شهدت قيمة عمليات الدمج والاستحواذ فى مصر دفعة كبيرة فى عام 2006 بسبب عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفى، التى كانت تتضمن عمليات دمج للكيانات الصغيرة فى القطاع، ودخول مكثف للأجانب والعرب إليه، حيث كان عدد البنوك كبيرا والفروع أقل مما يؤثر على عملها، مما اضطر البنوك الصغيرة بعد رفع الحد الأدنى لرأس المال إلى الاندماج مع غيرها أو قبول استحواذ بنوك أخرى عليها، حتى أصبح عددها 37 مصرفا مقابل 57 من قبل. وبلغ إجمالى قيمة هذه العمليات نحو 48 مليار دولار، استحوذ القطاع المصرفى على نصيب الأسد منها. وواصلت هذه العمليات النمو مع صعود مؤشرات البورصة لمستويات تاريخية، حيث ذكر التقرير السنوى للبورصة المصرية أن عام 2008 شهد تنفيذ 28 صفقة استحواذ، بلغت قيمتها الإجمالية 105 مليارات جنيه، شكلت 19.9% من إجمالى تعاملات البورصة المصرية البالغة 530 مليار جنيه على مدار العام. وقال التقرير: إن صفقة استحواذ مجموعة «لافارج» الفرنسية على قطاع الأسمنت بشركة «أوراسكوم للإنشاء والصناعة» جاء فى المرتبة الأولى بقيمة بلغت نحو 71 مليار جنيه،ثم صفقة استحواذ شركة «أوراسكوم القابضة للتنمية» على شركة «أوراسكوم للفنادق» بقيمة 16.7 مليار جنيه. كما احتلت صفقة استحواذ شركة «موانئ دبى» العالمية على نسبة 90 % من أسهم الشركة المصرية لتداول الحاويات المرتبة الثالثة، وبلغت قيمتها 3.7 مليار جنيه. لكن أزمة الائتمان العالمية جاءت لتنعكس سلبا على مصادر تمويل المؤسسات الكبرى فى كل أرجاء الأرض، مما اضطر كثير منها للبحث عن سبل توفير سيولة بديلة، كى تتمكن من الاستمرار على قيد الحياة، خاصة وأن الأزمة لم تضرب فقط مصادر التمويل، بل اخترقت قلب هذه المؤسسات والتهمت جزءا كبيرا من أصولها ورءوس أموالها. وكان قبول المؤسسات الكبرى بالاستحواذ على جزء من أسهمها أو جميعها أهم هذه البدائل، خاصة فى ظل عجز المساعدات الحكومية المعلنة عن تغطية كل ما أسفرت عنة الأزمة من تدمير. وعلى سبيل المثال: اندمجت مؤسستا «جولدن مان ساكس» مع «مورجان ستانلى» الأمريكيتين، ثم بدأتا عمل مفاوضات شراكة مع «ميتسوبيشى المالية اليابانية» لشراء 20% من أسهمها، كما أستحوذ بنك «أوف أمريكا» على «ميريل لينش»، و«جى بى مورجان» على «بير ستيرنز». ويقول شريف بلبل، المدير التنفيذى لقطاع التخطيط الاستراتيجى فى النعيم القابضة للاستثمارات: «إن المؤسسات مضطرة إلى ذلك، والاندماج أو الاستحواذ يوصف فى تلك الحالة بالدفاعى، حيث تقاوم الشركات الانهيار بالحصول على السيولة حتى لو كان على حساب تناقص قيمة ما يملكه مساهموها». وتكمن مشكلة هذه المؤسسات فى ارتفاع نسبة حجم الدين فى أصولها، «وتظهر المشكلة عند الأزمات»، كما قال بلبل، وأوضح أن المؤسسات التى تعمل وتنتج بكثير من الدين، تربح كثيرا فى الرخاء وتخسر أكثر فى وقت الأزمات. خصوصية مصر الأمر يختلف فى مصر حيث إن الشركات تعمل بكثير من التمويل الذاتى وقليل من القروض، ويوضح بلبل أن حجم القروض لا يتعدى بالنسبة لرأس مال مجموعة النعيم، على سبيل المثال المائة جنيه مقابل كل 1200 جنيه، لذلك لا توجد مشكلة فى مصر من هذا النوع الموجود فى أوروبا وأمريكا حاليا، تدفع بالشركات إلى الاندماج والاستحواذ الاضطرارى. وعلى الرغم من ذلك لم تفلت مصر من تأثير الأزمة العالمية، فبالإضافة إلى تراجع الصادرات وإيرادات قناة السويس، هبطت أسعار أسهم الشركات المقيدة فى البورصة بنسب تتراوح ما بين 60 و80%، وهو ما يمكن أن يخلق فرصا جيدة للاستحواذ والاندماج، لكن عدم استقرار الأسعار عند حد أدنى معين، أو كما يسميها المتخصصون «القاع» وقف عائقا ضد انطلاق هذا النشاط الذى شهد زيادة ملحوظة فى مصر قبل اجتياح الأزمة العالمية. وتشهد سوق الأسهم فى مصر نشاطا ملحوظا منذ أسبوعين تقريبا، وارتفع حجم التداول اليومى بمقدار الضعف إلى ما يوازى 700 مليون جنيه، وهو ما اعتبره المحللون مؤشرا جيدا على عودة السيولة إلى السوق، «لكن الأمر مختلف فى نشاط الاستحواذ على كل أو جزء من الشركات»، كما قال على الدجانى خبير الاستثمار المباشر، والمديرالسابق لصندوق أواسيس لرأس المال المخاطر فى مصر، مضيفا أن هذه العمليات لا تتم إلا من خلال تقييم دقيق لوضع الاقتصاد الكلى وأداء الشركة هدف الاستحواذ خلال فترة عمل سابقة تتراوح بين 3 و4 سنوات. عدم التأكد..العدو الرئيسى تعبر مزحة أطلقها أحد المستثمرين، ويتم تداولها فى رسائل قصيرة على أجهزة الهاتف المحمول فى الأسواق العالمية، عن مدى تردى أسعار الأسهم فى العالم كله، حيث تقول: إن ال100 مليار دولار التى عرضها بنك «أوف اسكوتلاند» لشراء بنك «إيه بى إن آمرو» الهولندى، يستطيع أن يشترى بها الآن 12 بنكا بحجم «آمرو»، وسيحصل على 3 بنوك أخرى كهدية. هكذا أدى غموض الأوضاع الاقتصادية إلى صعوبة التنبؤ بما يمكن أن يحدث، وبالتالى استحالة اتخاذ قرارات استثمارية فى الوقت الراهن، «فعدم التأكد أخطر ما يمكن أن يواجه أى اقتصاد» وفقا لتعبير محافظ البنك المركزى فاروق العقدة فى مؤتمر صحفى عقده مؤخرا لتوضيح أثار الأزمة العالمية على الاقتصاد المصرى. ويدلل على ذلك عصام خليفة العضو المنتدب لشركة «الأهلى للاستثمار» قائلا: إن كل الشركات الجيدة، التى كان الكثير من المستثمرين سواء الأفراد أو المؤسسات يتمنون هبوط أسعارها، قد شهدت تراجعا حادا، ومع ذلك لم يقتربوا منها، مثل: اوراسكوم تيليكوم، وأوراسكوم للإنشاء والصناعة. ويرى خليفة أن مخاوف المستثمرين الأفراد لا تختلف عن المؤسسات فى وقت الأزمات بل تكون أكثر حدة لدى الأخيرة، وقال: «إن المؤسسات كانت أسرع فى قرار الاسترداد من الصناديق عند ظهور الأزمة»، وهو ما يعنى أن نشاط الاستحواذ لا يمكن أن يعاود اتجاهه الصعودى قبل استقرار الأوضاع الاقتصادية. وقال الدجانى: «إن المستثمر لا يستطيع حتى الآن تحديد وضع الشركات، ونسبة تأثرها سلبا بالأزمة، وحجم المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها». ويرى أن حالة عدم الوضوح الاقتصادى على الصعيد العالمى، لم تؤد إلى هدوء نشاط الاستحواذ فحسب، ولكن عدلت من سلوكياته أيضا. «صناديق الاستثمار قلصت من عمليات الاستحواذ مؤخرا، وستتركز تلك العمليات فى شركات استراتيجية، ستقوم بالاستحواذ على شركات تعمل فى نفس مجالها، وبرر وجهة نظره بأن العمل فى نفس مجال النشاط، سيمكن هذه الشركات من إدراك المخاطر المتوقعة فى ظل الأزمة؛ «لأنها تعيش نفس التجربة فى مناخ الأزمة»، تبعا لتعبير الدجانى. حالة من الإرجاء وكانت حالة غموض الاقتصاد العالمى، قد أدت إلى إرجاء كثير من صفقات الاستحواذ المرتقبة، والتى تم الاتفاق عليها فى وقت سابق. فعلى المستوى المحلى، فقد أعلنت شركة مثل المصرية للاتصالات قبل شهرين عن تراجعها عن الاستحواذ على حصة من الشركة العمانية للاتصالات «عمانتل»؛ لأسباب تتعلق بعدم جدواها الاقتصادية. ورغم أن كثيرا من توقعات المحللين ترى أن نتائج أعمال الشركات فى الربع الأول من العام الجارى ستحدد مدى تأثر الشركات بالأزمة العالمية، إلا أن معظمهم يستبعد تحسن الأحوال الاقتصادية العالمية قبل نهاية 2009، وقال الدجانى: «الاقتصاد العالمى لن يبدأ فى استرداد عافيته إلا فى 2010»، فيما يتوقع بلبل أن يتحقق استقرار قيم أصول الشركات مع نهاية الربع الأول من العام. وعلى الرغم من ذلك لم تخل الساحة الاقتصادية الفترة الماضية من بعض صفقات هذا النشاط، خاصة من قبل مؤسسات محلية أو عربية على بعض من ضحايا المؤسسات العالمية، مثل صفقة شراء شركة العرفة للاستثمارات والاستشارات لشركة فورال جروب، التى اعتبرها رئيس مجلس إدارة العرفة، علاء عرفة وفقا لتصريح صحفى «صفقة العمر حيث كانت حلما»، ولم يستطع تحقيقه إلا بعد حدوث الأزمة.