الحديث فى السياسة مع الكويتيين شيق دائما. فلديهم عادة الكثير ليقولوه، ولا يترددوا فى التعبير عن آرائهم، مهما كان وقعها على السامع. ولم يكن الأسبوع الماضى استثناء، فالحكومة استقالت مرة أخرى، وتم حل البرلمان للمرة الثانية خلال عام واحد فقط. وترددت شكاوى بشأن البرلمانيين، واحتجاجات على انعدام القيادة، وضعف الحكومة، وتوقعات بشأن صدع داخل الأسرة الحاكمة. وغالبا ما يتخلل التحليل تنهدات محبطة وسخرية لاذعة، وضحكات مريرة، تكشف عن جرعة من الدعابة المأساوية. فقد استقالت الحكومة خمس مرات فى السنوات الثلاث الماضية، وسوف يخوض الكويتيون فى غضون الشهرين القادمين، ثانى انتخابات تجرى خلال عام واحد. وهم يدركون بشكل واضح فيما بينهم الضرر، الذى تحدثه الأزمة السياسية لبلدهم، سواء فيما يتعلق بصورة البلاد أو تنميتها. وقد تأجل تمرير قرارات دعم القطاع المالى بمبلغ خمسة مليارات دولار، وأخضعت مؤسسة «موديز» للتقييم الائتمانى الكويت للمراجعة، تمهيدا لاحتمال تخفيض تقييمها الائتمانى للمرة الأولى منذ أول تقييم وضع للدولة النفطية الغنية عام 1996. وفى نفس الوقت أصبح قطاع الهيدروكربونات ضحية للمعارك السياسية، وفى الشهور الأخيرة، ألغيت صفقتان تقدر كل منهما بعدة مليارات. ولا شك أن تجربة الكويت سوف تشجع أولئك، الذين يعارضون الحاجة لإجراء إصلاحات ديمقراطية كبرى، فى منطقة تفتقر فعليا لمؤسسات منتخبة. ولكن مع تحرك الكثير من بقية دول العالم نحو تطبيق المزيد من الديمقراطية، لا يوجد مجال لتبنى شعار «إن ذلك لا يناسبنا». ولاشك أن سجل الديمقراطية الحالى فى منطقة الخليج محبط. ففى عام 2005، أجريت انتخابات محلية بالسعودية، غير أن الحكومة رفضت الدعوات المطالبة بالمزيد من الإصلاحات. ولدى البحرين برلمان، غير أن السلطة ما زالت مركزة فى أيدى الأسرة الحاكمة. وفى الإمارات، أجريت انتخابات للمجلس الوطنى الاتحادى عام 2006، لكنها كانت خطوة هزيلة للغاية. فقد اختارت الأسر الحاكمة الإماراتية هيئة انتخابية قوامها ستة آلاف و700 شخص،، لانتخاب 20 عضوا بالمجلس الوطنى الاتحادى، بينما اختار الحكام، بقية أعضاء المجلس وهم عشرون عضوا آخرون. والحقيقة أن السلطة فى منطقة الخليج ما زالت تحتكرها الأسر الحاكمة منذ عدة أجيال. ويرى البعض فى ذلك أوتوقراطية «مطبوعة على الخير» تناسب بلدان المنطقة الناشئة فى طور نموها الاقتصادى والتجارى غير المسبوق. غير أن هذا الرأى يعتمد على فرضية أن الزعماء، بسبب تنشئتهم السحرية، يعرفون أفضل وسوف يستمرون كذلك. فماذا إذن لم يكن الحاكم جديرا بالمهمة؟ أو لم يعد «مطبوعا على الخير»؟ هل يعنى ذلك أن على الأمة الانتظار حتى تأخذ الطبيعة مجراها، وتأمل أن يكون خليفته أحسن حالا؟ لا شك أن الحاجة للضوابط والموازين، والمزيد من الشفافية والمساءلة، أصبحت أكثر إلحاحا، مع نمو دول الخليج وسعيها لترويج نفسها على الساحة الدولية. ولكن، تبقى الحقيقة أن الكويت هى الدولة الوحيدة بين بلدان الخليج الأوتوقراطية. التى تم فيها خلع أحد أعضاء الأسرة الحاكمة بوسائل دستورية، وذلك إبان حل معركة الخلافة عام 2006، عندما صوت البرلمان لإعفاء الشيخ سعد العبد الله الصباح، وكان هو الأمير حينذاك من منصبه لأسباب صحية. وجدير بالذكر أيضا أن الجدل يدور بالقدر الأكبر من الحيوية فى البحرين والكويت، وهما البلدان الخليجيان اللذان اتخذا أكثر الخطوات باتجاه خلق نظام سياسى ومؤسسى ديمقراطى. والكويتيون ليسوا غافلين عن أوجه القصور فى نظامهم. والدولة لا تستطيع أن تدعى كونها ديمقراطية حقيقية. فالأحزاب السياسية محظورة، وتشكيل الحكومة فى أيدى الأمير ورئيس الوزراء الذى يعينه. وما زالت المناصب الوزارية المهمة مقصورة فى أيدى أسرة الصباح الحاكمة. وكثيرا ما تسمع أيضا شكاوى عن جدارة وفعالية أعضاء البرلمان. وهم بحاجة لإظهار الوصول لمرحلة النضج اللازم للتركيز على المصالح الأوسع لبلدهم، بدلا من القضايا الثانوية. ولكن فى النهاية، سوف تستقر معظم السلطة فى أيدى نفس الأسرة، التى حكمت البلاد منذ منتصف القرن الثامن عشر، ويرجع سبب ذلك ببساطة إلى أنها لم تصل إلى مرحلة الديمقراطية الناضجة بشكل كامل. ومع ذلك، وعلى الرغم من تطلع الكويتيين للإصلاح، لن يؤيد أى ممن تحدثت إليهم إنهاء التجربة الديمقراطية، التى بدأت فى الستينيات من القرن الماضى. فهم، على الرغم من الاضطراب، يفخرون عن حق بحرية النقاش والتعبير عن الرأى فى بلدهم مقارنة بجيرانهم. فايننشيال تايمز