جميل أن يتحرك المجلس الأعلى للآثار ويعلن استياءه من تحويل معبد موسى بن ميمون فى قلب القاهرة إلى مستوطنة إسرائيلية، تخضع لنفوذ الحاخامات وتعج بممارساتهم وطقوسهم المستفزة للمشاعر الوطنية. غير أن علامات التبرم والغضب والاستياء لا تكفى أمام صفاقة إسرائيلية لا حدود لها، ومحاولات صهيونية وقحة لفرض ولايتها الكاملة على معبد موسى بن ميمون، بحيث يكون المعبد منطقة غير خاضعة لسلطة الحكومة المصرية. وإذا كانت التحية واجبة للدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار على قرار إلغاء الافتتاح الرسمى لمعبد موسى بن ميمون، ردا على ما وصفه حواس باستفزازات إسرائيلية لمشاعر المصريين، فإن ما يدعو للاحترام أكثر أن يربط حواس بين هذا الإجراء وبين الممارسات الإسرائيلية فى فلسطينالمحتلة والتى وصلت إلى ضم الحرم الإبراهيمى للآثار اليهودية. وقد كتبت فى هذا المكان قبل يومين أن موسى بن ميمون، الذى صنفه الدكتور مصطفى عبدالرازق كواحد من الفلاسفة المسلمين، والذى كان طبيبا فى بلاط صلاح الدين الأيوبى، وقبل ذلك تلميذا لفيلسوف الوسطية الإسلامية ابن رشد، هو شخصية مصرية قلبا وقالبا، حتى وإن جاء إلى مصر فرارا من الاضطهاد فى الأندلس.. بل إن هناك من يذهب إلى أنه فيلسوف مسلم. ومادام ذلك كذلك فإن الصمت أمام موجات الابتزاز الصهيونية والسكوت عما جرى فى المعبد من إراقة الخمر والرقص المستفز من قبل الحاخامات والسفير الإسرائيلى بالقاهرة يصبح نوعا من التفريط فى السيادة الوطنية على أرض وآثار مصرية.. بلا أى تزيد أو شطط فى القول. وأزعم أنه ينبغى على كل مصرى ألا يقف متفرجا ويترك زاهى حواس يخوض المعركة وحده، فى ظل ما يتسرب من أنباء عن محاولات من الحكومة الإسرائيلية وسفارتها بالقاهرة لفرض ولايتها ووصايتها على المعبد. وغنى عن البيان أن الصهاينة بارعون للغاية فى صناعة الأساطير وترويجها بإلحاح شديد حتى تتحول إلى واقع، فالكيان الصهيونى ذاته قائم على أسطورة، وما يجرى حول المسجد الأقصى اليوم فى محاولة لهدمه، أيضا قائم على أسطورة (يمكنك العودة لكتاب جارودى بعنوان «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» الصادر عن دار الشروق. وقارن معى بين موقف زاهى حواس الواضح والناصع، وبين ما صدر عن وزير الثقافة فاروق حسنى من تصريحات ضبابية شديدة الانبطاح، فيما يخص إلغاء احتفالات افتتاح المعبد حيث قال حسنى بفخر: «رممنا الأثر وتركنا ليهود العالم افتتاح المعبد وهذا يجب أى افتتاحات رسمية». وأزعم أن كلاما بهذه الركاكة لا معنى له إلا أن السيد حسنى يسلم بالوصاية الصهيونية على قطعة من أرض وتاريخ مصر.