احتفل لبنان للمرة الأولى بعطلة إسلامية ¬مسيحية يرى فيها الكثيرون رسالة تسامح موجهة لشرق أوسط يمزقه التطرف، في موطن يضم أطياف دينية عديدة خاضت في وقت من الأوقات حربا أهلية دامية وطويلة. واحتفل المسيحيون والمسلمون بعيد البشارة الأسبوع الماضي، وشاركت الأسر من 18 فرقة وطائفة في قداس كنسي للعذراء مريم والدة السيد المسيح التي لها مكانة خاصة في قلوب المسيحيين والمسلمين على حد سواء. وبلغ القداس أوجه بإنشودة "السلام عليك يا مريم" التي قامت بأدائها مغنية سوبرانو يصاحبها عدد من منشدي التينور (أصحاب الأصوات الحادة) يرددون أناشيد إسلامية. وكانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت في 25 مارس الحالي عطلة قومية للمسيحيين والمسلمين. وتم تأكيد القرار خلال اجتماع عقد مؤخرا بين بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر ورئيس الوزراء سعد الحريري في القصر الرسولي بمدينة الفاتيكان. وقال الشيخ محمد النقري أمين عام دار الفتوى في لبنان المرجعية الدينية للمسلمين السنة في لبنان واحد أبرز المؤيدين للاحتفاليات الدينية المشتركة، إنه يأمل أن تنتشر الرسالة في بقاع أخرى من العالم. وذكر بأن بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني وصف لبنان خلال رحلة تاريخية قام بها للبلد العربي، بأنها رسالة تعددية موجهة للشرق والغرب. وأشاد مجلس أساقفة الكنيسة المارونية _أكبر الكنائس المسيحية في لبنان وأكثرها نفوذا_ بقرار الحكومة باعتباره تحركا يساعد على تأليف القلوب. وقال هاني فحص رجل الدين المسلم الشيعي وأحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة العمل العربي من أجل الحوار الإسلامي¬ المسيحي إن "لبنان نتاج الحوار فلبنان تعلم التعايش بين فصائله بعد صراع طويل ومرير". ويعتبر علماء بيروت بلدهم لبنان الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي يحتفظ مسيحيوها ¬رغم كونهم أقلية حاليا¬بتمثيل نيابي ويشاركون بفعالية في عملية صنع القرار. وكان الرئيس اللبناني ميشال سليمانr] توجه لنيويورك عام 2008، في زيارة استمرت يومين لحضور مؤتمر ديني لتشجيع الحوار ورفض استغلال الدين كأداة إرهاب وعنف. ورغم أن لبنان يعد موطن التعددية الدينية والتسامح في الشرق الأوسط، فإنه لا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يصبح مركزا حقيقيا للحوار الديني فالبلد لا تزال تعاني من بعض أحداث العنف الطائفي التي تقع بين فينة وأخرى. ويعتقد الكثيرون أن لب المشكلة يبقى متعلقا بالنظام السياسي الطائفي نفسه، إذ يحكم لبنان "ميثاق وطني" يوزع المناصب الرسمية تبعا للتوجهات الطائفية. فالرئيس من المسيحيين الموارنة ورئيس الوزراء مسلم سني ورئيس البرلمان مسلم شيعي. حتى المناصب العامة الأخرى، في الحكومة والبرلمان والجيش والمخابرات والخدمات الأمنية، كلها توزع نسبيا بين الطوائف. يذكر أن الميليشيات المسلحة ذات الانتماءات الطائفية المختلفة خاضت معارك طاحنة إبان الحرب الأهلية التي استمرت ما بين 1975¬ و1990، ولا نزال نجد حتى اليوم أن الأحزاب السياسية تقوم في الغالب وفقا للانتماء الطائفي.