رئيس حزب التجمع: التنوع في قائمة المعينين بالشيوخ يؤكد حرص الرئيس على إثراء الحياة النيابية    ارتفاع سعر الذهب في ختام تعاملات اليوم    أول عربي يتولى المنصب.. من هو المصري خالد صوفي رئيس المنظمة الدولية للتقييس «الأيزو»    نتنياهو: "سنشهد حدثا تاريخيا غدًا"    الكرملين: مستعدون للتسوية في أوكرانيا.. وكييف والأوروبيون يرفضون الجلوس إلى طاولة المفاوضات    بيراميدز يهزم الاتصالات وديًا استعدادا للسوبر الأفريقي    محمد المنياوي يحقق ذهبية بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    مصرع سيدة وإصابة 4 آخرين في حادث على الطريق الأوسطي    إحالة عامل خردة بالقليوبية للمفتي بتهمة التعدي على ابنته القاصر    قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق مهرجان أسوان وعروض مسرحية لشباب المخرجين والمعارض الطوافة تصل الغربية    20 أكتوبر.. انطلاق جولة "كورال وأوركسترا مصر الوطني" بإقليم القناة وسيناء    محافظ المنوفية يوجه بزيادة منافذ صرف الأدوية تخفيفاً علي منتفعي التأمين    إنعقاد غرفة عمليات التأمين الطبي لقمة السلام بشرم الشيخ    حيثيات الحكم على المتهمين بالاعتداء على ضابط ب كتر في الحجز: استعرضا القوة وحاولا الهرب    محافظ المنوفية يوجه برفع كفاءة محيط المدارس وتكثيف حملات النظافة    النقل: تركيب الكمرات لمسار مترو الإسكندرية بين محطتي طوسون وغبريال    قوات باكستانية تدمر مواقع لطالبان الأفغانية وتسيطر على 19 موقعا حدوديا    رئيس وزراء قطر يلتقى سفير مصر بالدوحة لبحث ترتيبات قمة شرم الشيخ للسلام    27 مدينة أسترالية تنتفض تضامنا مع فلسطين: اوقفوا تمويل الإبادة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تقرير.. ليفاندوفسكي يغلق بابه أمام اللعب في الدوريات العربية    جاكبو يقود تشكيل منتخب هولندا ضد فنلندا في تصفيات كأس العالم 2026    على الصعيد المهنى والعاطفى.. حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأحد 12 أكتوبر    مي فاروق: أغنية «باركوا» علامة في كل الأفراح.. ومشاركة زوجي في ألبوم «تاريخي» صدفة    منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.. إفلاطون بنار بتركيا يتحدى الجفاف    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    هل هناك زكاة علي المقتنيات والمشغولات المطلية بالذهب والفضة؟.. أمينة الفتوى توضح    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    رئيس جامعة كفر الشيخ يشهد بدء أعمال الجلسة العلنية لاختيار الأطباء المقيمين بكلية الطب البشري    ما حكم زيارة مقامات الأنبياء والأولياء والصالحين؟ الإفتاء تفسر    وزير الدفاع يشهد تخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية (صور)    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم سيارة ربع نقل بالرصيف في الدقهلية    مجانًا.. شاهد أحدث المسلسلات بجودة HD على قناة Star TV التركية 2025 (التردد)    قافلة دعوية برعاية «أوقاف مطروح» تجوب مدارس الحمام لتعزيز الانتماء ومحاربة التنمر والتعصب    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    محمد صلاح يتفوق على ميسي ورونالدو فى سباق الكرة الذهبية 2026    هانى العتال عن تعيينه فى مجلس الشيوخ: شرف كبير أنال ثقة الرئيس السيسي    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    أسعار طبق البيض اليوم 12-10-2025 في قنا    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    دعوى قضائية تطالب ببطلان عمومية «الأهلى»    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    اللواء طيار سمير عزيز: حملنا حلم النصر لمصر وتفوقنا على أوهام قوة إسرائيل الجوية    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    وزير قطاع الاعمال: التعليم الفني والتدريب المهني أحد الأعمدة الأساسية لبناء الدولة الحديثة    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دليل يمين

وهبنى الله عز وجل نعمة طول القامة وهى نعمة وميزة كان لها تأثير بالغ فى حياتى خصوصا بعد دخولى الكلية الحربية عام 1963 والتى كانت تمثل قمة العسكرية بالغة الصارمة، فقائدها كان اللواء/ محمد فوزى والذى كان له الفضل عندما عُين وزيرا للحربية فى إعادة بناء القوات المسلحة بعد نكسة يونيه 1967 وقاد حرب الاستنزاف وكان من أسباب نصر حرب أكتوبر 1973، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته. وكان كبير المعلمين أيضا المشهود له بالعسكرية الصارمة وهو اللواء/ محمود زكى عبداللطيف رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، معروفا عنه أنه أطول طالب بالكلية يطلق عليه «دليل اليمين» حيث كان يكلف بالوقوف منتصبا فى المكان المحدد له بأرض الطابور بعد ذلك ينادى قائد الطابور شمال الدليل اجمع لتنطلق جموع الطلبة ليصطفوا على يسار الدليل وأكتافهم متلاصقة ليتشكل الطابور سواء كان طابور تمام أو طابور استعراض أو طابور حرس شرف.
• • •
أبدأ بأول مهمة لى وهى استعدادات إعداد قوة طابور حرس الشرف الذى سيقف أمام منصة الرئيس جمال عبدالناصر، وعلى الجانب الآخر من البحر طريق مرور طوابير العرض العسكرى لاستعراض 23 يوليه عام 1964 بمدينة نصر، بدأ الاستعداد قبل العرض العسكرى بشهرين حيث تم انتقاء نحو أربعمائة من الطلبة طوال القامة، وتم اختيارى لأكون دليل يمين طابور حرس الشرف حيث كنت أطول طالب بالكلية الحربية فى ذلك الوقت. بعد انتهاء المحاضرات والتدريب اليومى كنا نصطف بأرض الطابور تحت إشراف معلمين وأطباء لتدريبنا على الوقوف فى حالة ثبات تام تدريجيا لمدة سبع ساعات كاملة متصلة، وكانت تصرف لنا وجبات غذائية مضاعفة وأقراص ملح. فى شهرى مايو ويونيه شديدى الحرارة، تزداد احتمالات إصابة بعضنا بضربات الشمس لكن بفضل الإشراف الطبى المتكامل كان العلاج يتم بسرعة لمنع أى مضاعفات لا قدر الله.
• • •
كنا على أتم الاستعداد فى اليوم المنشود لتنفيذ هذه المهمة حيث تم نقلنا للموقع المحدد فى مواجهة منصة الرئيس قبل بدء العرض العسكرى بساعتين، حيث يتم مراجعة حال الأسلحة وملابسنا ومظهرنا العسكرى رفيع المستوى، وعند وصول رئيس الجمهورية أدينا تحية السلام الجمهورى بالأسلحة ثم وقفنا فى ثبات تام طوال العرض العسكرى، نحو خمس ساعات، كان نظرى ينتقل خلالها بين رئيس الجمهورية الذى أصدر قرارا باستثنائى من شروط دخول الكلية الحربية (والدتى بريطانية وأنا مولود ببريطانيا) ووالدى الجالس خلف الرئيس، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. بالطبع كان الوالد على علم بهذه المهمة التى كلفت بها، فقرر مداعبتى من بعيد وهو يحتسى المشروبات المثلجة المقدمة له. كان بابتسامة يرفع الكوب لأعلى فى مواجهتى لعلمه أننى بالتأكيد أنظر له فيقوم بيده بحركات تشير إلى أن المشروب مثلج بينما يتصبب العرق من جبينى وينزلق على وجهى، كنت أقف ثابتا تحت أشعة شمس يوليه الحارقة. فور انتهاء العرض العسكرى أدينا تحية رئيس الجمهورية ليغادر بعد ذلك الموقع ويعبر الوالد طريق العرض العسكرى ليتقدم لقائد طابور حرس الشرف يستأذن منه السماح له بمكالمتى فأصدر القائد الأمر للطالب محمود القيسونى بخطوة للأمام وأذكر شدة الألم التى أصابت ساقى عندما نفذت هذا الأمر، فكأن عروق الساقين تصلبت من الثبات، وتبادلت الحديث المرح مع الوالد، فعلاقتى بالوالد كانت احتراما مقدسا وصداقة حميمة، بعدها غادر الموقع وتم نقلنا للكلية.
• • •
بعد التخرج وانضمامى لسلاح قوات المظلات، كانت القفزتان الأوائل لى من طائرات الإليوشن ذات الأبواب الجانبية، وشاء القدر بعد ذلك أن نكون أول فرقة تقفز من باطن الطائرات الأنتينوف المعروفة بالسرعة لو قورنت بالطائرات الإليوشن. وتم تحديد يوم القفزة الأولى، وبرهبة ووجوم ارتدينا حقائب المظلات وصعدنا للطائرة حيث تم تقسيمنا إلى مجموعتين كل واحدة مكونة من أربعة عشر قافزا، نجلس وظهورنا لنوافذ الطائرة وكانت طائرتى هى الأولى فى سرب الإسقاط، وشاء القدر أن يركب معنا اللواء سعد الشاذلى من مؤسسى سلاح المظلات ومخطط حرب العبور الصاعق، وقد انضم لنا لإجراء قفزة تكميلية. كان ترتيبى الثامن ضمن المجموعة الثانية وهو ما خفف شعور الرهبة والخوف لكونى سأقفز وسط اندفاع مجموعتى. أقلعت الطائرة وقائد القفز يصيح وسطنا بصوت مرتفع للتغلب على صوت محركات الطائرة بكلمات تشجيع وتحفيز مثل كلنا وحوش فنردد خلفه وحوش يا فندم، لكن بصوت منخفض لشعورنا بالرهبة من ما نحن مقدمون عليه فيعيد الجملة بصوت صارم وأعلى عدة مرات حتى نردد الجملة بصوت أعلى منه وعند اقتراب الطائرة لمنطقة الإسقاط يتم إضاءة النور الأصفر مع رنين جرس عالٍ إشارة لشبك خطاطيف المظلات فى الكابل المعدنى المعلق بسقف الطائرة، وهى الخطاطيف المشتبكة بشريط مثبت فى ظهر حقيبة المظلة فائدته أنه عند القفز يمتد الشريط عدة أمتار تسمح لجسم القافز بالابتعاد الآمن من جسم الطائرة، ثم ينتهى الشريط بنزع أذرع معدنية صغيرة تؤدى لفتح حقيبة المظلة المطوية بأسلوب علمى دقيق لتخرج المظلة بسرعة وتنتفخ بالهواء ليكتمل الشكل الدائرى أعلى رأس القافز لتخفيف سرعة الهبوط حتى يصل بالمظلة آمنا لسطح الأرض. تم فتح باب الطائرة لتقع عيناى ولأول مرة فى حياتى على باب طائرة مفتوح على ارتفاع 2 كيلومتر من سطح الأرض وصفير الريح يصم الآذان، وراقبت اللواء سعد الشاذلى يقف بثبات على باب الطائرة المفتوح وهو ينتظر إضاءة النور الأخضر إشارة السماح بالقفز وفور إضاءة النور الأخضر قفز بسرعة لخارج الطائرة ليختفى فى لمح البصر ويقوم قادة القفز بغلق باب الطائرة حيث ستدور الطائرة لدخول منطقة الإسقاط مرة أخرى للسماح للمجموعة الأولى بالقفز. كل هذا وأنا متابع ومطمئن وسط المجموعة الثانية لكنى صعقت عندما صاح قائد القفز «الملازم القيسونى اجمع»، فنظرت له بتردد وكأنى لم أسمع نداءه فكرر الأمر ما أجبرنى على النهوض والتقدم لأقف أمام باب الطائرة، وواضح أن سبب ذلك هو طول قامتى ما يشكل صعوبة فى خروجى وسط مجموعتى لانخفاض الحد العلوى لباب الطائرة ما قد يتسبب فى ارتطام رأسى دون قصد بالطبع. فوقفت بذهول أمام الباب المغلق وتم شبك خطافى ليكون ترتيبى فجأة القافز رقم واحد وتم إضاءة النور الأصفر وانطلاق صفارة الاستعداد ليقوم قائد القفز بفتح الباب ليرتطم وجهى برياح قوية، وأشاهد السحب تنزلق سريعا أسفل أطراف حذائى وأصابعى المثبتة على جانبى الباب من الخارج تكاد تتجمد من برودة الرياح بالغة السرعة التى تتخللها ومضات لحظات مرعبة حقا، حتى انطلقت صفارة القفز، وبالطبع قام قائد القفز بدفعى بقوة لتلطمنى الرياح من كل أجنابى وساقى ملتصقة بقوة وقبضة يدى اليمنى تقبض على مقبض المظلة الاحتياطية.
• • •
بفضل التدريب الممتاز الذى تلقيناه طوال شهر ومرت لحظات لتفتح المظلة وتحد من سرعة الهبوط لأصل الأرض بسلام ولأكرر القفزات حتى نفذت القفزات من باطن الطائرات الأنتينوف مع عدد ستين قافزا مرة واحدة. كانت قفزة التخرج مذهلة حيث حجب عدد القافزين السماء أمام المشير عبدالحكيم عامر الذى حضر هذه اللحظة التاريخية. بعد ذلك وفى الشهور بين الحروب الثلاثة التى شاركت فيها أطلق علىّ لقب جديد وهو حامل علم قوات المظلات طوال سنين خدمتى العسكرية، وذلك خلال طوابير الاستعراضات والعرض العسكرى المهيب الذى حضره المشير/ أحمد إسماعيل، وزير الحربية لتقليد علم المظلات وسام الجمهورية بعد حرب أكتوبر يوم 13 نوفمبر 1974.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.