الخوفُ ردةَ فعلٍ إيجابية؛ كأن يُهاجم الواحد مصدرَ خَوفِه أو يواجهه؛ فإن تمكن من هزيمته كان المكسب مضاعفًا؛ قهر الخَوف وتذليلُ عقبةٍ من الطريق.
• • •
الشخصُ مَرهوبُ الجانب يخشاه الناس؛ يعلمون عنه ما يمنعهم من العَبثِ معه. ربما كانت تصوراتُهم صحيحةٌ، وربما كانت مَحض مُبالغات لا أصل لها ولا جُذور. ثمّة راهبٌ في مِحراب العِلم وراهبٌ في الكنيسة؛ الراهبُ فاعلٌ فماذا يَرهب في الحالين؟ ربما انبثقت التَّسمية من إجلال كليهما لما ينخرط فيه ويشعر نحوه بالصغَر والضآلة؛ فالعلم العظيم يُورث الرَّهبة، ومثله القوةُ العليا المُمثلة في الإله.
• • •
أنشد النقشبنديّ من مقام البياتي "بنور وجهِك إني عائذٌ وَجِلُ، ومن يلُذ بك لن يَشقى إلى الأبد". تفسِّر المعاجمُ الوَجل بأنه حال الفَزعِ والخَوف؛ لكن الكلمةَ توحي في سياقِ الابتهال بعدم القُّدرةِ على التصرُّف لفرطِ الانفعال. "مولاي" أحد أجمل الابتهالات التي تحلّق بسامعها بعيدًا، وهو التعاون الأول بين عبقريين في عالمِ الموسيقى والغناء؛ بليغ حمدي وسيد النقشبندي.
• • •
الجُّبن نقيضُ الشجاعةِ والإقدام، وإن جَبن الواحد عن اتخاذِ مَوقفٍ فقد تركَه مَخافةَ العاقبة وصار بنكوصه مَوضِع ازدراء، أما إن هابَ المرء أمرًا أو شخصًا؛ كان المعنى أنه حذرَه واتقاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.