رغم إبقاء سوريا فى قائمة الدول المتهمة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بدعمها للإرهاب الدولى، جاءت تسمية الرئيس الأمريكى باراك أوباما للدبلوماسى المخضرم روبرت فورد كسفير لبلاده فى سوريا، بعد خمسة أعوام من سحب واشنطن سفيرها هناك عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الراحل رفيق الحريرى، لتمثل أكبر دليل على رغبة واشنطن فى تغيير طبيعة العلاقات مع دمشق. وطبقا لمحللين سياسيين فى واشنطن، جاءت زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز إلى دمشق الأسبوع الماضى، والتى صحبه فيها مسئول مكافحة الإرهاب الأمريكى دانيال بنيامين لتعكس جدية الرغبة الأمريكية فى بدء فصل جديد فى العلاقات مع سوريا. وفى الوقت نفسه أزالت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرها الرسمى، الذى يحذر الأمريكيين من السفر إلى سوريا، التى كانت فى السابق تُعتبر مكانا غير آمن. وتتعقد العلاقات السورية الأمريكية بوجود تحالف سورى إيرانى عمره 30 عاما لا ينفصل عن خصوصية رؤية سوريا لدور وأهمية حزب الله وتنظيم حماس فى دعم وزنها الإقليمى، فى ظل علاقات لا يمكن وصفها بالجيدة مع عواصم عربية مهمة كالرياض والقاهرة، كل هذا يحدث وسط جمود كامل لأى مفاوضات سلام سورية إسرائيلية. ترغب واشنطن فى انتهاء العلاقات الخاصة التى تجذب سوريا لإيران، ويرى ديفيد شنيكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، استحالة تخلى دمشق عن حليفها الإقليمى فى أى وقت قريب. ونشرت صحيفة واشنطن بوست افتتاحية تحت عنوان «لا تتوقع تقدما فى الحوار مع سوريا»، استهلتها بالقول إن فكرة تراجع الرئيس السورى بشار الأسد عن تحالفه مع إيران ورعاية الإرهاب تُعد من أجرأ الأفكار فى الشرق الأوسط. وتذكر الصحيفة أن الرئيس السورى أوضح لمجموعة من الزوار الأوروبيين بأنه لن ينفصل عن إيران مثلما لن تنفصل الولاياتالمتحدة عن إسرائيل، وأن رعاية حزب الله وحماس ليست محل نقاش. وترى الواشنطن بوست أن الحوار مع الرئيس الأسد يخدم غرضا محددا، حيث يسمح لدبلوماسى محنك مثل بيرنز بتوضيح الحوافز التى تعرضها الإدارة لتغيير السلوك، وكذلك الخطوط الحمراء التى لا ينبغى تجاوزها. وهذا فى حد ذاته كفيل بإثارة غضب ومخاوف قادة إيران. ولكن لكل من يعتقد أن إدارة أوباما توصلت إلى وسيلة لتغيير الشرق الأوسط عبر انفراج العلاقات مع سوريا، فعليه العودة لدراسة أسلوب الرئيس الأسد خلال عقد من الحكم. فقد قام بهذه المناورة من قبل عدد لا يحصى من الدبلوماسيين والساسة الغربيين، والنتيجة ما زالت واضحة: فهى مناورة لا تنجح. وانتقدت عضوة مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الجمهورى ايلينا روز ليتينين إعلان الرئيس أوباما ترشيح روبرت فورد ليشغل منصب سفير واشنطن لدى دمشق. وحثت الرئيس أوباما على ممارسة المزيد من الضغوط على دمشق بدلا من مد جسور التواصل معها. وأضافت العضوة الجمهورية البارزة فى لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى أن هذه الخطوة تسهم فى إرسال رسالة خاطئة حول السياسة الخارجية الأمريكية. وأشارت روز ليتينين إلى أنه على الرغم من مساعى الإدارة الأمريكية للحوار مع سورية فإن الأخيرة ما زالت تواصل دعمها للحركات الإرهابية مثل حماس وحزب الله. ووصفت الحوار والانخراط غير المشروط بالعمل الطائش قائلة إنه يسهم فقط فى مكافأة أعداء الولاياتالمتحدة والتقليل من دور حلفائها وتمثل علاقات النظام الحاكم القوية مع كل من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبنانى أحد أهم المعضلات فى العلاقات الأمريكية السورية، إذ تعتبرهما واشنطن منظمات إرهابية، وتعتبر سوريا دولة راعية للإرهاب. ويرى ديفيد شنيكر أن نظام الرئيس السورى حافظ الأسد ما زال يسهل انتقال مقاتلين وأسلحة إلى داخل العراق عبر أراضيه. ويهدف الرئيس السورى طبقا لشنيكر، للترويج لأفكار منها أنه مستعد لمحادثات سلام مع إسرائيل، تحت مظلة ورعاية أمريكية، وتذكر مصادر فى واشنطن، أن الرئيس السورى ذكر للمبعوث الأمريكى لعملية السلام السيناتور جورج ميتشيل «أنه مستعد لعقد صفقة سلام مع إسرائيل» إلا أنه وطبقا لشنيكر، فإن إسرائيل لا تسعى للتوصل لصيغة سلام مقابل الأرض، بل تسعى لمعادلة جديدة، وهى (سلام مقابل ترتيبات إستراتيجية جديدة) فى إشارة إلى ضرورة تغيير الإستراتيجية السورية، والتخلى عن 30 عاما من العلاقات الخاصة مع طهران. ويرى شنكر أنه بدون تحقيق سلام إسرائيلى سورى، وبدون تغيير السلوك السورى، لن توجد فرص حقيقية لتحسن العلاقات بين دمشقوواشنطن.