قدم الرئيس أوباما دليلا مقلقا على الانحدار الاستراتيجى المستمر لسياسة إدارته تجاه إيران؛ فى خطاب عن حالة الاتحاد، حيث خصص وقتا واهتماما للسياسة الخارجية أقل من أى خطاب مماثل. فقد انتقل أوباما خلال عام واحد من التعبيرات الجريئة عن الاهتمام بالتعامل مع إيران على أساس من «المصالح المشتركة» ومناخ من «الاحترام المتبادل»، إلى لغة خطابية تذكرنا بوصف الرئيس جورج دبليو بوش فى خطابه عن حالة الاتحاد عام2002 ل«محور الشر» (كوريا الشمالية، عراق صدام حسين، وجمهورية إيران الإسلامية). ففى الخطاب ساوى أوباما بين أنشطة إيران النووية وبرنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية، على الرغم من أنه ليس هناك أدنى شك فى أن كوريا الشمالية أنتجت أسلحة نووية، بينما لا يوجد دليل على أن طهران قامت بذلك أو حتى حاولت القيام به. ولم يرد أى ذكر للتعامل مع طهران فى الخطاب. وبدلا من ذلك، كان التركيز مثلما كان أثناء إدارة جورج دبليو بوش على عزل إيران ومعاقبتها. وفيما يتعلق بالقضية النووية، بوجه خاص، قال أوباما: «مادام قادة إيران مستمرين فى تجاهل التزاماتهم، فلاشك أنهم سوف يواجهون أيضا عواقب متزايدة.» أما بالنسبة لوجود مجال للدبلوماسية فى سياسة أوباما تجاه إيران، فهى دبلوماسية من النوع الذى سعت إليه إدارة بوش خلال فترة رئاسته الثانية، وتتمثل فى التعاون مع حلفاء أمريكا الإقليميين والدوليين، لحشد التأييد لصالح الضغط المكثف متعدد الأطراف على إيران، وليس التعاون بهدف حل الخلافات وتوثيق العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران. ويمكن للمرء أن يصف بدقة هذه الدبلوماسية بأنها دبلوماسية بشأن إيران، وليست دبلوماسية مع إيران. وهى بالتحديد لا ترقى إلى «التغيير الذى يمكن أن نثق فيه». وواكب تراجع أوباما عن أى محاولة جادة لتطوير سياسة حقيقية للتعاون مع طهران، غياب استراتيجية شاملة للتعامل مع سلسلة التحديات التى تواجه الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط الأوسع نطاقا. فلم يقل الرئيس شيئا ولا كلمة واحدة عن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى أو عملية السلام العربية الإسرائيلية. وتركزت ملاحظاته حول العراق وأفغانستان على أن التدخل العسكرى فى هذه الصراعات قارب على الانتهاء. وربما يبدو أن «الإستراتيجية الكبرى» لأمريكا فى الشرق الأوسط، تراجعت إلى قتل أكبر عدد ممكن من الإرهابيين الجهاديين. ويحمل عدم وجود استراتيجية شاملة للشرق الأوسط الكبير مضامين مهمة لنهج إدارة أوباما نحو إيران. ففى خطابه، لم يبد الرئيس أوباما أى اعتراف بضرورة إقامة علاقة بناءة على نحو أكبر مع إيران من أجل تحقيق الأهداف ذات الأولوية الكبرى لواشنطن فى المنطقة. ولم يكن هناك بالتأكيد أى دليل على الاهتمام بالتعاون مع الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار فى العراق وأفغانستان ما بعد انتهاء النزاع. وبالفعل، بدأ مسئولون إيرانيون ومحللون فى طهران يقولون إن إيران ربما تشعر بأنها مضطرة لتقليل تعاونها فى باكستانوأفغانستان، إذا مضت الولايات الولايات المتحدة قدما نحو فرض عقوبات إضافية أو غيرها من التدابير القسرية. وبالفعل، امتنعت إيران عن حضور مؤتمر دولى حول أفغانستان فى لندن الأسبوع الماضى. ووفقا لتصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، اختارت إيران عدم المشاركة لأن نهج المؤتمر يتفق مع زيادة التحرك العسكرى، ويتبع معايير مزدوجة بشأن «محاربة» الإرهاب، ويتغاضى عن جذور المشكلة، وربما يسفر نهج إدارة أوباما عن زيادة مخاطر النزاعات بالوكالة بين الولاياتالمتحدة والجمهورية الإسلامية فى كل من أفغانستان والعراق. وإلى جانب اللغة الخطابية للرئيس باراك أوباما، لاحظنا ما نعتقد أنه مؤشر مهم آخر على الانحدار الاستراتيجى وبالتالى ضعف توقعات النجاح فى السياسة الخارجية لإدارة أوباما. فلم تحضر وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون خطاب حالة الاتحاد. وهى، للإنصاف، كانت فى لندن لحضور مؤتمر أفغانستان، واجتماعا مماثلا بشأن اليمن، وهكذا فلديها عذر مقبول. ولكن فى نفس اليوم الذى كان الرئيس أوباما سيلقى خطاب حالة الاتحاد، أجرت الوزيرة كلينتون مقابلة مع خدمة بى بى إس التليفزيونية أشارت فيها إلى أنها لا تتوقع أن تظل على رأس الدبلوماسية الأمريكية خلال الفترة الرئاسية الثانية لأوباما. وأعلنت الوزيرة أنها أصيبت بالإنهاك من المتطلبات الصارمة لوظيفتها. ونحن لا نشك فى أن الوزيرة كلينتون تعمل بجد، لكننا نأخذ تصريحاتها باعتبارها تصويتا ضمنيَا بعدم الثقة فى توجه السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد أوباما. فبعد عام فى السلطة، لم تحدث نجاحات فى السياسة الخارجية تستحق الذكر. كما أنه لا توجد احتمالات جيدة لتحقيق إنجازات كبرى خلال العامين إلى الأعوام الثلاثة المقبلة. كما أن الإرهاصات بشأن توجه السياسة الأمريكية نحو إيران ليست جيدة. وكانت منظمة المشروع الإسرائيلى التى تصف نفسها باعتبارها منظمة دولية غير هادفة للربح مكرسة لزيادة «معرفة» الصحافة والرأى العام بإسرائيل، مع تشجيع الأمن، والحرية، والسلام.. من أجل «المساعدة فى حماية إسرائيل، وتخفيف معاداة السامية، وزيادة الشعور بالفخر فى إسرائيل» قد أعلنت أنها اشترت فترة بث على الهواء فى قناة سى إن إن، وسى إن إن للأخبار العاجلة، وفوكس الإخبارية، وقناة إم إس إن بى سى، من أجل بث حملة إعلانية مكثفة، تبدأ يوم خطاب الرئيس أوباما عن حالة الاتحاد وتستمر لمدة ثلاثة أيام. وتهدف هذه الحملة إلى تسليط الضوء على «تهديد» إيران لإسرائيل وبالتالى للولايات المتحدة. ويقول نص الإعلان: (تخيل العاصمة واشنطن وهى تتعرض لهجوم صاروخى قادم من بلتيمور المجاورة. فمنذ 2005 كانت إسرائيل هدفا لثمانية آلاف هجوم بالقذائف والصواريخ من حماس وحزب الله. وساعدت إيران فى تمويل وتدريب وتسليح هاتين الجماعتين الإرهابيتين. فوجود إيران نووية يمثل تهديدا للسلام، ويقوى المتطرفين.. ومن شأنه أن يقدم مواد نووية للإرهابيين ذات قدرة على الضرب، فى أى مكان). وهذا بالطبع ترديد لأنواع الإعلان و«المعرفة» العامة نفسها التى ساعدت فى تمهيد الطريق للغزو الأمريكى للعراق. وعلى نحو يذكر بالتحضير لتحرك الكونجرس بشأن قرار تحرير العراق فى 1998. ومن المقرر الآن أن تعقد لجنة الشرق الأوسط وجنوب آسيا المنبثقة عن لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب، جلسة استماع هذا الأسبوع حول ما يمكن أن تقوم به الولاياتالمتحدة لمساعدة المعارضة فى إيران. وكنا نعرف دائما أنه سوف ينبغى على الرئيس أوباما أن يكون مستعدا للكفاح من أجل توجيه السياسة الأمريكية بشأن إيران وجهة أخرى تخدم حقا المصالح الأمريكية وتشجع الاستقلال الإقليمى. ولم نكن أبدا موقنين من أنه يقدر على هذا الكفاح. ولكنه من المخيب للآمال حقا أن نشهد السرعة التى يبادر بها إلى الاستسلام للجانب الآخر. يدير فلين ليفيريت «المشروع الإيرانى» فى مؤسسة «ذا نيو أمريكا فونديشن»، حيث يعمل أيضا كبيرا للباحثين. فضلا عن أنه يقوم بالتدريس فى مدرسة الشئون الدولية بجامعة ولاية بنسلفانيا. New York Times Syndication