المفوضين توصي أصليا بعدم قبول دعوى عمال نوباسيد واحتياطيا بتأييد القانون: يحمي الاستثمار ولا يقيد حق التقاضي تعقد المحكمة الدستورية العليا غدا السبت جلسة مهمة برئاسة المستشار بولس فهمي، إذ من المنتظر أن تصدر حكما مرتقبا منذ نحو 7 سنوات في شأن قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة الصادر من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور برقم 32 لسنة 2014، والذي أحيل إلى الدستورية بتصريح من محكمة القضاء الإداري خلال نظرها دعوى بطلان قرارات خصخصة شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد) والمرفوعة من المحامي خالد علي وكيلا عن عدد من العاملين بالشركة واللجنة النقابية المستقلة للعاملين بها. تترقب الأوساط القانونية والاقتصادية هذا الحكم لارتباطه الوثيق بسياسة الخصخصة وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لامتلاك حصص أغلبية أو أسهم في شركات الدولة سواء بالقطاع العام أو قطاع الأعمال العام، وهو ما يدخل في إطار أشكال التخارج التي حددتها وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أصدرتها الحكومة بشكلها النهائي مؤخرا بعد تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليها. تفاصيل القانون: وينص هذا القانون على قصر إمكانية الطعن على العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات والمؤسسات العامة، والشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي ابرمت هذه العقود استنادا لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات، على أطراف التعاقد دون غيرهم، مع عدم الإخلال بحق التقاضي لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد. كما يلزم القانون المحاكم من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في هذا الشأن والمقامة أمامها من أشخاص أو جهات أخرى غير أطراف التعاقد وأصحاب الحق الشخصي والعيني على الأموال، بما في ذلك الدعاوى المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون، في أبريل 2014. وكان صدور هذا القانون يهدف في حينه إلى عرقلة أي إجراء قضائي قد ينتج عنه صدور أحكام ببطلان الخصخصة وبيع الشركات الحكومية أو التي تساهم الدولة فيها إلى المستثمرين، على خلفية صدور أحكام عديدة في الفترة من 2010 إلى 2014 ببطلان خصخصة عدد من الشركات من أبرزها عمر أفندي وطنطا للكتان وشبين الكوم للغزل والنسيج، وعلى إثر صدور القانون ثم تصريح القضاء الإداري بالطعن عليه أمام الدستورية تم وقف جميع الدعاوى المرفوعة لبطلان خصخصة شركات أخرى تعليقيا لحين الفصل في دستوريته. تقرير المفوضين 2017: وكانت هيئة مفوضي المحكمة الدستورية قد أصدرت تقريرا عام 2017 يوصي بعدم دستورية هذا القانون كاملا، لأسباب شكلية وموضوعية عدة، كان أبرزها أنه قد تم إقراره في مجلس النواب خلال فترة المراجعة الإلزامية للقرارات بقوانين الصادرة من يناير 2014 وحتى انعقاده بداية 2016 بالمخالفة للقواعد المنظمة لتمرير القوانين المكملة للدستور، حيث تم ذلك دون اشتراط موافقة ثلثي الأعضاء، فضلا عن عدم موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين على المادة الثانية من القانون لسريانها بأثر رجعي وفقا للمادة 225 من الدستور. كما ذكرت هيئة المفوضين في تقريرها أن القانون يقوض الاختصاص المقرر لجهتي القضاء العادي والإداري، لأنه يسري على جميع العقود التي تبرمها الدولة إدارية كانت أم مدنية، وذلك بالمخالفة للمواد 1 و94 و188 و190 من الدستور، كما أنه يقوض مبدأي المواطنة وسيادة الشعب، وحرمة الملكية العامة وواجب كل مواطن في حمايتها ودعمها. وفي مايو 2017 قررت المحكمة الدستورية إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لإعداد تقرير تكميلي بالقضية، بعدما أثار المحامي الراحل شوقي السيد في مرافعته أمامها أن المدعين لا يملكون الصفة أو المصلحة المباشرة التي تؤهلهم للطعن على هذا القانون، ومن قبلها الطعن أمام القضاء الإداري على التصرفات التي تمت على الشركة. ماذا يقول تقرير المفوضين الجديد؟ وفي سبتمبر 2022 صدر تقرير جديد من هيئة مفوضي الدستورية أخذ اتجاها آخر وأوصى أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها (أي تأييد دستورية واستمرار القانون) حيث ارتأى التقرير في البداية أن المدعين وهم من عمال شركة نوباسيد يعتبرون من أصحاب الحقوق في إقامة دعوى بطلان الخصخصة لأنه خصص بالفعل نسبة 10% من الأسهم لاتحاد العاملين المساهمين، مما ينتفي معه حقهم في الطعن على دستورية القانون، لأنه لم يمنعهم من التقاضي بالأساس، بغض النظر عن أحقيتهم في طلباتهم. ومن الناحية الموضوعية في صلب القانون؛ أيد التقرير دستوريته معتبرا أن منح الحق لكل مواطن للطعن على عقود الدولة يخالف شروط المصلحة الشخصية المباشرة في التقاضي، ويحول الأمر إلى دعاوى حسبة تأباها العدالة في أحدث صورها، فضلا عن أن رقابة الشعب على الحكومة في إدارتها لشئون الدولة تكون من خلال نوابه، وهي رقابة سياسية لا قضائية ومحلها صناديق الاقتراع لا ساحات القضاء، ليبقى الحق في التقاضي ملاذا نهائيا ومرتبطا في كل الأحوال بالمصلحة الشخصية المباشرة، ولا يرتبط تلقائيا بصفة المواطنة. كما اعتبر التقرير القانون متوافقا مع الدستور الذي جاء بإلزام صريح للدولة بتشجيع الاستثمار وتوفير المناخ الجاذب له وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، وأن إصداره جاء في إطار توفير البيئة الاقتصادية والتشريعية والقضائية التي يأمن المستثمرون من خلالها على أموالهم، كما لم يخل بحماية الدولة لأموالها الخاصة، وجاء ليضبط نظام التقاضي بما يحفظ التوازن والاستقرار للعلاقة التعاقدية بين الدولة والمستثمرين.