فى ربيع 1957، أجرى الرئيس دوايت أيزنهاور تغييرا شاملا فى النهج الأمريكى تجاه الحرب النووية. ومنذ ذلك الحين، صارت الولاياتالمتحدة تستبعد شن أى حرب نووية ضد الدول غير النووية. وهى تزيل «الغموض» الخاص بالاستراتيجيات السابقة، واضعة خطا صريحا بين الحرب العادية والنووية. وصار الدور الأساسى للأسلحة النووية منذ ذلك الحين متمثلا فى الردع من أجل الحيلولة دون وقوع الحرب النووية: أى من أجل توجيه إشارة إلى خصوم أمريكا (تحديدا الاتحاد السوفييتى) بأن أى هجمة سوف يترتب عليها انتقاما ساحقا، وبالتالى ترقى إلى حد الانتحار الوطنى. هاجم منتقدون كثيرون خطوة الظهور بمظهر من يستبعد أى نوع من الحرب نووية أو عادية مع الاتحاد السوفييتى. إذ كيف تتمكن الولاياتالمتحدة إذن من التصدى للروس؟ ولكن التهديد بالتدمير الأكيد المتبادل أصبح سياسة الأمر الواقع الخاصة بأمريكا فيما تبقى من الحرب الباردة، التى انتهت عندما كف الروس. ولم يكن لأيزنهاور أى هدف بارز من وضع هذه السياسة. فالأحرى أنه أقلقه الصخب المتنامى الصادر عن البنتاجون بشأن إمكانية أن تشن الولاياتالمتحدة حربا نووية «محدودة» وتفوز فيها، وهو ما أيده مثقفو «عراف هرمجدون» (المتنبئ بمعركة نهائية فاصلة بين الخير والشر تحدث فى بلدة هرمجدون فى فلسطين كما ورد فى الكتاب المقدس) من أمثال هنرى كيسنجر والديمقراطيين الحريصين على استعادة البيت الأبيض. وكان لابد من وأد تلك الفكرة فى مهدها، حتى إذا حدث وكانت هناك مواجهة مع موسكو لا يكون هناك ما يغرى أى شخص باستخدام إحدى هذه القنابل فعليا. إذ كان أيزنهاور يعتقد بشكل حاسم أنه إذا حدث هذا، فسوف تتصاعد الحرب حتما لتصبح محرقة نووية حرارية. وفى الأسبوع الماضى، أعلن الرئيس أوباما فى مراجعته للوضع النووى، النهج الأمريكى الجديد تجاه الحرب النووية، الذى يأتى تحديدا كما لو كان خارجا من نصوص أيزنهاور. وفى الواقع، سرعان ما أصبح السيد أوباما مواجها بانتقادات ممن قالوا إن التكنولوجيا الأمريكيةالجديدة بالإضافة إلى تضاؤل قدرة الخصوم التقليديين، تجعل الفوز فى الحرب النووية الآن أمرا ممكنا. يؤكد هؤلاء المنتقدون أيضا، كما فعل أسلافهم فى الخمسينيات تماما، أن القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الذرية، تجعل الحرب النووية أقرب احتمالا بطريقة أو أخرى. إذ نبه جون بولتون السفير السابق فى الأممالمتحدة إلى أنه «من خلال وضع المزيد من القيود من جانب واحد على الظروف التى يمكن فيها للولايات المتحدة استخدام الأسلحة النووية لحماية نفسها وحلفائها، تزيد إدارة أوباما فى واقع الأمر من عدم الاستقرار الدولى واحتمالات النزاعات المستقبلية». ومثله مثل إيزنهاور، يرفض السيد أوباما هذا الادعاء، حيث يدرك إن المقاربة «الغامضة» للأسلحة النووية سوف تجعل الحرب النووية أمرا ممكنا تصوره بشكل أكبر. ومع ذلك فإنه على المدى الطويل يرغب السيد أوباما فى التفوق على أيزنهاور: إذ يهدف إلى إلغاء الأسلحة النووية. وهو يعلم أن الولاياتالمتحدة، تلك القوة العسكرية الأكثر تفوقا فى العالم، هى وحدها القادرة على تحقيق منع الانتشار النووى وفرضه بشكل كامل. فإذا كان باقى العالم يثق فى إشراف أمريكا على الوصول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، فليس هناك ما يوجب قول إنه ينبغى على الولاياتالمتحدة التخلى عن استخدام ترسانتها النووية الهائلة من أجل أى غرض سياسى أو عسكرى باستثناء الردع الأساسى.. ولا تشير مراجعة السيد أوباما للوضع النووى، والاتفاقية، التى أبرمها مؤخرا حول الحد من الأسلحة مع روسيا، إلى أنه يفهم هذا الواقع فحسب، بل إلى أنه، شأنه شأن أيزنهاور، يرغب فى قبول المخاطرة السياسية مقابل السلام النووى. The New York Times