«إلام تشير هذه اللوحة الفنية؟»، «ما الذى يقصده الفنان من جمع هذه العناصر فى لوحة واحدة؟» تساؤلات يطرحها غالبا زائرو المعارض الفنية ليعبروا عن طلاسم الفن التشكيلى بالنسبة إليهم. هذا فى حالة تكلف عناء ومشقة زيارة إحدى قاعات العرض، أما فى معظم الأحيان فتكون الإجابة عن دعوة حضور معرض هى «أنا ليس لى فى هذه الأشياء السوريالية» أى أن «هذا شغل مثقفين» لا يتسع للجميع. والخطأ ليس واقعا بالطبع على المتلقى أو على الفنان، لكنه يرجع وسط مجموعة من العوامل الأخرى ليس هنا مجال طرحها إلى تهميش الثقافة البصرية وإهمال الفنون الجميلة فى التعليم الأساسى على الرغم من أن الفن المصرى القديم يعد من أوليات تعلم الفن فى العالم أجمع. وكم كانت دهشتى حين قابلت بعض الطلبة فى مدينة فريبورج السويسرية وقد قرروا الانتقال كمجموعة لزيارة معرض بيكاسو فى مدينة جنيف، التى تبعد أكثر من ثلاث ساعات ليس لشىء إلا أنه حدث مهم ولا يصح أن يفوتهم! من هنا تأتى أهمية سلسلة «اقرأ.. اقرأ.. اقرأ وتعلم»، التى أطلقتها دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، والتى تطمح إلى «نشر الثقافة التشكيلية للقارئ العادى، خاصة جيل الشباب، بلغة سهلة تتجنب حديث المتخصصين، الذى يقصر أمور الفن على دائرة المحترفين المغلقة، والتى تخيف القارئ العادى»، كما تعلن الدار فى باكورة هذه السلسلة، التى أسندتها إلى الفنان التشكيلى المخضرم عدلى رزق الله لتكون «اقرأ وتعلم فى مكتبة عدلى رزق الله التشكيلية». وقد أطلق رزق الله على الكتاب عنوان «كيف ترى» بما يوحى بأنه دليل للقارئ ليتعلم كيف يرى اللوحة، ويبدأ رزق الله فى التأصيل للتذوق الفنى ومتعة التلقى من خلال فصل أول بعنوان «تكوين الشخصية السوية»، من خلال تنمية الحواس سواء عن طريق الأذن، التى تتذوق ما تنصت إلى ما تسمعه من أصوات ثم تتدرب على التذوق الموسيقى، وطريق العين الذى يسعى رزق الله لارتياده من خلال معلومات عن مدارس الفن التشكيلى، وتعريفات ببعض رواد الفن الحديث مثل سيزان وبيكاسو ومودليانى، والأهم من ذلك كله هى اللوحات، التى يزخر بها الكتاب لتكون هى المفتتح الأول للولوج لعالم الفن الجميل. كما يلفت الفنان المؤلف النظر إلى نقطة هامة من أجل اصطحاب القارئ لمشاهدة اللوحات وهى «زمن التلقى»، التى تشغل الفصل الثانى إذ يقارن صاحب المائيات الشهيرة الزمن الذى يستغرقه قراءة قصة قصيرة أو الاستماع إلى مقطوعة موسيقية بالزمن، الذى يستغرقه رؤية لوحة فنية، ويدعو فيها الفنان إلى تدريب النفس على التوقف وتأمل اللوحة لوقت أطول حتى يستشعر ما قد توحى به من أحاسيس. كما يخصص فصلا للقيم الفنية مثل التكوين والخط واللون وملمس السطح والكتلة والايقاع وهى المفردات، التى تقرأ اللوحة من خلالها، لكنه يقدمها بتعريفات مبسطة بعيدة عن التقعر، فالتكوين هو «بناء اللوحة أى معمار اللوحة، لكل لوحة بناء معمارى يقصده الفنان بطرق كثيرة تختلف بين أسلوب مدرسة فنية وأخرى، وبين أسلوب فنان وآخر. ويمكننا أن نشبه عمل الفنان بالبناء المعمارى، حيث تقام الأعمدة الخرسانية ثم يملأ المعمارى فراغاتها بمواد البناء المختلفة». غير أن الكاتب يعدنا بمعرفة قراءة اللوحة، فنتوقع منه أن يتخذ بالتحليل والقراءة المتأنية إحدى اللوحات التى تملأ الكتاب، خاصة أنها لوحات لا يتم تصنيفها بشكل منهجى بل مجرد عرضها مع اسم الفنان واسم اللوحة. لكنه يعود ليعدنا فى خاتمة الكتاب أن تكون الحلقة المقبلة من السلسلة عن اتجاهات المدارس الحديثة وفنانى القرن العشرين.