ما هي فوائد وعوائد إنشاء بنك الذهب الأفريقي؟.. رئيس أفريكسم بنك يوضح    اختيار الدكتور جودة غانم بالأمانة الفنية للمجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار    ‌الإمارات تعلن إنهاء وجودها العسكري في اليمن    انطلاق مباراة غزل المحلة وطلائع الجيش في كأس عاصمة مصر    تركيز على الجوانب الخططية في مران الزمالك قبل لقاء الاتحاد    مران الزمالك – الفريق يستأنف التدريبات بقيادة عبد الرؤوف.. وتصعيد عمار ياسر    تفاصيل اجتماع مدير تعليم الجيزة مع مديري عموم الادارات التعليمية    محافظ المنيا يوجّه بتكثيف الحملات الرقابية على الأسواق خلال رأس السنة    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    صور.. نجوم الفن في تشييع جنازة والدة هاني رمزي    كنوز مدفونة بغرب الدلتا تكشف أسرار الصناعة والحياة اليومية عبر العصور    خالد الجندى: العمر نعمة كبرى لأنها فرصة للتوبة قبل فوات الأوان    وزير الصحة يجري زيارة مفاجئة لمستشفى الواسطى المركزي ويطمئن على المرضى    حبس رمضان صبحي سنة مع الشغل    الإمارات تصدر بيانًا حول الأحداث الجارية في اليمن    أبو الغيط يدعو لوقف التصعيد وتغليب لغة الحوار في اليمن    جوتيريش يدعو لإعادة ترتيب أولويات العالم: السلام أولًا بدل سباق التسلح في 2026    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    العربية للمسرح تكشف عن تفاصيل ملتقى فنون العرائس    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    خبر في الجول - ناصر ماهر ضمن أولويات بيراميدز لتدعيم صفوفه في يناير    30 ديسمبر 2025.. أسعار الذهب ترتفع 25 جنيها إضافية وعيار 21 يسجل 5945 جنيها    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الرئيس الإيراني يتوعد برد "قاس ومؤسف" على تهديدات ترامب    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    بمناسبة احتفالات رأس السنة.. مد ساعات عمل مترو الخط الثالث وقطار العاصمة    دينامو زغرب يضم عبد الرحمن فيصل بعد فسخ عقده مع باريس سان جيرمان    قادة أوروبيون يبحثون ملف حرب أوكرانيا    بنك نكست يوقّع مذكرة تفاهم مع كلية فرانكفورت للتمويل والإدارة وشركة شيمونيكس لدعم استراتيجيته للتحول المناخي ضمن برنامج التنمية الألماني GREET    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    بدء تسليم كارنيهات العضوية للنواب المعلن فوزهم من الهيئة الوطنية للانتخابات    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص على طريق القاهرة- أسيوط الصحراوي الغربي بالفيوم    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    وزير الثقافة يُطلق «بيت السرد» بالعريش ويدعو لتوثيق بطولات حرب أكتوبر| صور    وزير الداخلية يعقد اجتماعا مع القيادات الأمنية عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    محافظ المنوفية يضع حجر الأساس لإنشاء دار المناسبات الجديدة بحي شرق شبين الكوم    مصرع تاجر مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤرة إجرامية ببني سويف    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    أوكرانيا: مقتل وإصابة 1220 عسكريا روسيا خلال 24 ساعة    حكام مباريات غداً الأربعاء في كأس عاصمة مصر    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    «هتحبس ليه؟ فرحي باظ وبيتي اتخرب».. أول تعليق من كروان مشاكل بعد أنباء القبض عليه    التموين تعلن اعتزامها رفع قيمة الدعم التمويني: 50 جنيه لا تكفي    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مدريد إلى باريس.. بين البيت العربى ومعهد العالم العربى
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 03 - 2010

فى شارع «القلعة» فى العاصمة الإسبانية، بناء لطيف العمارة وحار التفاصيل شُيّد منذ فترة طويلة من قبل تاجر إسبانى متبعا العمارة العربية المتخيلة حينا والمنجزة فى أحايين أخرى فى شبه الجزيرة الأيبيرية، وفى قسمها الأندلسى الجنوبى على وجه الخصوص. تزين مدخل هذا المكان لوحتان كبيرتان من الرسوم السينمائية الساذجة، التى زينت واجهات دور السينما فى بلداننا العربية لإعلان عرض بعض الأفلام، التى كانت لها جماهيرية واسعة فى حقبة ماضية، والتى إن هى عادت إلى شاشاتنا اليوم، ستفقد الكثير من بريقها ومن مقاطعها قصا ورقابة والله أعلم. أعادت لى هذه اللوحات ذكريات الطفولة، حتى لا أعترف بالحقيقة المرة وأقول إنها سنوات الشباب، من خلال تذكيرى بفيلم «خلى بالك من زوزو»، الذى ما فتئنا نرقص على موسيقاه وسرعة إيقاعه وأغانى الراحلة سعاد حسنى. وفى اللوحة الأخرى، فيلم لم أعرفه ولكننى أخال بأن مقتنصى الفرص وحرّاس الهياكل المتحجرة فى يومنا هذا من حماة الفضائل والأخلاق المفصّلة على أذواقهم ومفاهيمهم، سينقضون كالأشاوس على ملصقاته تمزيقا وسيرمون بالكفر وبالفسوق مخرجه وممثليه، ويطلقون النار على عارضيه ومشاهديه، وهذا الفيلم يحمل اسم «أشرف خاطئة».
قبل الدخول إذن إلى البناء المبنى من الطوب الأحمر، لديك وقت للتأمل مع هاتين اللوحتين الحاملتين لعبق سنوات انقضت وأخشى أنها لن تعود، أو أن هناك خشية والتباس فى موضوع إحيائها، حتى فى جانبها السطحى والخفيف الذى نكاد اليوم نترحم عليه أمام الاستخفاف الفنى اليوم، والذى لا يحترم إلا مقاييس الفضائيات ذات الأوجه المتقلبة، دينا حينا، وكليبات تحاكى الأحاسيس المائلة إلى الحيوانية أحيانا.
وبعد هذا التوقف والنوستالجيا المتحسّرة، يتبين للزائر أنه قد دخل إلى مركز ثقافى بحثى إسبانى قد وضع إمكانات لا بأس بها أمام الراغب فى استزادة من ثقافة الضاد وأهلها من عرب وإثنيات أخرى. وعند الوقوف أمام خصوصية هذا المكان، يتبين أن له فرعا أندلسيا يحيط بأمور البحث العلمى وفرقه المتخصصة، إضافة إلى البيت الأم الذى يستقبل الفعاليات الثقافية والفنية، وينظم اللقاءات والمؤتمرات العلمية ذات المواضيع المحيطة بالشأن العربى وبشأن قاطنى الدول العربية من مختلف الأديان والقوميات.
يبعث التأمل فى نشاط هذا «البيت» على التفكير بتجارب مشابهة ومحاولة المقارنة مع مشاريع حملت فى أساسها الهم أو الاهتمام ذاته، والتى قامت فى دول غربية أخرى ذات ماضٍ محمّل بالإرث الاستعمارى المباشر أو محاولات السيطرة الثقافية والاقتصادية فى بعض الأصقاع العربية. وأول ما يتبادر إلى الذهن، مشروع معهد العالم العربى العملاق المتموضع فى بناء من طراز معمارى فريد فى أجمل الأماكن الباريسية فى عاصمة النار والنور كما قال عنها قدماؤنا، والتى منحت كثيرا من مفكرينا وأدبائنا حيّزا إبداعيا وإلهاميا لا يمكن نكرانه حتى من أشد العقول تحجّرا من بين قرّاء تاريخنا اليوم حتى لا أستعمل كلمة مؤرخّينا لأن بين التعبيرين علم ومناهج، ضاقت سبلنا عموما فى الوصول إليها.
المقارنة المعمارية والمساحية تبدو غير محبّذة، فبناء «البيت العربى» فى مدريد، يكاد لا يمثّل إلا طابقا واحدا من مبنى معهد العالم العربى فى باريس.. حيث المكتبة الغنية والمتحف وصالات العرض المخصصة للمعارض المؤقتة وصالة السينما وقاعات تدريس اللغة العربية والأقسام الإدارية المتعددة والمطاعم. والنشاط الثقافى فى معهد باريس يحمل تنوعا أكبر نسبيا وتواترا أكثر. إذا، ما هو الدافع إلى وضع التجربتين فى الميزان، أو حتى محاولة النظر إليهما بعين باحث عربى عن «بحث علمى» عربى فى العلوم الإنسانية يفتقد إلى مرجعية محلية، ويحتاج إلى الالتفات إلى ما يتيحه لنا «الآخر» من بيئة ومن مساحة للعمل والتفكير والتأمل؟
الأمر هنا يتعلق بالجانب الفكرى المساهم فى تعزيز الثقافة والعلم العربيان ليس من منظورهما الغرائبى الإكزوتيكى فحسب، كما يفعل معهد العالم العربى الباريسى بامتياز، ولكن أيضا، وهذا لا ينفى الحاجة إلى الجانب الأول، فى السعى إلى إرساء قواعد جغرافية وإمكاناتية لبحث علمى متجدد عن أحوال بلدان عربية تعتبر أنظمتها التعليمية والاقتصادية والسياسية طاردة للعلم وللعلماء فى أغلب الأحيان.
فمعهد العالم العربى فى باريس يعتمد فى إدارته وتمويله على نمطين مرضيين لا يساعدان فى تأديته لوظيفته الأساسية، التى انطلق من أجلها، وهى نشر الثقافة العربية اثاريا وفنيا والسعى إلى تعريف الأوروبيين بها، والابتعاد عن الأحكام المسبقة وتعزيز برامج ثقافية وفكرية للمساهمة فى إحياء نقاش حول أهم الأمور التى تعيشها المجتمعات العربية. وبعد عقود من التجربة، يتحول هذا الصرح السياحى بامتياز، إلى مكتبة للكتب العربية والمحيطة بالثقافة العربية، ومطاعم للتبولة والفتوش، وكثير من الإداريين الموزعين والمختارين حسب أهواء وأجناس وميول المقررين، وأزمات مالية متراكمة ومتداخلة ناجمة عن وجود أموال عربية تأتى حينا وتبتعد أحيان حسب أهواء مانحيها والذين يبغون من خلال هذا الأسلوب إلى التأثير فى سياسات الانتقاء والممارسة الثقافية للمعهد.
وقد شكّل المعهد فى بداياته نقطة جذب للمفكرين والمثقفين عربا وأعاجم فى باريس الذين وجدوا فى انطلاقته مساحة للأمل، ولكنهم سرعان ما ابتعدوا عنه أو استندوا إليه فقط كنقطة لقاء لشرب الشاى بالنعناع أو لاستخدام المكتبة الغنية.. أما النواة الثقافية والفكرية المبتغاة، فقد غابت أو غيبت عنهم، وعن الزائر الفرنسى الذى لم يعد يهمه فى هذا البناء الضخم إلا المعارض الفنية واقتناء الكتب الجميلة من مكتبته أو شراء التذكارات من مخزنه السياحى وكأنه زار أسواق دمشق أو فاس. كل ما ورد ليس بالسلبى حتما، وما يؤديه هذا المعهد مفيد من وجهة نظر محدودة، ولكن التأثير الحكومى العربى على آلية عمل المعهد وممارسة الرقابة غير المباشرة ومحاولة التأثير السياسى والثقافى والفكرى أضحت بارزة بشكل صريح.
إن كل ما تقدم، لمديح مخفى وأمل مرجو وحذر مشوب بالخشية من وقوع التجربة الإسبانية فى الفخ ذاته. ولكن ما تابعته من أعمال «البيت العربى» فى مدريد، وإن كانت طموحاته أكثر تواضعا من الناحية الكمية على الأقل من زميله الباريسى، تطمئن المثقف العربى المستقل بأن هناك مشروعا طموحا لإنجاز فكرى وعلمى يتمثل بالدراسات المعمقة، التى يقوم بنشرها بلغة ثربانتس ولغة الضاد، مهتما بأن يكون المتحدثون فى أروقته وقاعاته من منتجى الفكر والعلم عربا وأوروبيين، مبتعدا عن الغرائبية المتصنّعة، التى تعجب أعضاء المجموعات السياحية، ومستنكفا عن التعالى الثقافى وإعطاء الدروس سياسيا واجتماعيا وثقافيا.. فما السر فى هذا الأمل؟ إنه استقلال هذا المشروع عن أموال المانح العربى الرسمى وابتعاده عن مطابخ السياسات الضيقة فى أروقة السفارات العربية على الرغم من إشراك السفراء فى مجلس إدارة موسّع، للسعى إلى إشعارهم بأن هذا المشروع يعنيهم كممثلين عن شعوب وليس كناطقين باسم أنظمة.
ربما يعيش معهد العالم العربى أيامه أو سنواته الأخيرة فى ظل التجاذبات السياسية والمصالح الضيقة وضبابية المرجعية. أما البيت العربى فى مدريد، فأعتقد أن له مستقبلا واعدا فى المساعدة، ولو بشكل جزئى، على تمتين الروابط الثقافية والعلمية بين ضفاف المتوسط وحتى أبعد.. إن هو عرف أن يستمر بالاستقلال عن الرغبات السياسية العربية الضيقة، وحافظ على مرجعيته الإسبانية من الجانب المادى والإدارى على الأقل، وأن يستمر كمنبر «للأصوات والأفكار والنظرات والفاعلين»، كما تذكر اللوحة التى تعتلى منصة قاعة المحاضرات فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.