تحيي غدا الأحد منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة " اليونسكو " اليوم العالمي لصون النظام الإيكولوجي (البيئى) ل غابات المانجروف ، التى تسهم النظم البئية لأشجار الأيك الساحلية (المنغروف أو المانجروف) في حماية الخطوط الساحلية وتخفيف آثار التغيرات المناخيّة والظواهر الجوية القاسية، وتعتبر نادرة غنية ومذهلة وتوجد على الحدود بين اليابسة والماء. وتوفّر هذه النظم الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية؛ كما تقدم هذه النظم أيضاً كتلة حيوية متنوعة، بالإضافة إلى أصناف مختلفة من الأسماك وسلع وخدمات الغابات ومصايد أسماك مستدامة. وكان المجلس التنفيذى ل " اليونسكو " قد أقر فى دورته ال 38 القرار 197 / 41 لعام 2015، بإعلان يوم 26 يوليو يوما دوليا لصون النظام الإيكولوجى ل غابات المانجروف ، بناء على اقتراح تقدمت به دولة الإكوادور بدعم من مجموعة أمريكا اللاتينية والكاريبى، لإعداد خطة إقليمية لصون غابات المانجروف في جنوب شرق المحيط الهادئ. وأشجار المانجروف مهددة من الأنشطة البشرية في نواح كثيرة، فعلى الصعيد العالمي يزيد فقدان غابات المانجروف من 3 إلى 5 مرات أعلى من غابات الغابات الأرضية. ويقدر معدل التدهور والتدمير بحوالي 1% في السنة، ومنذ عام 1980 تشير التقديرات إلى فقدان 20-35% من غابات المانجروف على مستوى العالم، إن تدمير غابات المانجروف مسؤول عن حوالي 10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن إزالة الغابات- 240 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، فعندما نفكر في احتجاز الكربون ينبغي أن نفكر في غابات المانجروف بدلاً من الغابات المطيرة الاستوائية. ويمكن أن تكون النظم البيئية للكربون الأزرق ، تلك الأنظمة في المناطق الساحلية بما في ذلك أشجار المانجروف والأعشاب البحرية ومستنقعات المد والجزر أكثر فاعلية من الأنظمة البيئية الأرضية في تخزين الكربون. وأشجار المانجروف عبارة عن أجهزة تنقية غازات كربونية طبيعية، تقوم بإخراج ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتعبئته بعيدًا لآلاف السنين أو أكثر في تربتها الغنية، ويقدر أن أشجار المانجروف تخزن الكربون بنسبة 3 إلى 4 مرات أكثر من الغابات الاستوائية. وتشيردراسة جديدة إلى أن التقديرات السابقة كانت منخفضة، وأن تربة المانجروف كانت تحتوي على حوالي 6.4 مليار طن متري من الكربون في عام 2000، وتوفر غابات الأراضي الرطبة العديد من الفوائد الأخرى للمجتمعات الساحلية، وهي تعمل كحواجز عاصفة، تحمي المناطق الداخلية من الفيضانات والتآكل عن طريق تبديد طاقة الأمواج الكبيرة، وهي تساعد في تصفية مجموعة متنوعة من ملوثات المياه، وتحبس الرواسب الزائدة، كما أنها تساعد الاقتصادات الساحلية من خلال توفير مشاتل الأسماك وإنتاج الغذاء. وباستخدام بيانات الرواسب من 10 آلاف سنة مضت قدّر فريق دولي بقيادة جامعة ماكواري الأسترالية فرص بقاء غابات المانجروف على أساس السيناريوهات المستقبلية لمعدلات ارتفاع مستوى سطح البحر. وفي هذا السياق، حذرت دراسة حديثة من أن أشجار المانجروف التي تنمو على طول السواحل في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في 78 موقعا في الأمريكتين وأفريقيا وآسيا وأستراليا سيكون من الصعب أن تحافظ على نموها بصورة مستمرة؛ بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. وأوضحت الدراسة التي أجراها فريق دولي من الباحثين بعدد من الجامعات، ونشرتها دورية "ساينس"، أن تدهور تلك الأشجار ستترتب عليه مخاطر بيئية، مثل ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه هذه النوعية من الأشجار بكثافة، وتقليل عدد المخازن الحيوية المؤقتة لغازات الدفيئة. وأظهرت النماذج الحسابية- المرتكزة على إيجاد العلاقة بين معدلات ارتفاع مستويات سطح البحر ومعدلات النمو العمودي لأشجار المانجروف من جانب وقدرتها على تكوين جذورها العتيدة من جانب آخر- تراجع هذه النظم البيئية الحيوية أمام استمرار الارتفاع النسبي لمستوى سطح البحر، كما أكدت النتائج الأهمية الحيوية لبقاء هذه النظم الإيكولوجية من الناحيتين البيئية والاقتصادية. وتشير الدراسة إلى أن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر تضاعف من 1.8 ملليمتر سنوياً في بدايات القرن العشرين إلى 3.4 ملليمترات سنويا في السنوات الأخيرة، الأمر الذي كانت له آثار سلبية على غابات المانجروف التي يعود نموها إلى ما بين 7500 و9800 سنة من الآن. وتوضح الدراسة أنه من المحتمل بنسبة تتجاوز ال90% أن تعجز تلك الأشجار عن الحفاظ على نموها المستمر في حالة بلوغ ارتفاع مستوى سطح البحر 6.1 ملليمتر، وهو أمر مرجح حدوثه على سواحل المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في غضون 30 عاماً ما لم يتم تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الأمر سيزداد سوءاً وسط توقعات بارتفاع مستوى سطح البحر بأكثر من 10 ملليمترات سنويا بحلول عام 2100، ما يزيد من حجم التهديدات بالنسبة لأشجار المانجروف. ووفق نتائج الدراسة، من المتوقع أن يتسارع معدل الارتفاع النسبي لمستوى سطح البحر في المواقع الاستوائية وشبه الاستوائية من متوسط قدره قرابة 3.4 ملليمترات سنويا إلى متوسط قدره قرابة 5 ملليمترات سنويا في حال السيناريوهات منخفضة الانبعاثات، وقرابة 10 ملليمترات في حال السيناريوهات عالية الانبعاثات بحلول عام 2100. ووفق تقرير صادر عن منظمة ( اليونسكو )، تتمتع تلك الغابات بنظام إيكولوجي فريد، يسهم في حماية السواحل؛ إذ تعمل كمنطقة عازلة تحمي الأرض من أضرار الرياح والأمواج وتحول دون تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، كما تحد من وطأة تغير المناخ؛ إذ تحتجز نحو 75 مليار طن من الكربون، وتؤوي العديد من الحيوانات البرية والبحرية. وتحتفظ الأراضي الساحلية الرطبة (المانجروف، والمستنقعات المد جزرية، والأعشاب البحرية) بأعلى معدلات احتجاز للكربون لكل وحدة مساحة من بين جميع الأنظمة الطبيعية، فتلك الأراضي تتمتع بمعدل إنتاجية مرتفع وقدرة مرتفعة على الاحتفاظ بالكربون العضوي داخل الركائز الرسوبية. وتشدد نتائج الدراسة على أنه من المرجح جداً أن تتوقف أشجار المانجروف عن تحمل معدلات ارتفاع مستوى سطح البحر في حالة تجاوزها حاجز الستة ملليمترات سنويا؛ إذ تزدهر هذه الأشجار عندما يكون ارتفاع مستوى سطح البحر أقل من 5 ملليمترات سنويا. وأوضحت الدراسة أن غابات المانجروف سبق أن تأثرت سلبا بارتفاع مستوى سطح البحر في أثناء عصر الهولوسين (بدأ منذ نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد؛ إذ ذابت الجليديات التي غطت قسما كبيرا من نصف الكرة الشمالي)، ما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدلات بلغت 12 مليمترا سنويا قبل أن تعود تلك المعدلات إلى الاستقرار قبل 6 آلاف عام. وشددت دراسات سابقة على أهمية أشجار المانجروف باعتبارها "بالوعة الكربون" الأكثر أهميةً حول العالم، مشددة على أن تعزيز عوامل حمايتها بمنزلة إنقاذ البيئة من مخاطر زيادة نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فقد فحص الباحثون أشجار المانجروف التي يوجد منها حوالي 80 نوعا، (أهمها القرم، والقندل، والجار)، والتي يعود تاريخها إلى 9800 عام؛ لاستكشاف كيفية استجابتها لارتفاع مستوى سطح البحر والتنبؤ بالكيفية التي من المتوقع أن تستجيب بها لأي ارتفاعات مستقبلًا، ووجد العلماء أن هناك علاقة قوية بين النمو العمودي ل غابات المانجروف وارتفاع مستويات سطح البحر، فعندما ارتفع مستوى البحر بسرعة أكبر من 6.1 ملليمتر سنويا، فقدت الأشجار قدرتها على البقاء. ووفقاً للدراسة، فإن مستويات سطح البحر كانت ترتفع بمعدل حوالي 10 ملليمترات سنويا قبل 10 آلاف عام، ولكن الأمور استقرت قبل 4000 عام، ما أدى إلى توسع غابات المانجروف ، لكن تهديد هذا الاستقرار سيهدد المانجروف بحلول عام 2050؛ إذ إن 6.2% فقط من تلك الأشجار سيكون بوسعها النمو رغم المياه الزاحفة باتجاهها، وحول أكثر المناطق التي قد تتضرر فيها أشجار المانجروف خلال الثلاثين سنة القادمة، فقد أشار "نيل سانتيلان" عالم البيئة بجامعة ماكواري بأستراليا، والمشارك في الدراسة، إلى أن هناك اعتباران يتحكمان في هذه المسألة، الأول أن أشجار المانجروف التي تنمو في أماكن ذات شعاب مرجانية تكون أكثر عرضة للخطر والضرر؛ بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر التي لا تستطيع مواكبته إلا من خلال تنمية أنظمة جذورها، وقد أثبت العمل في منطقة البحر الكاريبي أنه يمكن لتلك الأشجار مواكبة ارتفاع قدره 5 ملليمترات في السنة في مستوى سطح البحر دون أن يهدد وجودها، أما الاعتبار الثاني فهو نوع أشجار المانجروف ذاتها؛ إذ إن معظم الأشجار التي تنمو في المناطق الاستوائية هي "الجندل" وتتمتع بقدرة أكبر على مواكبة الارتفاع السريع في مستوى سطح البحر، أما الأشجار التي تنمو في المناطق الأكثر برودة، فهي في الغالب من أشجار القرم التي تمتد جذورها من سطح المستنقعات إلى أعلى، ويمكن أن تغرق بسهولة أكبر عند ارتفاع مستوى سطح البحر. ويشدد "سانتيلان" على أنه ينبغي على الحكومات والجمعيات والمؤسسات الدولية المعنية بحماية البيئة العمل على وقف المخاطر التي تهدد أشجار المانجروف مستقبلا. وأضاف سانتيلان، أنه يمكن تجنب ذلك إذا توافر مخزون كاف من الرسوبيات يتيح للأشجار الحفاظ على ارتفاع مناسب للتربة، والعمل على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ كي يبقى معدل ارتفاع سطح البحر في الحد الذي لا يهدد أشجار المانجروف، وذلك من خلال الوفاء بالتزامات اتفاقية باريس. وحول عدم تناول الدراسة لدول خليجية رغم كونها آسيوية، يقول "سانتيلان" إنه تم دراسة أشجار المانجروف في الهند وكمبوديا وفيتنام وتايلاند وماليزيا وسنغافورة دون دول الخليج التي وجدنا مستوى سطح المياه فيها مستقرا منذ 6 آلاف عام، ما وفر استقراراً لنمو أشجار المانجروف فيها. وبالنسبة لمصر، التي لم تتناولها الدراسة أيضا، يؤكد "سانتيلان" أنه يتطلع إلى دراسة وضع أشجار المانجروف بها في دراسات مستقبلية. ولهذا تعد حماية النظم البيئية لأشجار الأيك الساحلية أو المانجروف مهمة في الوقت الحاضر، حيث إن هذه الأشجار معرضة لتحديات خطيرة تعود لعدة أسباب مثل الارتفاع المثير للقلق لمستوى البحر والتنوع البيولوجي المعرض للخطر على نحو متزايد، وإن كوكب الأرض والإنسانية لا يستطيعان تحمل خسارة هذه الأنظمة البيئية المهمة، ولطالما كانت " اليونسكو " من أوائل الأطراف المعززة للانسجام والتناغم بين الإنسانية والطبيعة، حيث تعتبر عملية صون النظم البيئية لأشجار الأيك الساحلية ذا أهمية خاصة.