في مثل هذا اليوم ولد الشيخ محمد رفعت، أحد الأسماء اللامعة في سماء تلاوة القرآن الكريم، في 9 مايو 1882 بحي المغربلين في القاهرة، ويتزامن مع ذكراه تداول أخبار عن إزالة مقبرته، حيث أرسلت محافظة القاهرة خطابا لأسرة الشيخ محمد رفعت يتضمن إزالة مقبرة الشيخ؛ لوقوعها في مسار أحد المشروعات القومية، وهو تنفيذ محور صلاح سالم بالمحافظة. وتصدر اسم الشيخ محمد رفعت، الملقب بقيثارة السماء، التريند بعد تصريحات حفيدته بوصول خطاب يخبرهم بإزالة المقبرة، وفي هذا الشأن نتذكر أجزاء من تاريخ رفعت العريق. في درب الجماميز التاريخي، ولد الشيخ محمد رفعت، وتفتح وعيه منذ الطفولة على القرآن الكريم، ففي مرحلة مبكرة من عمر الشيخ فقد بصره، ولكن ذلك لم يقف عائقاً بينه وبين القرآن وحفظ القرآن، وهو دون العاشرة إذ ألحقه أبوه بكتاب جامع فاضل باشا "جامع بشتك" ليحفظ القرآن، ويتلقى علوم التجويد والقراءات، وكانت انطلاقته كقارئ للقرآن الكريم، وظل ملازماً للقراءة فيه حتى أواخر حياته، وكان للشيخ أحمد ندا تأثيرا كبيرا على رفعت، الذي ينسب إليه تأسيس مدرسة التلاوة المصرية في صورتها التي نعرفها الآن، بحسب ما ورد في كتاب "عبقرية الشيخ محمد رفعت". وكان محمد رفعت أول الأصوات التي بُثت عبر أثير الإذاعة المصرية الرسمية، حيث عرفت مصر الإذاعات الأهلية قبل انطلاق الإذاعة الحكومية بسنوات، ومع مطلع الثلاثينات رأت الحكومة المصرية أن توقف هذه الإذاعات الأهلية التي تكاثرت جداً، وغلب عليها الطابع الشخصي لممتلكيها، وشرعت في الإعداد لافتتاح الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، واستقطبت أعلام الفكر والأدب والفن في مصر حينها، ووقع اختيارهم على الشيخ محمد رفعت ليكون أول قارئ للقرآن الكريم يفتتح الإذاعة بصوته، وافتتحها بتلاوة ما تيسر من سورة الفتح في مساء 31 مايو 1934. ونقل المعاصرون لهذه الفترة -بحسب ما ورد في كتاب عبقرية الشيخ محمد رفعت- أن الناس كانوا يصطفون في كل مكان حول أجهزة الراديو؛ انتظارا لموعد تلاوة الشيخ وإنصاتهم لها وتفاعلهم معها، حيث قال الشيخ أبو العنين شعيشع مثلا أنه كان يجتمع أهل قريته أمام "دوار العمدة ليستمعوا إلى تلاوة الشيخ"، وقال عبدالباسط عبدالصمد إنه كان يمشي عدة كيلومترات ليصل إلى أقرب جهاز راديو يتيح له الاستماع إلى الشيخ رفعت. أما عن صوت الشيخ فقد دُونت كثير من الأحاديث وصفاً في قوة وجمال حنجرته، وقال عنه علماء الموسيقى، إن حنجرته جمعت كل ميراث الحنجرة العربية من الأنغام والأوتار الصوتية الخلابة، فقد استطاع تجسيد معاني القرآن الكريم بصوته كما لم يجسدها أحد من قبله أو بعده في العصر الحديث. وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على رحيل القارئ المعجزة، إلا أنه لم يظهر حتى الآن من يرتل كتاب الله ويتلوه بمثل أسلوبه، فلم يكن تفرده في قوة الصوت فقط وإنما التفرد والخشوع أيضاً، بحسب ما ورد في كتاب "ألحان من السماء". وقال عنه الشيخ رزق حبة: "إن الخشوع هو عصب تلاوته وسر تأثيره على القلوب، أما القارئ أحمد نعينع فذكر أن صوته غير قابل للمقارنة، لقمة أدائه القرآني السليم"، وبلغ مديح الشيخ أو العنين شعيشع بقوله "لم يأتِ قبله أو بعده من يرتل ترتيله وخشوعه". وكاد أن يختفي صوت الشيخ بسبب عدم وجود تسجيلات لفترة تلاوته، فلم يتم الاحتفاظ بتسجيل لتلاوته وما نراه الآن من القليل من تسجيلات متاحة للشيخ، يرجع الفضل في وجودها إلى عشاقه أمثال زكريا باشا مهران، ومحمد خميس، اللذين قاما بجمع تسجيلات الشيخ وإعادة تقديمها للإذاعة في منتصف الستينات بعد وفاته ب15 عاماً تقريباً، رغم صعوبة هذه العملية نظراً للحالة البدائية للأسطونات، ومن تسجيلاته النادرة ما تيسر من سورة الكهف والتي قام بتلاوتها في صلاة الجمعة بمسجد فاضل باشا عام 1938، وكذلك قراءته لما تيسر من سورة هود عند رحيل الملك فؤاد عام 1936.