حرب أهلية تستعر فتدفع المرأة ثمنها، احتلال يفترس الأرض فتقع المرأة فريسة لما يجلبه، قمع اجتماعى يغافل التمدن فتذهب المرأة فى متاهاته، قمع للمعارضة السياسية يطبقه النظام فينهش فى جسد المرأة وروحها، وطفرات اجتماعية واقتصادية توارى التقدم فى سبيل سيطرة الرجعية فتكون المرأة هى الضحية مرة بقهر الاجتماع ومرات بقهر الذات. هذه الخلاصات لم ترد فى تقرير تنموى أو نسوى صدر فى احتفالية يوم المرأة العالمى فى الثامن من الشهر الحالى أو للاحتفال بيوم المرأة المصرية صباح يوم السادس عشر من مارس توافقا مع ذكرى خروج النساء فى 1919 ثائرات ضد طغيان الاحتلال وتجاوزا لذكورية المجتمع. الخلاصات هى من إبداعات أدبية لكاتبات عربيات ترشحن لجائزة البوكر العربية التى أعلنت مطلع هذا الشهر والتى اقتنصها رجل متجاوزا الأديبات الخمس. من مصر كانت «وراء الفردوس» لمنصورة عزالدين، من سوريا كانت «حراس الهواء لروزا ياسين حسن»، من لبنان كانت «اسمه الغرام» لعلوية صبح، من فلسطين جاءت سحر خليفة ب«أصل وفصل» ومن السعودية جاءت «الورافة» لأميمة خميس. تختلف الحكاية من هنا إلى هناك. فى مصر تحكى منصورة عزالدين القصة المشتركة ربما لسلمى وجميلة فى تناوب للألم تعيشه إحداهما طفلة ففتاة ويعتصر الأخرى فتاة فامرأة ناضجة.. وقائع الألم تدار على خلفية من التصارع الاجتماعى والاقتصادى الذى ينهش فى حق المرأة فى العيش بأمان لا تخدشه رغبات رجال تسيدوا كما تنهش فى الأرض الزراعية لتحول خصوبة التربة إلى طوب أحمر يجفف فى أفران تقتل من يحاول السير على سقوفها. وبين سلمى وجميلة لا تنسى منصورة عزالدين أن تقدم الهام التى قتلت نفسها بالزرنيخ وهى حامل فى الشهر الثالث، كما تقدم «أم جابر» التى هى فى الأصل رحمة وإن كانت «فقدت اسمها للأبد (ولم يرده لها إلا) الموت فالجيران ينادونها أم جابر وكل من فى البيت يطلقون عليها بتبجيل لقب أمه الحاجة... (بل إنها نفسها) كانت تشعر أن اسمها غريب عنها» وهيام الطفلة التى أرادت التشبه بالفراشات دون أن تعرف لذلك طريقا. وفى «حراس الهواء» تروى روزا ياسين حسن قصة جميلة أخرى، تلك التى زفت فى اللاذقية بسوريا وهى بعد فى الثالثة عشرة لتحل محل أخرى كانت أختها ولتكون أما لعنات التى يقرر القهر السياسى وأد علاقاتها بجواد فى ربيعها. «يا مو أى إمرأة أب راح تكون قاسية عليها. انت مثل أمها الله يرحمها... يالله حبيبتى، الكبار قرروا ونحن علينا أن نطيع»، هكذا قالت لجميلة أمها دون أن تزيد أو تستمع لأى كلمة. وعندما تقدم روزا ياسين حسن المرأة الأندلسية الإسبانية العربية تتغير قسمات حياة حسن الذى ماتت جميلة دون أن يعطيها سعادة وتتحرك عنات بعيدا عن جواد الذى انتظرته راغبة سنوات ليخرج من وراء قضبان القهر دون أن تحررها عودته من أسر تعيشه قبله وفى انتظاره وبعده. وما تألمت له عنات قد يتراءى فيما حل بسعاد ونهلا وعزيزة ونادين وهدى وأيضا جميلة التى تحكى لأمينة خيباتها فيما سطرته علوية صبح فى روايتها المثيرة للجدل «اسمه الغرام». «ويطل وجه أمى غائما مكفهرا. ترفع سبابتها فى وجهى غاضبة، بينما أقف أمامها أصر على رغبتى فى متابعة تعليمى» تروى علوية صبح عن نهلة التى تتذكر رد أمها القاسى «سكتى يا بنت. سترتك بالبيت مش بالمدرسة»، كما تتذكر أبا ينتصر لها ويقول: «بنتى بنى آدم وبدى علمها». وكما بطلات منصورة عزالدين وروزا حسن ياسين فإن بطلات علوية صبح يتألمن بسبب مجتمعاتهن كما بسبب أجسادهن. تقول نهلا إنها لا تنسى قولها لسعاد مرة «إن كل شىء فى أجسادنا له علاقة بالألم والتوقيت: من البلوغ والدورة الشهرية إلى غشاء البكارة والولادة والإجهاض والوحام والرضاعة وانقطاع الطمث» وتضيف إلى هذا كله الألم الذى يأتى به الحب وفعله خاصة عندما تذهب سنوات الشباب وتحتاج المرأة الرجل أيضا يحتاج لاستعارة أيام الشباب وقدراته وزهوه البدنى دون قدرة حقيقية على ذلك. ولكن وداد لم تقاوم كما فعلت نهلا وجميلة وسلمى ولم تأس كما فعلت جميلة الأخرى وجميلة الثالثة على الأقل لم تأت بفعل المقاومة كما روت سحر خليفة فى «أصل وفصل». تحدثت بكلمات قليلة وتناولت طعامها «علالسكيت» كما أمرتها أمها التى تحملت كل أثقال الأسرة بعد غياب الأب. وداد تحملت، أيضا كما أمرتها أمها، نزوات زوجها المتورط فى علاقات مع فتيات الكيبوتس بينما والده يقوم بنقل الأسلحة على مراكبه له لتصل إلى أيد مهاجرين يهود أتوا يوما للاستيلاء على أرض وداد وأهلها وفعلوا ومازالوا. وداد أطاعت «هم يطلبون وهى تلبى وهم يأمرون وهى تنفذ». ولكن ليزا الفلسطينية المسيحية التى تقاوم الاحتلال كما تقاوم سيطرة الرجال على مقدرات حياتها تأخذ وداد على أعتاب التمرد على الطاعة وتتركها لتختار. الدكتورة الجوهرة، فى «الورافة» لأميمة الخميس كان عليها بدورها أن تختار. فاختارت فراق زوج لا تطيق عشرته أو معشره واختارت أن ترفض أن تكون الزوجة الثانية بالرغم مما عددته لها أختها من مزايا حال الزوجة الثانية، ثم اختارت بمعونة أخيها بعد أن فشلت فى الحصول على تشجيع والدها الذى تزوج من هى فى عمر ابنته أو يزيد قليلا أن تذهب لكندا لاستكمال دراسة الطب، واختارت على الأرجح بمعونة إرث نفسى من والدتها الزاهدة فى حب نفسها أو الزهو بجسدها أن تبقى غطاء الشعر محيطا بوجهها حتى عندما تذهب للسينما وحدها مع زميلها الطبيب اليهودى وتصر أن غطاءها لرأسها هو «جزء من الفضيلة والاحتشام» جلبته معها من بيت عليشة فى الرياض إلى كندا. «إن النساء اللاتى تكبلهن فى العالم العربى أنماط القرابة الأبوية والتمييز المقنن والإخضاع الاجتماعى والهيمنة الذكورية المتأصلة يتعرضن بانتظام لأشكال من العنف»، هكذا يقول كاتبو تقرير التنمية فى العالم العربى عن عام 2009. التقرير يشير إلى أن النساء فى البلدان العربية بدون استثناء يتعرضن طوال حياتهن لأنماط من العنف المباشر أو غير المباشر. ويشير التقرير إلى أنه بالرغم من توقيع غالبية الدول العربية على اتفاقية إنهاء التمييز ضد المرأة فإن التمييز مازال واقعا للمرأة العربية المعاصرة ومازال مسببا لأشكال من العنف النفسى والبدنى والمجتمعى الذى تتعرض له النساء فى الواقع كما فى قصص الأديبات الخمسة المترشحات للبوكر العربية عن إنتاج عام 2009. نساء الكاتبات المرشحات للبوكر هذا العام لابد أنهن طفن بخيال الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون وهو يجدد منذ أيام دعوته لإنهاء العنف ضد المرأة... العنف بكل معانيه النفسية والجسدية والاجتماعية، ذلك الذى يفرضه المجتمع وذلك الذى تفرضه النساء أنفسهن.