وجدت نفسى أمام 100 عام من تاريخ مصر عند الحديث عن «مقهى ريش» المشهد الثقافى العربى ينقصه مزيد من الاهتمام بقيمة الكاتب والكتاب.. والنقد أيضا «خيال ثرى، وامتلاك حقيقى لأدوات السرد والإبداع، يدعمه انفتاح ملحوظ على أشكالا أدبية متنوعة»، هكذا استندت الكاتبة الإماراتية ميسون صقر على مجموعة من المهارات والإمكانات التى تميز كتاباتها وإبداعاتها فى الأشكال المختلفة فى كتابة الرواية والشعر وحتى الفن التشكيلى، التى فازت أخيرا بجائزة الشيخ زايد للكتاب «فرع الآداب»، عن كتابها الأخير «مقهى ريش.. عين على مصر»، الصادر عن «دار نهضة مصر للنشر» عام 2021، حيث حفلت حيثيات الفوز بما يدعم ويؤكد مكانة ميسون صقر وأهمية إبداعاتها، وهى شاعرة وفنانة تشكيلية وروائية إماراتية من الشارقة، تقيم بين القاهرةوالإمارات، وصدرت روايتها «ريحانة» عن دار الهلال بالقاهرة، أما فى مجال الأفلام القصيرة فلها فيلم تجريبي «خيط وراء خيط»، وقد حصل على جائزة لجنة التحكيم فى أفلام الإمارات بأبوظبى، كما أصدرت روايتها «فى فمى لؤلؤة» عام 2016 عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة. وقالت ميسون صقر تعليقا على فوزها بجائزة الشيخ زايد: «كنت بين شعورين الفرح الكبير والخوف من المستقبل، وما الذى سوف أقدمه بعد ذلك، هذه الفكرة انتبهت إليها فور فوزى، والتفكير فيما بعد الفوز، لكن إجمالا فخورة بالجائزة لأنها من بلدى، وتحمل اسم الشيخ زايد وهو مؤسس الدولة الذى نعتز بها جميعا، لذا فهى جائزة كبيرة وتتمتع بالحياد التام ولها سمعة رفيعة فى الوسط الثقافى. كما أننى شعرت بفخر لأن الجائزة عن كتاب تناول مصر، الأمر الذى جعلنى فى غاية السعادة، وما يجب ذكره أننى قد تقدمت لهذه الجائزة من قبل عن روايتى «فى فمى لؤلؤة» ووصلت للقائمة القصيرة، ولكننى لم أفز بها، وفاز بها الشاعر عباس بيضون ومن هنا أحب ان أؤكد أن فكرة الجوائز تعلمنا شيئا مهما وكبيرا للكاتب، وهو أن نفرح ونفخر لأنفسنا وللغير، ولا أنسى أن أول من أخبرنى بفوزى بالجائزة هو الكاتب الكبير عزت القمحاوى، هو المنافس لى فى الجائزة وهذه روح نحتاجها فى الوسط الثقافى والحياة عموما، وهى روح التسامح الشديد وتقبل الآخر، وشخصيا لم أتوقع الفوز بالجائزة». وينتمى العمل الفائز إلى ما يمكن تصنيفه ب«سرد الأمكنة»، وحول المكانة التاريخية والإرث الثقافى والإبداعى ل«مقهى ريش»، وكيف عالجت صقر ذلك وتناولته بشكل لم يخل من رصد دقيق للتحولات الثقافية والاجتماعية فى التاريخ المصرى، كان ل«الشروق» معها هذا الحوار. ♦ لماذا اخترت الكتابة عن «مقهى ريش»؟ فى بعض الأوقات أريد أن أكتب عن موضوع معين ولا أجد عنه المعلومات الكافية أو وثائق جيدة أو مدخلا مناسبا للكتابة عنه، لكن بالنسبة للكتابة عن «مقهى ريش»، فقد توافرت به كل هذه النقاط، أولا مكتوب عنه عدد كبير من المقالات الصحفية والأبحاث، ولكن أغلبها تتطرق إلى الجانب الفنى والثقافى أو أنها تعيد ما قالته المقالات الأخرى. عندما اطلعت على الوثائق مع صاحب المقهى الراحل الأستاذ مجدى ميخائيل، أبلغته حينها أنه يجب عمل نسخة إلكترونية للحفاظ عليها وعلى قيمتها، ومن هنا جاءت لى الفكرة، حيث وجدت نفسى أمام 100 عام من تاريخ مصر فى هذه الوثائق. نظرت إلى هذه الوثائق من 3 أبعاد، «بعين المندهش، وعين الروائى، وعين الفاحص»، وتساءلت كثيرا عن دلالة العديد من الأشياء، والتفكير بهذا الشكل فتح أمامى الباب من أجل تفسير الوثائق الخاصة بالمقهى وتحليلها بشكل أعمق، فوجدت نفسى أبحث عن مصر ككل، ودهشتى من الوثائق وحبى لها دفعتنى للبحث والكتابة وقمت بالسؤال عن كل ما ذكر فيها وكتبت الكثير من الملاحظات والمراجعات لنفسى ومن هنا جاءت فكرة الكتاب. ♦ هل هناك صعوبات معينة واجهتك عند الكتابة عن مقهى ريش؟ أبرز الصعوبات تمثلت فيما سوف تقدمينه ويكون جديدا ومميزا عما سبق وتم الكتابة عنه، وكيف ستكتبينه وبأى صيغة، هل تكتبينه مقالا أو سردا عاديا أم تقريرا أو شعرا، خاصة اننى لست من رواد المقاهى وحتى مقهى ريش تعرفت عليه أكثر فى أيام الثورة فقط، لذا فإن الخلاصة هى أن الحكايات موجودة فى كل مكان ولكن كيف سنقدمها ونتناولها. اهتممت بمدخل الكتابة نفسها وكيف تعبر عن المقهى، حيث وجدت أن الأخير يجب أن يوضع فى إطار أكبر وهو القاهرة التى كانت تتغير فى ذلك الوقت، وبسببها نشأ هذا المقهى. لا يمكن نسيان أن مقهى ريش كان ملتقى فريدا شهد على لقاءات جمعت أم كلثوم وصلاح عبدالحى وروزاليوسف، فكان من الصعوبات التى واجهتنى التدقيق فى كل تلك المعلومات، والبحث والتحليل والمراجعة والاستنتاجات والتأكد من صحتها وما دليلها، خاصة أننى أتحدث عن مصر وكبار الفنانين فيها خلال فترة زمنية مميزة. ♦ هل هناك مراحل معينة من البحث والقراءة والتأمل تتبعينها قبل صياغة أعمالك الأدبية؟ بالطبع، أعيش حالة من «الوحدة» للتفكير فى النص فى البداية، ثم أمر بمرحلة النقاش مع صديق مقرب عند الانتهاء من كل جزء، لكى يقرأ ما كتبته لمراجعة النص وطريقة التحليل فى الكتاب، وبعدها نصل للمراحل النهائية من خروجه إلى النور ونشره. ♦ ما هى طبيعة العلاقة التى يمكن أن تجمع الأدب بالتاريخ وتناول الأحداث التى لها طابع تاريخى؟ النصوص الأدبية قد تحافظ على التاريخ وترصده، وممكن أن تتولى هى عملية التغيير فيه وفقا للحالة الروائية، ففى أعمالى السابقة: ريحانة، فى فمى لؤلؤة»، نتلمس أننى استعنت بجزء من التاريخ لصنع حالة روائية إبداعية قد تختلف عما جرى فى وقائع التاريخ الفعلى نفسه. التاريخ بشكل حرفى يمكن العثور عليه فى كتب التاريخ، لكن الأدب يضع قواعده الخاصة فى كيفية استخدام الأحداث التاريخية فى الأدب والفنون دون نقل حرفى، ولكن من أجل نقل عوالم وخلق أحلام وحيوات من هذا التاريخ. ♦ روايتك «فى فمى لؤلؤة» نقلت تفاصيل عالم مدهش عن الصيادين والغواصين.. كيف تستطيعين رسم الشخصيات بتلك الدقة؟ أعتمد فى ذلك على دمج مزيج يجمع بين التحليل والاستنتاجات مع المضى فى السرد، ولذلك أقوم ببناء العالم والشخصيات وتطورها، يصل الأمر فى رواية «فى فمى لؤلؤة»، إلى أننى قابلت بعض الصيادين الكبار فى السن، تحدثت معهم وتعمقت فى تجاذب أطراف الحديث للتعرف على عالمهم، اطلعت بشكل كافٍ على الشعر الشعبى للرحلات، وكل ما يتعلق بعالم الغواصين من أجل التوصل إلى أفضل أشكال بناء الشخصية. ومن خلال التركيز بشكل أساسى على رسم الشخصيات، تمكنت على سبيل المثال من أن أجعل من المرأة فى الرواية» نموذجا قويا» له اختياراته وأحلامه وجرأته، وهى أمور تستند على تفاصيل واقعية فلا يجب أن يكون رسم الشخصيات وتفاصيلهم والحديث عنهم دائما له طابع فانتازى. ♦ إلى أى من الألوان الإبداعية تميلين أكثر: الشعر، أم الرواية، أم الفن التشكيلى؟ إجابتى ستذهب إلى الشعر، ففى بداية مشوارى سيطرت على فكرة الشعر، وأشعر أحيانا أن الرسم به حالة وصبغة من الشعر، فالاثنان يجمعهما ضرورة توافر «صورة، تتطور، وحلم ولقطة ما» وكلها عناصر استخدمتها فى الشعر والفن التشكيلى. ♦ ما هو تقييمك للمشهد الإبداعى الثقافى العربى.. وما الذى ينقصه؟ ينقصه فى رأيى فكرة الإحساس بقيمة الكتابة والكاتب، لذا فإن الجوائز لها دور كبير فى ذلك، وأرى أن الشعر مهضوم حقه فى هذه الفترة، كما أن هناك فروعا فى الثقافة العربية مغمض العين عنها مثل النثر بشكل كبير، الشعر والقصة القصيرة، فى حين أن الاهتمام منصب أكثر على الرواية. الرواية جميلة بطبيعة الحال، ولها متابعون وقراء كثيرون من داخل الوسط الثقافى وخارجه، وتبنى ذائقة مبنية على الحكاية لكن الشعر والنقد تبنى الإنسان بشكل أعمق، فالشعر يبنى جماليات أخرى داخل الشخصية، فنرى أن الانسان العادى تساهم اللغة الشعرية فى أن تفتح أمامه عالم من الصور. جماعات القراءة الموجودة حاليا تعتمد على نقد عشوائى، هى جيدة ولكن نقدها انطباعى وليس أصيل معتمد على نظريات النقل لذلك نحتاج أن نعطى النقد بعض الاهتمام، وليس مجرد الصدارة بشكل حقيقى، لأن فكرة النقد هى التى تبنى المجتمعات فى كل شىء ليس فقط فى الأدب. ♦ حصلت على جائزة قيمة فى الأفلام القصيرة عن تجربتك الوحيدة فيلم «خيط وراء خيط» لماذا لم تستمرى فى هذا المجال؟ أصبحت أهتم بالرواية والبحث طويل المدى، فيلم «خيط وراء خيط» هو تطور لفكرة أننى قمت فى البداية بعملية «قص ولزق»، ثم استخدام ألوان عديدة لتنفيذ الأعمال وصولا إلى المعارض ثم مرحلة ال«فيديو آرت» وكانت فكرة تجريبية، حتى استقريت على أن موضع الفن والثقافة العامة هو التركيز على الرواية والفن والشعر. وأرى أن الفنان والكاتب لا يجب أن يكتفى بمجال محدد ولا يحب ان يوضع فى صندوق وإطار واحد، فالأدب والفن حر، طالما امتلك أدوات حتى لو مجرد تجريب.