رغبة حقيقية نحو التعمق فى أدق التفاصيل الحياتية، الغوص فى أعماق الحياة وتأملها من نافذة المواقف الإنسانية البسيطة، حيث برعت الكاتبة نورا ناجى عبر مجموعتها القصصية «مثل الأفلام الساذجة» فى شحن القارئ بدفقات من مشاهد طفولته ومراهقته ومحطات دافئة من حياته. بلورت الكاتبة نورا ناجى مجموعة من الأفكار المتفردة بأسلوب شديد السلاسة، فى مجموعتها القصصية الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية فرع الأداب «مثل الأفلام الساذجة»، الصادرة عن دار الشروق، حيث حرصت ناجى على أن تكون المجموعة القصصية فى مرحلة تتجاوز الحكايات التقليدية إلى الحبكات الشيقة، حيث يصبح النص مرآة إنسانية لدواخلنا المتشابكة. تكشف لنا المجموعة القصصية عن قدرة الكاتبة على صوغ فقرات موجزة مكثفة أشبه ما تكون بلوحات بديعة تصف أدق المشاعر، وتمكن القارئ من أن يعيد قراءة نفسه، اكتشاف ذاته لو كان لها أسماء جديدة، أماكن مختلفة يزورها لأول مرة، ليطرح على نفسه سؤالا يلح باستمرار: هل عشتُ هنا من قبل، فالعديد من التفاعلات بالنص، قد جرت تحت سمعى وبصرى فى مرحلة ما. رحلة ثرية بالتفاصيل، تمر بها نورا ناجى مع القارئ، عبر 22 قصة متنوعة نجحت من خلالها فى التفتيش بدواخل ومكامن الذاكرة المهملة، تُعيد ترميم الشقوق وحشوها بالذهب، وهى تملك قناطير من ذهب الكلمات والاصطلاحات الكاشفة، والتى لها القدرة تماما على التعبير المناسب عن التفاصيل الصغيرة التى تصنع لنا الحياة الكبيرة. برعت نورا ناجى فى رسم عالم أبطالها بدقائقه وتفاصيله، وتمنحهم الحياة على الورق، حيث يشعر القارئ بمدى حيوية النص والتفاعل الذى يدور بين الشخصيات بما يمنح إيقاع المجموعة القصصية تسارع مطلوب لجذب القارئ، وأجواء تغلفها حالة تسامح تشيع بين أبطال «مثل الأفلام الساذجة». تأتى القصة تلو الأخرى فى مجموعة نورا ناجى، حيث تتبنى منظورا عبارة عن ثقب صغير تنظر منه إلى العالم فيتسع أمامها، تسلط الضوء على ضآلة البشر وهشاشتهم أمام العالم المتسع، تتحدث عن أن الأشياء الكبرى ليست هى التى تصنع الإنسان وإنما الأوقات الجميلة والتفاصيل البسيطة، تحكى عن قصة امرأة تتوق إلى الحرية والانعتاق، وقصة حب عابرة تتشابه فى تفصيلاتها مع كل ما يمر به البشر فى تجارب العشق، ممن ينساقوا إلى تجربة تشبه قصص الأفلام الساذجة. تضع نورا ناجى القارئ فى القلب من قالب أدبى نستطيع من خلاله بسهولة تمييز «الصوت النسائى» الذى يعد بطلا ملحوظا وسط خضم الأحداث، سيدات مكافحات يتمتعن بالصلابة المطلوبة فى مواجهة نوائب الزمن، حالة من بين النساء تحارب هواجس الوحدة، أخرى تسعى للكمال، وثالثة تبحث عن سعادتها فى الحرية وأخيرة تحارب من أجل إثبات جدارتها. قصص «مثل الأفلام الساذجة» هى طبقات متنوعة تغازل الروح والمشاعر والذكريات تطرقها نورا ناجى عبر قصصها المختلفة، التى تتشابك معنا فى خيط رفيع من الصعب أن يغفل عنه القارئ خاصة مع ازدياد انغماسه فى كنت أمتلك فكرة ما أننى أكتب مجموعة قصصية عن المشاعر، كل قصة تعبر عن شعور ما، كنت أريد تسميتها «ذاكرة المشاعر». أنا دائما ألاحظ بشكل جيد كل ما يدور حولى، وأسجل أغلب مشاهداتى اليومية بالشوارع، على سبيل المثال قصة «غرفة فارغة» عندما كنت بمهرجان الجونة انا وزميلة لى، استأجرنا شاليها، من خلال مشاهدتى لصور صاحب الشاليه وطبيعة المكان نسجت القصة. جاء العنوان كعتبة للنص مميزا بشكل واضح، وعنه سبق للكاتبة نورا ناجى أن قالت بشأنه: فى اختيار عناوين القصص القصيرة، فى بعض الأحيان من الممكن اختيار اسم القصة ثم بناء التفاصيل، وفى أحيان أخرى بعد الانتهاء من كتابة القصة يتم اختيار العنوان مثل قصة «مثل الأفلام الساذجة»، حيث تكررت الجملة أكثر من مرة فوجدتها تصلح كعنوان. والملاحظ فى تلك المجموعة القصصية، أن الوحدة واعتزال البشر والعزلة والفقدان، قد جاءوا ضمن أكثر المعانى والسمات المميزة للمجموعة، الأمر الذى يعكس الحالة الشعورية للكاتب، وهو ما أكدته ناجى سابقا التى قالت: هذه هى هواجسى، ولذلك هى مستمرة معى وتظهر أيضا فى رواياتها، وهو ما بدا جليا فى المجموعة القصصية الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية، حيث أكدت ناجى مرارا فى تصريحاتها ومن خلال النص، أن «الوحدة والفقد» يستهويها دائما البحث وراءهما كى تقتل مخاوفها الشخصية من الوحدة والموت والفقد.