- نعيش وضعا كارثيا وغير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية لم نشهده طيلة 75 عاما - طوفان الأقصى أعادت إحياء القضية الفلسطينية بعد أن وارتها الأزمات العالمية - المواقف الشعبية العربية المتضامنة مع فلسطين جية وبنّاءة تجاوزت حصيلة الشهداء في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل ال5 آلاف شهيد، كان آخرها قصف الاحتلال لمواقع قريبة لمجمع الشفاء الطبي، والذي كان يضم حوالي 40 ألف نازح فروا من القصف أغلبهم نساء وأطفال، مما يوضح صعوبة الوضع داخل المجمع. وعلى المستوى الدولي، أكد زعماء الولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، دعمهم الكامل لإسرائيل، مع مطالبتهم بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين. ولليوم الثالث على التوالي، دخلت قافلة شاحنات للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، في حين ينتظر أن تدخل قافلة مماثلة خلال الساعات المقبلة، بالتزامن مع الجهود المصرية المكثفة من أجل تحسين الوضع الإنساني بالقطاع الفلسطيني، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار. ولقراءة المشهد بصورة أقرب ومتابعة مجريات الأوضاع على نحو أكثر تفصيلا، أجرت "الشروق" حوارا مع الدكتور أسامة شعث، السياسي الفلسطيني البارز أستاذ العلاقات الدولية، والذي أشار من خلاله إلى مدى مأساوية الوضع الإنساني، وقدر الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية ووحدة الشعب وصموده على أرضه وإلى نص الحوار.. - كيف ترى الوضع القائم الآن في غزة؟ وهل تكفي المساعدات التي أرسلتها مصر حتى الآن؟ لا أظن أنها كافية، فالوضع الجاري في غزة كارثي، ولا يمكن أن يوصف؛ حيث القصف المكثف والعشوائي على القطاع ومحافظاته، والاحتلال الإسرائيلي يواصل تدمير البنية التحتية؛ إذ دمر كليا شبكات الكهرباء والمياه، فلا يوجد مياه ولا كهرباء بالمستشفيات أو المنازل، وضربت وسائل الاتصال وخطوط النقل والمواصلات، ما أدّى إلى افتقاد أهل غزة لأبسط متطلبات الحياة التي يحتاجها أي إنسان. وبجانب ذلك؛ هناك مئات الجثث التي لم تدفن حتى هذه اللحظة، والتي وجودها خارج الثلاجات يشكل خطرا، ويتطلب دفنها بأقرب وقت ممكن، وآلاف المصابين يتم نقلهم الآن للمنازل مع حالة المستشفيات المتدهورة والكارثية، التي لا تمكنها من استيعاب الأعداد الضخمة، بجانب عدم وجود الأدوية وضمادات الجروح وكل المستلزمات الطبية غير موجودة. أيضا الكارثة البيئية المتعلقة بالحالة الإنسانية للمنازل بشكل عام والمكان الذين هم بحاجة لمقومات معيشة ووسائل اتصال، وهناك من مرضى الأمراض المزمنة الذين هم في حاجة لرعاية ومتابعة طبية، ولا يوجد أحد يؤدي تلك المهمة لهم، لذلك فإننا بصدد وضع كارثي وغير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية لم نشهدها طيلة 75 عاما. - كيف انعكس تعطيل مسار المفاوضات في انفجار الأوضاع ب فلسطين؟ الحقيقة أن مسار المفاوضات بدأ مع عام 1988؛ بعدما أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات، إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك استنادا على قرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم ويقر بتقسيم فلسطين لدولتين، وبكل أسف الفلسطينيون فتحوا بابا للحوار مع الولاياتالمتحدة، ومن ثم بدأت عملية السلام في مدريد عام 1991 وجاء من بعده مؤتمر أوسلو 1993، والذي تأسست بموجبها السلطة الفلسطينية عام 1994. ومنذ ذلك الوقت وحتى تلك اللحظة، والمفاوضات تجرى بشأن الوضع الداعم، والذي يعني الانسحاب الكامل من أراضي الضفة الغربية ومن مدينة القدس وكل الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما يرفضه الاحتلال ولا يلتزم بالاتفاقات، ولا يقبل حتى أن يجتمع بالوفد الفلسطيني ويتعامل معه بشكل ندي ومتوازن، ويتعامل معه بطريقة الأمر والالتزام بالتعليمات الإسرائيلية وأن كل ما يشاء يحق له أن يفعله وينفذ استراتيجيته وسياساته. وبالتالي كانت هناك حالة من اليأس والإحباط لدى الشارع الفلسطيني؛ لذا اندلعت في عام 2000 الانتفاضة الثانية، بعدما اجتاح شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، المسجد الأقصى، وكانت ثورية غير مخطط لها ورغم ذلك امتدت لجميع الأرجاء الفلسطينية مكبدة الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، ومعها توقفت المفاوضات ومحاولات الوساطة الدولية. وبعد رحيل عرفات وتولي الرئيس محمود عباس، أطلق كل المحاولات والجهود لتوحيد الجبهة الفلسطينية الداخلية، وبدأ عملية المفاوضات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، وكانت مفاوضات أبو مازن معهم شاقة للغاية، وعلى الرغم من ذلك لم تسفر عم أي نتيجة تذكر وظل الوضع الحالي، وبتنا ندور في حلقة مفرغة من المفاوضات مع هذا المحتل الذي يواصل جرائمه من استيطان واعتداءات على المسجد الأقصى ومحاولات تهويد وتغيير المعالم الديموغرافية لفلسطين وحصاره المميت لقطاع غزة. وللأسف الشديد، نجح نتنياهو وعصابته في اجتذاب العرب إلى توقيع اتفاقيات تطبيع، على عكس ما نادت به المبادرة العربية للسلام والتي كانت تقضي بأن يسبق السلام وفتح العلاقات أن تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة؛ لذلك فإني أعتبر أن الأمة العربية تركت الشعب الفلسطيني وحده رغم أن المقدسات الفلسطينية هي ملكٌ لكل العرب. والاحتلال الإسرائيلي نموذج مختلف عن باقي نماذج الأخرى من التاريخ، فسابقا كان الاحتلال يسعى لدمج مجتمعه مع المجتمع المحتل، كما جرى في الاحتلال الفرنسي للجزائر، لكنه جاء ليطرد شعبا من أرضه بعد آلاف السنين، ويتعتبرهم مقيمين غير شرعيين، هو ما يسمى في العلوم السياسية بالإحلال أي استبدال إنسان بآخر. - هل تعد طوفان الأقصى محطة فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية؟ ولماذا؟ طوفان الأقصى هي أول معركة في تاريخ الصراع العربي -وليس الفلسطيني فحسب- الإسرائيلي، يتقدم فيها الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة، فكل ما جرى من معارك منذ 67 وحتى الآن، لم تكن تجرى في الأراضي المحتلة داخل حدود الكيان الإسرائيلي التي احتلها وأقام دولته عليها في1948. وهناك الكثير من الشواهد التي تجعل المعركة نقطة فارقة، بتحطيمها أسطورة الجندي الذي لا يقهر ولنا في ذلك سابقة أخرى في حرب أكتوبر 73. وفضلا عن ذلك، فقد تمكنت العملية من كسر الجدار العازل والسيطرة على ما به من أنظمة الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد والقبة الحديدية التي على حدود غزة، ومشاهد أسر الجنود الإسرائيليين كانت مختلفة تماما عما رأيناه قبل ذلك، بجانب النجاح في السيطرة على بعض المستوطنات الإسرائيلية لمدة 48 ساعة. - ما هي الأهداف التي حققتها طوفان الأقصى حتى الآن؟ الهدف الأول أنها استطاعت أن تحطم أسطورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعد من أقوى 10 جيوش بالعالم، وهو ما دفع عدد من الدول العربية بأن تهرول نحو التطبيع معه وجزء من ذلك كان خشية من هذا الجيش وتفاديا لأي حرب أو مواجهة معه، بالإضافة لذلك مهدت العملية لإسقاط نظرية الأمن القومي الإسرائيلي بأجهزته الدخلية والخارجية، فجميعها لم تفلح في الحصول على معلومات عن العملية قبل وقوعها التي أحيطت بسرية كاملة، وبالتالي الاحتلال الإسرائيلي يعاني الآن من إشكالية الانهيار اللوجيستي والمعنوي، ما دفعه لطلب المساعدات من حليفته الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن مكاسب العملية أيضا استثمار القضية الفلسطينية وإعادة إحيائها بعد ما باتت مهملة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات العسكرية في السودان وبعض الدول الإفريقية، وكل ذلك قد أدى لانشغال العالم به وترك القضية الفلسطينة بعيداً عن اهتمامه. - كيف رأيت المواقف العربية تجاه التصعيد والقضية؟ أعتقد أن المواقف الشعبية العربية، جيدة وممتازة وبناءة، ولكن يجب علينا البدء بالتحرك الفعلي العاجل لتطويرها والاستفادة من القوة العربية والإسلامية، لدينا أكثر من 400 مليون عربي، وأكثر من مليار مسلم، هؤلاء جميعهم يجب أن يتحركوا فورا لمقاطعة منتجات الاحتلال الإسرائيلي، وكل المنتجات الأمريكية الداعمة له وكل الشركات الدولية التي أعلنت صراحة عن دعمها للاحتلال، فهي فرصة لا يستهان بها لإضعاف ذلك الكيان المحتل وداعميه. هناك أيضا صورا من الدعم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية، يجب أن نضمها للترويج لقضيتنا وتعريف العالم بمأساة شعوبنا باعتبارها قضية العالم الحر وقضية الإنسانية وقضية القضايا كما وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي. - ما تقييمك للموقف الأمريكي خاصة مع زيارة بايدن والزيارات المتكررة لوزير الخارجية بلينكن؟ أعتقد أن زيارات وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة كانت لدعم الاحتلال الإسرائيلي، وجس نبض كامل للمنطقة، بأنه لديه رغبة بالاجتياح وتدمير غزة والاستماع إلى الأمة العربية أو تحديدا إلى مصر والأردن والسعودية، باعتبار أن مصر هي محط الأنظار لدى المخطط الأمريكي ب«التوطين» والذي يعد مشروعا قديما، وسبقه مشروع روجرز الذي كان في عام 1970 ولقى رفضا من الرئيس جمال عبد الناصر، ففكرة الوطن البديل للفلسطنيين بسيناء مرفوضة رفضا قاطعا منذ أن طرحت في أوقات سابقة. وزيارة بلينكن كانت للتأكيد والترويج لذلك، وكان رغبته أن يلقى القبول والإذعان من الزعماء العرب؛ لكنه اصطدم بالموقف العرب الذي رفض عملية التهجير والتوطين والعدوان، والولاياتالمتحدة بات موقفها واضحا للجميع وهو الدعم الكامل والمطلق للاحتلال وإسنادها أيضا ماديا وعسكريا ولوجستيا وحتى بشريا؛ الجنود الذين تم أسرهم لدى المقاومة الفلسطينية، جزءا منهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، أيضا هناك من يحملون الجنسية الأمريكية. - ما رؤيتك عن المفاوضات ومستقبل حل الدولتين؟ باعتقادي أن القمة التي دعا لها الرئيس السيسي واستضافتها القاهرة، ستكون ذات أهمية كبيرة في مستقبل التفاوض، وربما ستسفر نتائجها عن خطوات تنهي الصراع كليا.