ما بعد الهجوم والهجوم المضاد بين كل من حركة حماس وإسرائيل منذ السبت الماضي، وما تبعه من خسائر بشرية تكبدها الجانبين، ثارت العديد من الأسئلة حول مآلات هذا التصعيد المتسارع والحاد لصراع ممتد منذ عقود، فهل نحن مقبلون على حرب شاملة ومفتوحة؟ هل تستطيع إسرائيل هزيمة حماس عسكريا، أو العكس؟ هل ستنفتح حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة على اليسار لتشكيل حكومة طوارئ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الآثار المترتبة على ذلك؟ أسئلة طرحها محرر الشئون الدولية في موقع مجلة "ذي كونفرزيشن"، جريجوري رايكو، على سامي كوهين، الباحث الفخري بمعهد باريس للدراسات السياسية، ورئيس الجمعية الفرنسية للدراسات الإسرائيلية، لتقديم بعض الإجابات. • لماذا فاجأ هجوم حماس إسرائيل؟ يشير سامي كوهين، إلى وجود عيوب على مستويين بالنسبة لإسرائيل، أولها الفشل الاستخباراتي لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشاباك، والذي كان لديه اطلاع جيد على الوضع في قطاع غزة، ولكن من الواضح لكوهين أنه لم يعد له أي مصادر داخل حماس في الفترة الماضية. هذا العمى بنظر كوهين مثير للدهشة، فقد أفاد صحفيون في الأشهر الماضية بأن العديد من مقاتلي حماس انتظموا في التدريب على الدراجات النارية، بل وتعلموا قيادة الطائرات الخفيفة؛ ومع ذلك فإن الأجهزة الإسرائيلية لم تر شيئاً من ذلك. وهذا خلل كبير سيتعين عليهم الإجابة عنه يومًا ما. ويرى كوهين أن هذا الخلل لم يحدث من فراغ، ففي معظم الأحيان، ترجع الإخفاقات الاستخباراتية إلى إخفاقات في المفهوم السياسي العسكري للبلاد. وحرب أكتوبر قبل 50 عامًا، مثال على ذلك، وقد كان لدى أجهزة المخابرات الإسرائيلية الكثير من المعلومات التي تشير إلى أن مصر كانت على وشك الهجوم، لكن القادة السياسيين لإسرائيل لم يرغبوا في تصديق ذلك لأنهم وقعوا في مصيدة سردية استراتيجية مختله تماما، مفادها أن مصر أضعف من أن تجرؤ على الهجوم. وبالطريقة ذاتها، ولعدة سنوات حتى الآن، وفق كوهين، تسربت تلك الرواية السياسية الاستراتيجية بطريقة أو بأخرى إلى عالم الاستخبارات، وهي رواية طالما دافع عنها بنيامين نتنياهو لسنوات، والتي تؤكد أن حماس لا تشكل خطرا كبيرا على إسرائيل، وأنه من الضروري الحفاظ على وجودها في قطاع غزة من أجل إقناع الداخل الإسرائيلي والمجتمع الدولي بعدم وجود شريك للسلام لأن المجتمع الفلسطيني منقسم بين كل من حماس وفتح. ويتابع كوهين قائلا: بالنسبة لنتنياهو واليمين الإسرائيلي بأكمله، كانت فزاعة حماس بمثابة نوع من التأمين ضد أي ضغوط دولية. حتى أن نتنياهو قال ذات يوم إن من مصلحة إسرائيل أن تستمر حماس. ولهذا الغرض، سمح بدفع الأموال لحماس، وسمح لنحو 20 ألف من سكان غزة بالذهاب والعمل في إسرائيل، وبالتالي جلب الأموال إلى قطاع غزة حتى تكون الحياة تحت حكم حماس قابلة للعيش إلى حد ما. هذه الرؤية بحسب كوهين قد تشبعت بها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وعلاوة على ذلك، أعلن تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي، الهيئة التي تقدم المشورة لرئيس الوزراء، والمقرب من نتنياهو، قبل فترة قصيرة، أن حماس ليست حريصة على استئناف أي أعمال عدائية. باختصار، وفق كوهين، لقد نامت أجهزة الاستخبارات، وهو ما يمكن تفسيره بموقف الحكومة، إضافة إلى تركيز نتنياهو التام لشهور على معركته من أجل السيطرة على المحكمة العليا، والتي كانت أولوية مطلقة بالنسبة له، على الأقل حتى السابع من أكتوبر. ما هو تفسير سهولة دخول مقاتلي حماس إلى داخل مستوطنات غلاف غزة؟ يفسر ذلك كوهين بعدم كفاية وحدات الجيش حول غزة، لأنهم كانوا في الضفة الغربية، فمنذ عامين، قامت الحكومة الإسرائيلية بتشديد الإجراءات الأمنية بشكل مطرد في المستوطنات. لتصاعد الهجمات في الضفة الغربية؛ لكن التفسير يكمن بشكل رئيسي في وجود ممثلين عن مستوطني الضفة الغربية في الحكومة، بدءاً بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذين يطالبون الجيش بتوفير الأمن لهؤلاء المستوطنين، من ناخبيهم الموالين، وذلك على حساب من يعيشون بالقرب من قطاع غزة، والذين يصوتون بطريقة متباينة، وبالتالي لا يعتبرون من الناخبين ذوي الأولوية. هذا المزيج من العمى الاستخباراتي، وغياب القوات حول قطاع غزة، برأي كوهين هو ما سمح بحدوث هذا الهجوم. وماذا عن محاولة نتنياهو تشكيل حكومة طوارئ؟ يرى كوهين بأن ذلك سيكون أمرا معقدا، فزعيم المعارضة، يائير لابيد، قد طلب رحيل العناصر الدينية المتطرفة مقابل دخوله الحكومة. مستبعدا أن يستطيع نتنياهو العمل بدونهم. وقال: بينما نتحدث، يرتدي نتنياهو زي أمير الحرب ويستعرض عضلاته، مدعيا أنه سيدمر حماس. ولكن هل هذا ممكن؟ يجيب كوهين بالنفي، موضحاً أن هذا مجرد خطاب سياسي خالص، وليس واقعيا. فحماس ليست جيشا يمكن هزيمته في ساحة المعركة أو الاستسلام له. إنها منظمة شبه عسكرية لا مركزية، ومن الصعب للغاية القضاء على مقاتليها في الأنفاق. ولن تكون القوة الجوية الإسرائيلية كافية. ولتحقيق ذلك، وفق كوهين، سيكون حتمياً دخول غزة بالدبابات وآلاف الجنود، وبالطبع سيكون هناك العديد من الضحايا على الجانبين، بين المدنيين في غزة والجنود الإسرائيليين على حد سواء. وهناك عاملا آخر يجب إضافته وهو الأسرى. • ماذا ستفعل حماس بكل الأسرى الذين احتجزتهم في غزة.. وهل تنوي مبادلتهم؟ يرى كوهين أن حماس ليس لديها في الوقت الراهن أي مصلحة في التفاوض على إطلاق سراح الأسرى. لك أن تتخيل، افتراضيا، أنها نجحت في إطلاق سراح جميع سجنائها الموجودين حاليا في السجون الإسرائيلية، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها. هي بذلك تفقد درعا بشريا هائلا. ويمكن لإسرائيل بعد ذلك شن هجوم واسع النطاق على قطاع غزة، دون خوف من التسبب في مقتل مواطنيها. وأشار إلى أنه قد تكون هناك مفاوضات، ولكن ليس لفترة طويلة جدًا. وفي غضون ذلك، لا شك أن هؤلاء الأسرى سوف ينتشرون في جميع أنحاء غزة، مما سيضطر إسرائيل إلى توخي الحذر الشديد في كل مرة تقرر قصف منطقة ما. • هل نشهد حاليا دق المسمار الأخير في نعش عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية المحتضرة بالفعل؟ يرى كوهين بأن عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية ميتة منذ فترة طويلة، والآن يرمى تابوتها في البحر. مؤكدا بعبارة أخرى، أن موضوع السلام ذاته قد اختفى. مشيراً إلى أن أكثر السكان الإسرائيليين اعتدالاً لم يعودوا يؤمنون بإمكانية السلام. بعدما شاهدوا ما حدث في السابع من أكتوبر، ورأوا الفلسطينيين في الضفة الغربية يحتفلون بذلك. يدلل كوهين على ذلك، برد أحد أصدقائه وصفه بكونه أحد الناشطين لعقود من أجل معسكر السلام، ويعيش بالقرب من قطاع غزة، خلال محادثة عبر الانترنت قال فيها: "لا أستطيع التحدث عن السلام بعد الآن". موضحا بأنه إذا استسلم حتى هؤلاء الأشخاص الملتزمون، فيمكنك أن تتخيل حالة بقية المجتمع، نحن في سنوات مظلمة، ولن يكون هناك عودة إلى الوراء. • ما هو المستقبل الذي تراه لبنيامين نتنياهو؟ نتنياهو يتحمل مسئولية كبيرة عما حدث، لقد اعتقد أنه بإقامة علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول في العالم العربي -رغم أن جميع المراقبين وعلى مدى عقود قالوا إنه لن يكون هناك تطبيع عربي إسرائيلي دون حل للقضية الفلسطينية- فذلك يظهر أن فلسطين لم تعد مشكلة. لكن فلسطين عادت إلى مركز الصدارة في فورة الانفجار، مما يجعل من المستحيل على المملكة العربية السعودية مواصلة التحرك نحو التقارب مع إسرائيل. ومع ذلك، يرى كوهين أنه نظراً للصدمة التي عاشتها إسرائيل يومي 7 و8 أكتوبر، لا يمكن له أن يكون متأكداً من أن نتنياهو سيفقد السلطة في أي وقت قريب. وكان قد فقد شعبيته في الأشهر الأخيرة بسبب موقفه من قضية المحكمة العليا. وأثرت خسارة الشعبية هذه أيضًا على دعم حلفائه الدينيين المتطرفين، واستفاد منها قبل كل شيء حزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، الذي يتصدر استطلاعات الرأي منذ أشهر ويمكن أن ينضم إلى الحكومة في المستقبل القريب. ويشير كوهين إلى ملاحظة أن كلا من غانتس ولابيد لم يطالبا برحيل فروي لنتنياهو. لكونهم يعلمون أن مثل هذا الطلب لن يحظى بشعبية، وسيُنظر إليه على أنه سير في اتجاه حماس، ويمثل إضعافاً لقوة إسرائيل في أعقاب الهجمات، وباختصار، نتنياهو جاء ليبقى، وكذلك حماس، ومن الصعب إيجاد أسباب للتفاؤل.