اليوم.. الأوقاف تفتتح 10 مساجد بالمحافظات    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    فلسطين.. تجدد القصف المدفعي الإسرائيلي على المناطق الشرقية لدير البلح وسط قطاع غزة    خالد جلال: مدرب الترجي يعتمد على التحفظ    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    انتهاء الموجة الحارة.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هشام ماجد: «اللعبة 5» في مرحلة الكتابة.. وهذه قصة صداقتي مع شيكو    وفاة إيراني بعد سماعه نبأ تحطم مروحية رئيسي، والسر حب آل هاشم    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    وزير خارجية السعودية يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء فلسطين الأوضاع فى الضفة وغزة    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وليد صلاح الدين: لدىّ ثقة كبيرة فى فوز الأهلي بأفريقيا وهدف مبكر يربك الترجى    الزمالك ضد فيوتشر.. أول قرار لجوزيه جوميز بعد المباراة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    سيد معوض يكشف عن روشتة فوز الأهلي على الترجي    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 24 مايو 2024    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    كاريكاتير اليوم السابع.. العثور على مومياء أثرية ملقاة بالشارع فى أسوان    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    المعمل الجنائي يفحص آثار حريق داخل محطة تجارب بكلية الزراعة جامعة القاهرة    مقتل مدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية: "مش عايزها تاخد دروس"    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    «الوضع الاقتصادي للصحفيين».. خالد البلشي يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    انعقاد الجلسة الخامسة لمجلس جامعة الدلتا التكنولوجية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كَشَّ
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 11 - 2023

حين صرخت المرأة وسط الشارع، كشَّ العابرون وانتفضَ بعضُهم. بدت صرختُها إعرابًا عن ضيقٍ شديدٍ طوَّق صدرَها وأنهكَ أعصابَها، ودفعها للاعتراضِ على حالٍ لم تعد مُحتمَلة. لم يعرف أحدٌ على وجه الدقَّة ما دفعَها للصُّراخ، لكن الأكيدَ أن كثيرين تمنُّوا لو واتتهم الجَرأةُ فصنعوا مثلها أو شاركوها؛ إذ لكلّ حاضرٍ في لحظتِها ما يضغطُه ويقضُّ صحوه ونومته، ولكلّ عائشٍ في هذه الأجواءِ الخانقة ما يحرضُّه على فعلٍ غير مُتوَقَّع.
• • •
يأتي الفعلُ كَشَّ في قواميس اللغة العربية بمعنى قَصر عن حجمِه الطبيعيّ، وثمة معان أخرى فإذا غلت القدر بما فيها قيل إنها كشَّت، وإذا صاحت البهيمةُ وسُمِع صوتُها فقد كشَّت هي الأخرى، وأما الكشيش فهو صوتُ جلد الأفعى في احتكاكِه ببعضِه البعض أثناء حركتها الناعمة. الفاعلُ كاشٌ والمَفعول به مَكشوش منه والمصدر هو الكَشّ.
• • •
قد تكشُّ الملابسُ بعد غسلها فينقصُ طولُها وتُصبِح غير مُلائمةِ لصاحبِها وتعجَز عن سَترِه، السَّببُ مَعروف في العادة؛ فإن تُستخدَم مياهٌ ذات درجةِ حرارةٍ عاليةٍ مع بعضِ الأنسجة الحسَّاسة؛ تتغيَّر خواصها وتتبدَّل هيئتها؛ لكن الأمرَ يتعلق بعضُ المرَّات بسوءِ الصناعةِ ورداءةِ المُنتَج وتراجع مواصفاتِه عن الحدودِ الدنيا للجودةِ المطلوبة.
• • •
إذا كشَّ واحد في الآخر وزعق؛ فأخافه وجعله يتراجَع عن موقفِه في سرعة؛ صارت له اليدُّ العليا، حتى وإن لم يكُن على حق. يُقال: خذوهم بالصَّوت والمعنى أن صاحبَ الصَّوتِ الأعلى فائزٌ بغضّ النظر عن أحقيَّته، وبغضّ النظر عما يُدافِع عنه. يَسعى العدوُّ الرابضُ على الحدود حثيثًا كي يفوقَ صوتُه صوتَ ضحاياه، وكي ينجحَ تحايُله وكذبُه في تشويه الصُّورةِ وقلبِ المعاني؛ لكن الحالَ تبدو وقد تغيَّرت؛ انكشف الزيفُ مع ثبات المُقاومةِ وبات مَفضوحًا مُخزيًا.
• • •
كِشّ ملك؛ عبارةٌ ما إن تُنطَق أمام رقعةِ الشطرنج حتى توقع الروعَ في قلبِ أحد المُتنافسين، إذ هي أمر مُباشر يتوجه للخَصم فينذره لسحب المَلك المَصون من ساحة المعركة، والتقهقُر في محاولة لحمايته قبل أن يُقضى عليه. بعضُ المرَّات يتمكَّن الملك من العودة واستئناف المعركة بل وأحيانًا الفوز، وفي مرات أخرى يسقط إلى غير رجعة، ومن وراءه الجيش والمملكة؛ إذ انكشف الغطاءُ وتهاوت الحصون.
• • •
بعضُ المرات ينكص المرءُ عن مواجهةٍ يخشى أثرَها وعواقبَها الآجلة، أو ربما يخشى لحظاتِ وقوعها. يَكشُّ عن اتخاذ الخُطوةِ وإن كانت ضرورةً لا مفرَّ منها، ويُفضل أن يُرجئها، ويظلُّ يتملَّص ويُماطل ويَبتدع الحججَ والمُبررات ويُزيد؛ إلى أن يجد نفسَه مُكرهًا، يتلقى الهزيمة في قعوده دون أن يغتنمَ فُرصةَ التلاحم لعله يُحرِز منها مكسبًا ولو بسيطًا.
• • •
تطرق مُفردةُ الكَشكَشة أسماعَنا بين الحين والآخر؛ مِن أمهاتنا ربما أو جداتنا إذ هي تعبير قديم تجاوزته على الأرجحِ تفاصيلُ الحياة التي باتت تغصُّ بمفردات التكنولوجيا الحديثة. تشير الكَشكَشةُ على الأغلب إلى تلك الثنياتِ التي تُصنَع في الثوب؛ قد تزين رداءَ امرأةٍ بعض المرات، وقد تكون فقط لضبطِ المَقاس، وقد تظهر في ستائر المنزل لتضفي رونقًا وثراءً، هذا عما يعرفه أغلبنا عن الكَشكَشة، أما ما تورده معاجمُ اللغة العربية بشأن الكلمة فبعيد وعجيب؛ إذ هي مُسمَّى للهجةٍ ضمن اللهجات العربيَّة، استخدمها بني أسد وربيعة، وتتضمَّن تحويلَ الكاف في خطابِ المؤنَّث إلى شين أو إضافتها في نهاية المَنطوق؛ فيقولون على سبيل المثال: "مِنش" و"منكِش" بدلًا من "منكِ"، و"عليش" و"عليكِش" بدلًا من عليكِ.
• • •
لبعض الناس هيبةٌ ما حلّوا في المكان؛ تدفع الآخرين للكشّ منهم. عرفنا أيام الطفولةِ مِن طاقم المُدرسين مَن إذا دخل الفصل؛ كششنا نحن التلميذاتُ في أماكننا وحلَّ بيننا الصمتُ والتوَجُّس؛ ارتجفت منا من نَسيت واجبَها، ومن أخفقت في إجابةِ امتحانٍ سابق، وكذلك من أنجزت ما عليها؛ لكنها طبائعَها المُرهفة تدفعها للفزع دون سَبب يُعقَل.
• • •
صاحبُ السعادةِ كشكش بيه فيلم من إنتاج الثلاثينيات، أخرجه ستيفان روستي وقام ببطولته نجيب الريحاني ويقول أرشيفُ السينما المصرية أنه فيلمٌ ضاحكٌ، عُرِضَ حين كانت السينما بعد صامتةً، تعتمد حصرًا على الأداء الحركيّ، وحين غدت السينما ناطقة؛ أُضيف إليه الصوتُ، وأعيد إصداره من جديد.
• • •
الكِشك بكسر الكاف الأولى؛ أكلةٌ ذات أصولٍ مُتعددة، تفننت فيها مطابخٌ كثيرة؛ منها التركيّ والسوريّ والإيرانيّ والفلسطينيّ، وكذلك منها المطبخ المصريّ الذي يختلف من وجه بحريّ إلى قبليّ حيث يعرف الكِشك الصعيديّ الذي يُصنَع على هيئة كُرات صَلبة يتم لاحقًا طهيها. يضُم الكِشك مُكوناتٌ طبيعية بسيطة مثل الدقيق واللبن أو الزبادي، ويُضاف إليهما الأرز وبعضُ الأحيان الشَّعير، فإن تيسَّرت الحال؛ أضيفَت قطع الدجاج وطُمِرَت داخله، وإن أجدبَت الظروفُ؛ ظلَّ مُنفردًا لا تقربه اللحوم.
• • •
في كثيرِ الأحيان تصبح لغةُ الجسد فاضحةً؛ فهذا الذي يكشُّ ويَهاب لا تستره -وإن حاول- ملامح وجهِه، ولا يُسعِفه جسمُه بإخفاء حقيقةِ مشاعره. قد يتجنَّب تلاقي الأعين، ويُبقي بصرَه في الأرض، وقد يضُمُّ ذراعيه وكتفيه ويُحني عنقَه قليلًا وربما ظهرَه أيضًا؛ أيّ يصبح في وضع الانكماشِ على نفسِه، وذاك وضع وقائيٌّ يحدث لا إراديًا عند الإصابةِ بالذُّعر أو توقُّع الأذى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.