فى أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى فى عام 2000 إثر مرور سبع سنوات على اتفاقية أوسلو ولم ينل الفلسطينيون حقهم، كلفت جريدة الجارديان أهداف سويف بالسفر إلى فلسطين لرصد ما يجرى وما تشهده الساحة من صراع محتدم بين إسرائيل وفلسطين، فوجدت فى ذلك الفرصة السانحة التى ستنقلها من مقعد المتفرج إلى موقع الحدث وتسجل كل ما تشهده عيانا ومن ثم تنقله بدورها إلى الإعلام الغربى المغيب المحاصر الذى تتحكم فيه قوى محركة تفرض تصوراتها الذهنية على الشعوب الغربية فكونت بذلك صورة شائهة عن الإسلام والشرق، فرأت أنه لزاما عليها بوصفها مصرية عربية أن تكون حلقة الوصل بين هذا الإعلام وتلك الصورة الحادثة. وما أهداف سويف فى ذاتها سوى تجسيد حقيقى لحلقة الوصل تلك وما لديها من مقومات تؤهلها للقيام بهذا الدور خير قيام فهى ذات جذور مصرية وثقافتها ومحل إقامتها إنجليزية وكذلك زوجها إنجليزى كما أن اهتمامها بالقضية الفلسطينية قديم فقد ظهر فى روايتها الأشهر «خارطة الحب» التى أصدرت دار «الشروق» مؤخرا طبعة جديدة لها محور كامل عن الحقبة الكولونيالية وبداية دخول الاستيطان الصهيونى والترانسفير اليهودى إلى داخل الأراضى الفلسطينية فى أواخر القرن التاسع عشر وهذا أحد أسباب تكليف «الجارديان» لها بتلك المهمة. ذهبت إلى فلسطين وعادت وقد وجدت أن كل ما رأته لا تكفيه الأسطر القليلة التى اتفقت مع الجريدة عليها، فلا تفلح فى اختصاره ولما عرض على المسئولين بهرهم هذا الصنف الجديد من المقالات ذات القالب الأدبى وترددوا لوهلة من فرط جرأة المقال وعرضه الرؤية الفلسطينية وتغليبها عن تلك الإسرائيلية التى تعج بها الصحف الغربية وليس الغرب بحاجة إليها، ونشر المقال على حلقتين وأحدث ضجة فى الأوساط بين متقبل ورافض. وقد قامت دار الشروق بتجميع عدة مقالات للكاتبة نشرتها فى عدد من الصحف الغربية فى كتاب «فى مواجهة المدافع.. رحلة فلسطينية» فى الأعوام من 2000 حتى 2002 ليبرز هذا الكتاب الذى يضم عددا من المقالات الأدبية التى تنم عن عمق ورؤية كلية تتجاوز حدود الاختصاص الأدبى لتطال مجالات السياسة والاجتماع فهى حقا كاتبة من طراز فريد. أحجار ومدافع تصف الكاتبة رحلتها إلى فلسطين فى صورة مذكرات يومية، تظهر فيها ما يعانيه الشعب الفلسطينى تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى الغاشم فى رحلة استمرت ستة أيام جابت فيها المدن الفلسطينية وطافت بالأماكن المقدسة ودلفت إلى المستوطنات كل تلك الأجزاء المتناثرة تشكل فى مجملها صورة قاتمة يملأ تفاصيلها الإهانة والاغتصاب لحقوق الفلسطينيين. ورسمت بقلمها صورا للمواجهات التى تحدث بين قوات الاحتلال والشباب المتحمس عقب الصلاة فى المسجد الأقصى وتلك الهوة التكنولوجية بين الحجر فى مواجهة المدفع فهى معركة محسومة يحدو حامل الحجر فيها الأمل بأن يؤثر هذا الحجر رغم ضعفه وقلة حيلته فى شىء بسيط ولو تنفيسا عن مكامن الصدور. عرضت صورا من الاستيطان وسرقة المنازل من أهل الدور وتشريدهم وقتل الأطفال وقطع الكهرباء والمياه فهى حياة لا إنسانية يقبل العالم المتحضر استمرارها وفرضها وحمايتها. صدام الحضارات تنظر الكاتبة إلى ماهية الصراع العربى الإسرائيلى من منظور حضارى أرحب، إذ لم تقصر الرؤية على كونه صراعا مسلحا بين احتلال غاشم وبين صاحب الحق، لكنها سكنت الصراع الدائر فى موضعه الطبيعى؛ إذ يصوره البعض تارة على أنه صراع بين الإسلام والغرب أو صراع بين الإرهاب والحضارة، ولكنه صراع سياسى واقتصادى بين قوى تريد أن تبسط نفوذها وهيمنتها على العالم وأخرى لا تريد فقط سوى العيش الكريم. لا معنى هنا لمقولات صدام الحضارات فى ظل مجتمعات نحت منحى تغريبيا كالمجتمعات العربية، لكننا نجد أن القوى الإمبريالية الجديدة تستخدم من الدين أداة للتعبئة السياسية أو كستار تلبس من ورائه ثوب الاستشراف الغربى القديم «الاختراقى» الذى يعمد إلى الاختراق الثقافى والهيمنة الحضارية. لكن المحافظين الجدد لا يتورعون عن إخفاء ميولهم العدائية تجاه الشرق والإسلام واستعدادهم الكامل لحمل السلاح فى مواجهته. وتعقد الكاتبة هنا مقارنة أبرزت الشبه بين السادات المعجب بأمريكا حينما قدم الدعم للإسلاميين وكانت النتيجة خنق التيارات اليسارية والناصرية المعارضة، وبين أمريكا حينما دعمت الإسلاميين فى طالبان لمقاومة الروس وفى كلتا الحالتين انقلب السحر على الساحر فالإسلاميون هم من اغتالوا السادات وطالبان من تمخض عنها مجموعة منفذى هجمات 11 سبتمبر. الإجراءات الأمنية التى قامت بها أمريكا عقب هجمات 11 سبتمبر جعلت المواطن الأمريكى يتنازل عن حريته فى مقابل الأمن وبالتالى تشرنق فى منزله، وترتب على هذا إحجامه عن الاستهلاك، فكان هذا مهددا للاقتصاد الحر الذى يجلد المواطن بسوط مطالبا إياه بضرورة إعادة إنفاق ما كسبه!. إسرائيل طفل مدلل بين أمريكا وإسرائيل نقاط تشابه والتقاء فهما شعبان استعماريان غزيا أرضا بالقوة وطردا سكانها الأصليين واستوطنا فيها، ولم تحظ إسرائيل منذ قيام دولتها بدعم مطلق وتأييد مثلما تحظى به من أمريكا، فنجد لدى د.عبدالوهاب المسيرى فى موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية تفسيرا لهذا، إذ يرى أن فكرة قيام الدولة الوظيفية منطبقة على إسرائيل تمام الانطباق وتلك الدولة التى تؤدى وظيفة للغرب لابد لها أن ترتبط بقوى كبرى تساعدها وتدعم مشروعها، فارتبطت ببريطانيا تارة فى أوج قوتها وما أن بزغ نجم جديد فى السياسة العالمية حتى سارعت فى الاحتماء به. ولا تخرج رؤية الكاتبة عن هذا السياق الذى يربط بين أمريكا بوصفها الدولة الراعية وإسرائيل بوصفها دولة وظيفية منوط بها واجبات تؤديها وفى المقابل تحصل على تأييد مطلق ودعم كامل بالسلاح والعتاد وهما فى ذلك متشابهتان فى الطرق والأساليب التى تعتمدان عليه من حيث انتهاك القانون الدولى والشرعية الدولية وأساليب التجسس والاغتيالات السياسية فهى حقا علاقة مثالية بين أب وصبيه المدلل الذى لا يجرؤ على أن يرفض له طلبا بل وما من رئيس قد مضى أو آت إلا وعليه أن يقدم فروض الولاء للوبى الصهيونى الذى يتحكم فى رءوس الأموال وفى الإعلام.