مع التقارب الحادث بين الولاياتالمتحدة وأوروبا لتمرير حزمة العقوبات ضد إيران فى مجلس الأمن، أصبح موقف الصين حاليا من هذه المسألة حساسا. وسواء وافقت بكين أو امتنعت، على الأقل، على توقيع عقوبات ضد طهران، فسيكون موقفها هذا أكثر المواقف حسما فى المرحلة المقبلة من دراما برنامج إيران النووى. هذا وضع لا يحب الصينيون أن يجدوا أنفسهم فيه. وحتى وقت قريب، كان الصينيون يتخفون خلف الروس، الذين رفضوا اللجوء إلى فرض العقوبات على إيران. والصين، التى لا تريد معاداة الغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة، وهى لا تريد أيضا أن ينظر إليها بوصفها العقبة الرئيسية فى هذه المسألة. ولسوء حظ بكين، أنه لا يمكنها الاعتماد بعد الآن على موسكو، التى تتخذ مواقف متشددة الآن من طهران وستصوت غالبا لمصلحة توقيع العقوبات المشددة التى قدمت الولاياتالمتحدة مسودة مشروعها. وهكذا، تجد الصين نفسها تقف وحيدة بين إيران والغرب. ولكى تقنع الولاياتالمتحدة الصين بتأييد توقيع العقوبات على إيران، يمكن أن تلجأ إلى ثلاثة طرق: الإقناع الأخلاقى، وأساليب التخويف، والتعويض. على جانب الاقناع الأخلاقى، يمكن للولايات المتحدة محاولة إقناع الصين بأهمية منع انتشار السلاح النووى، خاصة فى الشرق الأوسط. وعلى واشنطن أن تنبه بكين إلى إمكانية قيام سباق للتسلح النووى، فى حال امتلكت إيران القنبلة النووية. على أن مثل هذا الإقناع لن يثنى الصين غالبا. فواشنطن، من منظور بكين، تمارس ازدواجية المعايير فيما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة. فهى تسمح لحليفتها «إسرائيل»، وحليفتها المحتملة (الهند)، بالحصول على القنبلة. ولابد أن الصين غضبت بصفة خاصة من صفقة الولاياتالمتحدة النووية مع الهند لأنها تسمح للهند، التى تجرى التجارب النووية منذ 1998 بحجة أنها تفعل هذا للدفاع عن نفسها فى مواجهة التهديد الصينى، بتوسيع ترسانتها النووية بصورة كبيرة. وترى بكين فى تحرك واشنطن باتجاه الهند حيلة لاستخدام الهند لتحقيق التوازن أمام الصين. وبالطبع، ستثير المخاطر المحتملة لقيام سباق تسلح فى الشرق الأوسط قلق الصين. وفى حال تعادلت الأطراف، فإن الصين ستفضل أن تبقى إيران غير نووية. لكن إذا كان الإبقاء على طهران غير نووية معناه التضحية بمصالحها، فإن الصين ستحجم عن القبول بهذا. فالصينيون قدريون فيما يخص هذا الخطر. فإذا ما صمم الإيرانيون على الحصول على الأسلحة النووية فإن أحدا لن يمنعهم. وكجارة للهند وباكستان وكوريا الشمالية، وثلاثتها شقت طريقها نحو النادى النووى برغم العقوبات، تعلم الصين الحقيقة المرة أكثر من غيرها. وبالنسبة لأساليب التخويف، يمكننا تصور الأمريكيين وهم يرسمون صورة مرعبة لصعود أسعار النفط بسرعة الصاروخ فى حال هاجمت إسرائيل منشآت إيران النووية وترتب على هذا نشوب صراع إقليمى. وبرغم أن الصينيين لن يستبعدوا سيناريو خارجا عن السيطرة كهذا، فلن يحركهم هذا كثيرا لأنهم يعتقدون أن على الولاياتالمتحدة نفسها، وفى إمكانها هذا، منع إسرائيل من القيام بمثل هذا الهجوم الخطير. وتعلم بكين بوضوح أن أى هجوم إسرائيلى على إيران سيضر بالولاياتالمتحدة أكثر مما يضر بالصين. وبينما ستعانى الصين من نتائج أسعار النفط التى سترتفع بشدة بسبب تعثر وصول الإمدادات، فلابد أن تقلق الولاياتالمتحدة من النتائج الأمنية المترتبة على صراع كهذا. وتعتقد بكين أن من الجنون أن تسمح واشنطن لإسرائيل بضرب إيران. وستكون إسرائيل مجنونة إن هى أقدمت على ضرب إيران دون الحصول أولا على موافقة الولاياتالمتحدة. من هنا، فإن أساليب الترويع هذه لن تفلح هى الأخرى مع الصينيين. يجعل هذا من التعويض الخيار الوحيد الممكن. وأنا لا أقصد أن تعرض الولاياتالمتحدة على الصين مبالغ مالية كبيرة على سبيل التعويض. فالعم سام ليس بمقدوره القيام بهذا الآن. فالصينيون هم الذين يقرضون الأمريكيين مليارات الدولارات. وأنا أعتبر الحوافز المتعددة التى تقدمها واشنطن فى محاولتها لتأييد الصين «أو الامتناع عن التصويت» للعقوبات التى تفرضها الأممالمتحدة ضد إيران رشاوى. وعلى عكس الغرب، فإن مصالح الصين فى إيران كبيرة. فإيران ثانى أكبر مصدر لنفط الصين. وقد وقعت شركات النفط الصينية صفقات مع إيران بمليارات الدولارات. وتستورد إيران بمليارات الدولارات من البضائع الصينية. والحقيقة أن الصين الآن هى أكبر شريك تجارى لإيران. لذا، فإن أى عقوبات حقيقية توقع على إيران ستضر بالصين أكثر من أى طرف آخر. والسبيل الوحيد الذى يمكن للغرب به تخفيف أثر ما يمكن أن يصيب الصين فى حال إقرار العقوبات فى مجلس الأمن هو إيجاد السبل لتعويض الصين عن خسائرها المحتملة. ويبدو أن واشنطن مشغولة الآن فى عمل هذا على وجه التحديد. وأثناء وجود وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون فى الشرق الأوسط مؤخرا زارت السعودية. ومن الموضوعات التى أشيع أنها كانت على جدول أعمالها الحصول على وعد من السعودية لتعويض أى نقص فى الإمدادات الإيرانية للصين يترتب على توقيع العقوبات. وهذه بداية طيبة، لكنها لن تعوض بحال الصينيين، الذين سيغامرون بخسارة مليارات الدولارات فى الاستثمار والتجارة. والمعضلة التى تواجه بيجين الآن هى: تقبل الصفقة أم ترفضها؟ وبرغم أنه صينى عاقل لن يعتبر الصفقة التى تتحدث عنها الشائعات جذابة، فإن الحكومة الصينية قد لا يكون أمامها إلا الموافقة على العقوبات فى مجلس الأمن. ويدرك الزعماء الصينيون أن إعاقة مثل هذا القرار يمكن أن يؤدى إلى تدهور العلاقات بصورة كبيرة مع الغرب، وهو أهم شريك تجارى للصين. لكن الصين لن تصوت بالموافقة على مثل هذا القرار. وغاية ما يمكن أن تقدمه للغرب هو الامتناع عن التصويت لكن ليس قبل أن تستخدم نفوذها فى محاولة لتخفيف العقوبات وحماية المصالح الصينية. وبهذه الطريقة، لن تخسر الصين الكثير. وسيشعر الإيرانيون بخيبة الأمل من امتناع الصين عن التصويت، لكن سيكون الانتقام من الصين نوعا من الحماقة. لذا، فمن المرجح أن يصدر مجلس الأمن فى وقت قريب حزمة عقوبات ضد إيران. وستبتهج الولاياتالمتحدة. لكن الصين لن تفرح بهذا. وعلى أى الأحوال، فإن افتقاد الصين لخيارات جيدة يظهر أن نفوذها الدولى، برغم الضجيج حول تحول الصين إلى قوة عظمى، لا يزال محدودا تماما.