«البيئة»: 160 مليار طن من الكربون تدور بصورة طبيعية فى جميع النظم الإيكولوجية سالم: مصر تقود ثورة صناعية ثالثة هدفها خفض الانبعاثات خبير بالحياة البرية: غابات المانجروف تسهم فى تقليل الآثار الكارثية لتغير المناخ مسئول بوزارة البيئة: الحد من الانبعاثات الكربونية يحافظ على الموروثات الجينية توفيق: حماية النظم البيئية يجنبنا إطلاق مخزونات الكربون والإخلال بالنظام البيئى يواجه كوكب الأرض أزمات مناخية تهدد التنوع البيولوجى وتتسبب فى أزمات صحية وبيئية بالغة، ويؤدى عدم معالجتها بصورة متكاملة لخسائر بشرية قد لا يمكن تقديرها لأنها ترتبط بدعم الحياة على الكوكب، مما يعنى أن جائحة فيروس كورونا لن تكون الأخيرة. وأمام تلك التحديات وآثارها المحتملة من حيث التكاليف المادية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يقدم التنوع البيولوجى منافع وخدمات لا تقدر بثمن للبشر وللكوكب، بما فى ذلك التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه. وقال رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجى بوزارة البيئة أيمن حمادة، إن التنوع البيولوجى له دور كبير فى تقليل آثار تغير المناخ، من خلال خفض خطر الضرر الذى قد يلحق بالنظم الإيكولوجية البشرية والطبيعية عن طريق اعتماد استراتيجيات التكيف والتخفيف المبنية على التنوع البيولوجى. وأضاف حمادة ل«الشروق»، أن ذلك يتم من خلال حماية وصون النظم الإيكولوجية للأراضى والمياه العذبة والبحار واستعادة النظم الإيكولوجية المتدهورة بمكوناتها البيولوجية من تنوع فى أنواع الكائنات الحية والتنوع الجينى، ومكوناتها غير الحية من بيئات وموائل وتراكيب جيولوجية. وأشار إلى أنه إدراكا من الأممالمتحدة لأهمية إصحاح النظم الايكولوجية أعلنت المنظمة رسميا فى 5 يونيو من العام الماضى، اعتماد عقد الأممالمتحدة لاستعادة النظم الإيكولوجية. وأكد أن العلاقة بين التنوع البيولوجى والتغيرات المناخية هى علاقة متداخلة ولا تقتصر على دور التنوع البيولوجى فى التقليل من حدة آثار تغير المناخ والتكيف معه، ولكن من خلال آثار تغير المناخ على التنوع البيولوجى بمستوياته الثلاثة التى تشمل النظم الإيكولوجية والتنوع بين الأنواع والتنوع الجينى والتى ثبت أنها أضرت بالفعل بالتنوع البيولوجى. وأوضح أن التخفيف يتم بفعل الإجراءات التى يتم تنفيذها للتقليل من مصادر غازات الدفيئة أو تعزيز عملية تخزين الكربون فى التربة أو البحار أو النظم الايكولوجية، حيث تلعب تلك النظم دورا حيويا فى تنظيم دورة الكربون فى الغلاف الجوى. ولفت إلى أن التقارير والدراسات العلمية تشير إلى أن النظم الإيكولوجية البحرية والأرضية الصحية قادرة على امتصاص وتخزين أكثر من 5.6 جيجا طن أى ما يعادل 60% من الكربون الناشئ عن أنشطة بشرية وهى تلك الانبعاثات المسئولة عن التغيرات المناخية ولذلك يعد نهج «التكيف القائم على النظم الإيكولوجية» من النهج الفعالة من حيث التكاليف ويسهم فى تقديم خدمات ومنافع اقتصادية واجتماعية فضلا عن إسهامه فى الحفاظ على التنوع البيولوجى. وأشار إلى أن هناك أمثلة كثيرة لإجراءات التكيف مثل: الحفاظ على النظم الإيكولوجية المحلية واستعادتها، وحماية خدمات النظام الإيكولوجى وتعزيزها، وإدارة وصون موائل الأنواع المهددة، وإنشاء ملاجئ للحياة البرية ومناطق الحماية، وإنشاء شبكات المحميات المحمية على اليابسة وفى مسطحات المياه العذبة وفى البحار والسواحل. وأوضح أنه يوجد نحو 2.5 تريليون طن من الكربون مختزن فى النظم الإيكولوجية الأرضية، إضافة إلى 38 تريليون طن مختزن فى المحيطات تنقسم إلى 37 تريليون طن فى مخزنة المحيطات العميقة أى الطبقات التى لن ترجع الكربون مرة أخرى إلى عمليات الغلاف الجوى إلا على مدى مدة طويلة من الزمن، وتريليون طن مخزنة فى الطبقة العليا من المحيطات وذلك مقارنة ب750 مليار طن من الكربون فى الغلاف الجوى. وأكد أنه يوجد فى المتوسط نحو 160 مليار طن من الكربون يدور بصورة طبيعية بين المحيط الحيوى أى فى جميع النظم الإيكولوجية المتعلقة بالمحيطات والأراضى، لذلك فإن حدوث تغير صغير فى مصادر المحيطات والأراضى من الممكن أن يؤثر تأثيرا كبيرا على مستويات ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، فضلا أن تغير المناخ الذى يحدثه البشر بسبب تراكم الانبعاثات فى الغلاف الجوى يؤدى إلى تحول فى صافى دورة الكربون الطبيعية بذلك سيكون هناك انبعاثات صافية سنوية من الأحواض الأرضية وإلى ضعف أحواض المحيطات مما يؤدى إلى زيادة تعجيل وتيرة تغير المناخ. وتابع بأن تلك التأثيرات على التنوع البيولوجى التى تتفاقم بسبب محركات ودوافع أخرى مثل الاستخدام الجائر والتلوث والأنواع الغريبة والغازية وتدمير الموائل الطبيعية ستؤثر سلبا على تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة حيث إن هذا التدهور فى التنوع البيولوجى سيقوض التقدم المحرز نحو تحقيق نحو 80% من غايات التنمية المستدامة (35 من أصل 44 غاية). من جهته؛ قال رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة محمد سالم، إن التنوع البيولوجى يؤثر ويتأثر بالتغيرات المناخية، مشيرا إلى أن حالة البيئة على الأرض قبل ملايين السنين تختلف تماما عما هى عليه الآن، من خلال الأشجار المتحجرة والصفائح التكتونية للغلاف الصخرى، التى أظهرت أن مصر كانت عبارة عن منطقة استوائية تغطيها أشجار غابات كثيفة رغم أنه لم يكن هناك تدخل بشرى قبل ظهور الإنسان على الأرض، مؤكدا أن مصر تقود ثورة صناعية ثالثة هدفها خفض الانبعاثات. وأضاف سالم ل«الشروق»، إن بعض الأنواع لم يكن بإمكانها مواكبة التطور الطبيعى لنشأة الأرض، مما أدى إلى اندثار أنواع منها، فى حين استطاعت أنواع أخرى الهجرة أو التأقلم مع التغيرات الطارئة، ومنها الحيتان، التى جرى اكتشاف حفريات كاملة لها، تظهر أنها كانت تعيش على اليابسة، قبل أن تنتقل إلى المياه. وأوضح أنه توجد كائنات حية تستطيع التكيف بشكل متكامل مع التغيرات المناخية وذلك دون أن تلجأ للهجرة أو التكيف، مثل أسماك القرش والتى أظهرت الدراسات أنها واجهت جميع المتغيرات التى طرأت على كوكب الأرض على مدى نحو 35 مليون سنة، دون أى رد فعل من جانبها، سواء بتغيير شكلها أو سلوكها. وقال خبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية ببرنامج الأممالمتحدة للتنمية، عاطف محمد كامل، إن دور التنوع البيولوجى فى التكيف مع المناخ يتمثل من خلال تقليل قابلية التأثر وزيادة مرونة المجتمعات والنظم البيئية فى مواجهة الصدمات البيئية الناجمة عن تغير المناخ، فعلى سبيل المثال «تساعد الطبيعة فى تقليل التعرض لتأثيرات تغير المناخ، وتساعد استعادة النظم البيئية الساحلية وحمايتها على الدفاع ضد الفيضانات، ومن خلال النهج التشاركية والقائمة على الحقوق، يمكن للإجراءات التى تعمل مع الطبيعة أن تساعد فى بناء القدرة التكيفية للسكان المحليين. وأكد كامل، أن التنوع البيولوجى إحدى الضمانات العالمية ضد تغير المناخ، حيث ترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن ظاهرة التغير المناخى أحد أكبر التهديدات التى تواجه النظم البيئية فى العالم، بينما يعد التنوع البيولوجى إحدى الضمانات العالمية ضد تغير المناخ، والفشل فيه يزيد من تفاقم التحديات المناخية. وأوضح أن التنوع الحيوى فى المنطقة العربية الإفريقية شديد الحساسية للتغيرات المناخية، مضيفا أنه يمكن للتنوع البيولوجى أن يدعم الجهود المبذولة للحد من الآثار السلبية لتغير المناخ، ويمكن للموائل المحفوظة أو المستعادة إزالة ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوى، وبالتالى المساعدة فى معالجة تغير المناخ عن طريق تخزين الكربون، علاوة أنه يمكن أن يساعد فى الحفاظ على النظم البيئية السليمة، مثل غابات المانجروف، فى تقليل الآثار الكارثية لتغير المناخ، بما فى ذلك الفيضانات والعواصف العاتية. وأشار إلى أن أشجار المانجروف «الشورى» تغطى حاليا مساحة 5 آلاف متر مربع فى مصر من أصل 14 نوعا فى العالم، وتشغل 5.1% من مساحة أراضى كوبا، وتوجد على 70% من سواحلها، وهذا يعنى أن الخسائر والأضرار التى لحقت بأشجار المانجروف ستجعل المجتمعات الساحلية عرضة لخطر التغيرات المناخية. وقال الخبير فى التغير المناخى والمدير السابق لقسم التغير المناخى بوزارة البيئة، صابر عثمان، إن للتنوع البيولوجى أهمية فى الحفاظ على المناخ، بداية من الأشجار التى تعد واحدة من أكبر ممصات الكربون بعد المحيطات، وبالتالى الحفاظ عليها يساعد على توازن تركيزات ثانى أكسيد الكربون بالغلاف الجوى، وقطع الغابات يؤدى لخلل فى تلك التركيزات وزيادة معدلها بالغلاف الجوى، وزيادة تأثير الاحتباس الحرارى عن معدلاته الطبيعية. وأضاف عثمان ل«الشروق»، أن بعض الكائنات الحية سواء كانت «حيوانية أو نباتية تتكيف بشكل كبير مع تغيرات المناخ بينما باقى أنواع الكائنات الحية يتأثر أغلبها سلبا نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع تغير المناخ، وبالتالى يفقد البشر هذه الأنواع التى قد نحتاج اليها مستقبلا فى تحقيق الأمن الغذائى أو صحة البشر حيث إن نسبة عالية من الأدوية المستخدمة تأتى من مصادر نباتية، وقد نفقد بعض الأنواع التى تمثل مخزنا للأدوية والعلاجات التى قد نحتاجها مستقبلا. وأكد أنه يجب علينا جميعا العمل على الحد من التغيرات المناخية سواء من خلال تغيير سلوكياتنا وعاداتنا والحد من انبعاثات الكربونية أو بالعمل على التكيف مع التأثيرات المحتملة لتغير المناخ وهو ما يتطلب المزيد من البحوث والدراسات العلمية التى تحافظ على المورثات الجينية وتجنبنا فقد المزيد من الأنواع النباتية والحيوانية. وقال المستشار البيئى والتطوير المؤسسى، الدكتور أحمد توفيق، إن التنوع البيولوجى مفيد لأنفسنا، كونه يجلب لنا العديد من الفوائد العملية، وتوفر العديد من الأنواع المهددة الأدوية والأغذية للاستخدام البشرى، مما يجعل التنوع البيولوجى موردا طبيعيا بالغ الأهمية. وكشف توفيق ل«الشروق»، عن وجود نحو 30% من الوصفات الطبية التى يتم صرفها من الصيدليات على مواد مشتقة فى الأصل من النباتات، مؤكدا أن فقدان الأنواع يسبب نقص جينات فريدة من نوعها، والتى يمكن أن تعود بفائدة كبيرة على الإنسان. ولفت إلى أنه من الضرورى أن نرى تخفيضات فورية وسريعة للانبعاثات على مستوى الاقتصاد هذا العقد لتأمين الفوائد المناخية المستقبلية لحماية الطبيعة واستعادتها ولتجنب تحويل النظم البيئية الغنية بالتنوع البيولوجى فى العقود القادمة إلى التكامل فى التشجير والمحاصيل التى تتأقلم مع درجات الحرارة العالية للوصول إلى الهدف 1.5 ºC.