لاجتياز الاختبارات الوظيفية، يحتاج البعض لاستخدام فنون الكر والفر وخبرات السنين، إذ ترسم المقابلات الشخصية (إنترفيو) صورة لسوق العمل فى مصر، وأسلوب تعامل الشركات مع الموظفين. وائل وأحمد وميرهان.. ثلاثة شبان تخرجوا فى الجامعات المصرية تباعا فيما بين سنوات 1999 و2004، وتصنفهم آخر إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ضمن قوة العمل فى مصر التى بلغت 25 مليونا و31 ألف فرد، وعلى هذا الأساس كان من الطبيعى أن تكون لهم ككثير ممن هم فى نفس ظروفهم صولات وجولات وانتصارات مع «الإنترفيو» أو المقابلة الوظيفية التى باتت ضرورية لاقتناص فرصة عمل فى سوق يبلغ فيه عدد المتعطلين عن العمل2 مليون و359 ألف فرد ( طبقا للمصدر الرسمى السابق). حكايات هؤلاء الشبان مع «الإنترفيو» تعكس تجارب إنسانية مثيرة تُستخدم فيها فنون الكر والفر وخبرات السنين للحصول على عمل أو وظيفة أفضل، وهى أيضا ترسم بدرجة كبيرة صورة لسوق العمل فى مصر وأسلوب تعامل الشركات مع الموظفين والمعايير التى يتم اختيارهم على أساسها. يجمعون تقريبا على أن «الإنترفيو» تجربة مفيدة وفرصة للتعرف على مواطن القوة والضعف بداخلهم، إلا أن ذاكرة وائل الذى يعمل فى قطاع السياحة لا تنمحى منها الساعات الطويلة التى قضاها على أبواب مديرى الموارد البشرية. وقد كان يرى فى ذلك مؤشرا على «عدم احترام» غير مبرر بالطبع، كما أن أحمد الكيميائى لم ينس قول مدير إحدى الشركات الأجنبية له : «إحنا مش عايزين كيميائيين نربيهم، إحنا عايزينهم جاهزين»، هذا فضلا عما حدث مع «ميرهان» التى أصبحت «محررة أخبار» بعد أن كانت «مذيعة»، لأنها رفضت أن «تخرج» مع مدير القناة. من المهم أن نعرف أولا أن «الإنترفيو» كما يقول د.محمد الراوى أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة هو أحد المعايير العالمية لاختيار موظفين جدد بعد استيفاء المؤهلات الأخرى المطلوبة، وذلك للتأكد من توافق شخصية وسمات المتقدم مع الوظيفة المعلن عنها. وقد دخل تقليد «الإنترفيو» مصر فى عقد السبعينيات مع الانفتاح وظهور الشركات الأجنبية الخاصة، وبالتالى تغير طريقة التعيين. لكن كما يضيف الراوى، يظل هناك فارق ما بين «الإنترفيو» فى الدول المتقدمة التى تحترم هذا النظام إلى حد كبير وبينه فى الدول النامية التى يتحول فيها أحيانا إلى مجرد عملية شكلية لتبرير «الواسطة». وهناك فارق يشير إليه د.الراوى ما بين الجهات الحكومية وبين القطاع الخاص لصالح هذا الأخير، فيحكى وائل الذى تخرج فى كلية الآثار ويعمل الآن فى قطاع السياحة أن تجربته الأولى مع الإنترفيو كانت من خلال وظيفة أعلنت عنها شركة «مصر للطيران» الحكومية. كان أداؤه أفضل من أقرانه على حد قوله وهو ما لفت انتباه رئيس اللجنة الممتحنة، لكنه فوجىء بهذا الرئيس يقول له: «إنت خريج سنة كام؟» وعندما أخبره بأنه لم يمر على تخرجه سوى عام واحد فقط رد قائلا: «مستعجل على إيه»؟ فى إشارة لعدم اختياره للوظيفة، إذ إن «الواسطة» كانت الأساس فى الاختيار، وهذا ما تؤكده ميرهان بالنسبة لمجال الإعلام وخاصة التليفزيون المصرى الحكومى. وإذا كان وائل يعترف بأن «الواسطة» لا تلعب دورا كبيرا فى القطاع الخاص، إلا أنه يحتفظ بذكريات مؤلمة وخبرات سلبية مع المقابلات التى أجراها للقطاع الخاص أيضا. فإلى جانب «اللطعة» التى تحدث عنها والتى قد تستمر عادة بالساعات فى انتظار المسئولين، انزعج وائل من الأسئلة الكثيرة حول الأب ومهنته بل ومهنة إخوته وأزواج إخوته، وهى أسئلة لا تتعلق بالكفاءة والقدرات بل بخلفية المتقدم الاجتماعية. ويضيف: «صحيح أن المظهر مهم فى عملنا إلا أنهم يهتمون به أحيانا على حساب الكفاءة، وهو أحد جوانب تردى الخدمة فى قطاع السياحة». خليك واثق من نفسك و مثلما لم تسفر تجربة وائل مع «الإنترفيوهات» بالقطاع الحكومى عن وظيفة، كذلك كان الحال بالنسبة لأحمد الكيميائى، خريج كلية العلوم مع إحدى شركات البترول التى أخذت بياناته هو وكل زملائه الذين تخرجوا معه فى نفس العام من الكلية وأرسلت لهم خطابات على عناوينهم بميعاد «إنترفيو». كان أداء أحمد جيدا مقارنة بمعظم زملائه إلى الدرجة التى جعلتهم يتصلون به بعد ثلث ساعة من انتهاء المقابلة ليخبروه بأنه «مقبول فى الوظيفة» التى لم يكن يعرف طبيعتها بعد، وبعد وقت طويل ومماطلة عرف أحمد من وزارة البترول أن القسم الذى كان سيتم إلحقاهم به تم إلغاؤه، وبالتالى لم تعد هناك وظيفة. ويعترف أحمد بأن هذه التجربة التى تلت تخرجه مباشرة كان لها الفضل فى تنبيهه إلى أهمية اتقان مهارات الكمبيوتر واللغة الإنجليزية والإلمام بالمعلومات العامة، فضلا عن المظهر والشخصية. بعدها قرر أحمد أن «يتمرغ فى تراب القطاع الخاص» على حد تعبيره بعكس العبارة القديمة المأثورة «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، والتحق بإحدى شركات «تحلية المياه» بعد أن اجتاز بنجاح «إنترفيو» من نوع خاص حاول فيه صاحب الشركة أن يقيس قدرته على البحث والاطلاع وبلورة الأفكار. ولأن طموحه بلا حدود، قرر بعد نحو عام ونصف العام أن يخوض تجربة «إنترفيو» فى شركة أخرى أجنبية أكبر تعمل فى نفس المجال، وبمجرد أن قدم طلبا للالتحاق بالشركة قابله المدير الذى «عصَره معلومات» وأثبت له أنه لا يزال أمامه الكثير ليتعلمه، وحين اتصل أحمد به بعد نحو أسبوعين ليعرف النتيجة قال له: «يا أحمد إنت كويس.. بس قدامك كتير تتعلمه فى الكيمياء وفى الحياة.. وإحنا مش بناخد كيميائيين نربيهم!» ويقول أحمد: «خرجت من التجربة مصدوما، بس معجب جدا بها، وأحببت أن أكررها فى نفس المكان بعد فترة. فقد سمحت لى أن أقيم نفسى وأحدد نقاط ضعفى، بعدما كنت متصورا أن عملى لمدة سنة ونصف السنة أعطانى خبرة كويسة وفهمت يعنى إيه خبرة 5 أو 10 سنوات». مع الجنس اللطيف، هناك فرق لا تتوقف مفاجآت «الإنترفيو» عند حد، ويبدو أنها مع الجنس اللطيف يكون لها طابعا خاصا. هذا ما تشير إليه على الأقل بعض من حكايات «ميرهان»، وهى تروى: «أعتقد أن جنس المتقدم يلعب دورا فى تحديد قبوله فى الوظيفة أم لا.. فلو مثلا اللجنة التى تقوم بالإنترفيو كلها ستات والمتقدمة بنت ربما تجد أن هناك تحفزا من جانبهم بعكس لوكان المتقدم رجلا.. بينما لو اللجنة كلها رجال والمتقدم بنت ستجد الأمر مختلفا، ربما الطبيعة البشرية هى السبب، فالسيدات يحببن أن يعمل معهن رجالة والعكس صحيح». ويبدو أن التمييز على أساس الجنس الذى تتحدث عنه ميرهان يتخذ أحيانا أشكالا أخطر من مجرد الرفض أو القبول المبدئى، إذ تحكى ميرهان أنه ذات مرة تقدمت لإنترفيو للعمل كمذيعة فى إحدى القنوات العربية وتم قبولها، لكن عندما دعاها مدير القناة بعدها مباشرة للخروج معه ورفضت، فوجئت بهم يتصلون بها ليخبروها بأنه تم نقلها من «مذيعة» إلى «محررة أخبار». ميرهان تشهد للجهات الأجنبية والدولية العاملة فى مصر بكثير من النزاهة النسبية مقارنة بالجهات الحكومية، وتدلل على ذلك باختيارها ذات مرة فى وظيفة بالجامعة الأمريكية من دون أى وساطات، إلا أنها تشير إلى أن العمل فى هذه الجهات داخل مصر يشهد أحيانا «لعبا من تحت الترابيزة»، ويكون ذلك تحت تأثير العنصر المصرى. لإنجاح المقابلة انتشرت مؤخرا برامج للتدريب على مهارات «الإنترفيو» تعدها وتقوم على تنفيذها المجموعات العاملة فى مجالات التنمية البشرية. وحسبما يؤكد عبدالفتاح محمود مدير فريق «إنسان» للتنمية البشرية فإن هذه البرامج تلقى إقبالا متزايدا من جانب الشباب والباحثين عن عمل. وغالبا ما تكون هذه البرامج فى إطار برامج أوسع تشمل الحديث مع المتدرب عن كيفية التخطيط لحياته بشكل عام ومعرفة هدفه منها وكيفية إدارته للوقت، إلى أن نأتى إلى النصائح والتقنيات المحددة المتعلقة بكيفية اجتياز المقابلة الوظيفية والتى يقدم لنا مدير فريق إنسان بعضا منها فيما يلى: * قبل الذهاب.. ابحث عن نشاط الشركة فى قواعد البيانات والمواقع الإلكترونية وتدرب على الأسئلة التى يمكن أن تُسأل فيها. * اسأل عن الوقت الذى يستغرقه الطريق لمكان إجراء المقابلة وجهز معك نسخة احتياطية حديثة من السيرة الذاتية. * ارتد الملابس المناسبة الرسمية والإكسوارات الملائمة، واحرص على ارتداء ساعة لتعرف الموعد وابتعد عن قصات الشعر الغريبة. * احرص على الوصول قبل موعدك ب 10 دقائق على الأقل. * حافظ على هدوئك خلال فترة وجودك خارج غرفة المقابلات ويمكنك التحدث مع موظف الاستقبال للشعور ببعض الأُلفة وتقليل توترك. * ادخل الغرفة المخصصة للمقابلة بثقة، واغلق الباب خلفك، واجلس على الكرسى المخصص لك بعد الاستئذان، وقم بتقديم نفسك باسمك واللقب، ومد يدك لتصافح من يقوم بالمقابلة. * اظهر قدراتك بالحديث عن الوظائف التى تجيدها من أجل فائدة هذه المنشأة. * تجنب ثنى الذراعين أو وضعهما متشابكين والتدخين والابتسامة المقتضبة. * تجنب انتقاد رئيسك السابق فى العمل، لأن هذا لن يثبت جدارتك بقدر إثباته إنكارك لأى فائدة من عملك السابق. * تجنب الإجابة السريعة عن السؤال دون أخذ وقت للتفكير. * تجنب ترك الهاتف الجوال مفتوحا، أو الرد على أى مكالمات، وأيضا تجنب المزاح والنكات ومضغ اللبان. * عند نهاية المقابلة على المتقدم للوظيفة مصافحة القائم بالمقابلة، والابتسام، والنظر إليه مباشرة، ثم شكره على وقته، وسؤاله عن موعد إعلان النتيجة.