سؤال توجهت به «الشروق» إلى عدة مواطنين، لتبحث عن موقف المصرى العادى من المشاركة السياسية، وتبريره للمشاركة أو عدم الاهتمام بما يجرى. بائع رصيف: أصل أنا لسه جاى «إزاى يعنى؟!» قالها «شحتة محمد»، أحد باعة الأرصفة بوسط البلد، وعلامات الانزعاج واضحة على وجهه، ردا على «سؤال عندك بطاقة انتخابية ولا لأ؟». بعد قليل من التوضيح، استطرد «شحته»، 19 عاما، محاولا تبرير جهله بهذه «البطاقة»: «أصل أنا لسه جاى مصر من يومين بس». الظروف الاقتصادية الصعبة التى دفعت شحتة للهجرة من بلده سوهاج إلى القاهرة، حالت بينه أيضا وبين استخراج بطاقة انتخابية حتى الآن. عندما علم «شحتة» إنه يمكن له بهذه البطاقة أن ينتخب من يجد له فرصة عمل، أطرق قليلا وقال: «إن شاء الله.. اقعد اشرب شاى بقى». طالب جامعى: الكورة أهم «ما عنديش بطاقة انتخابية»، يقولها بكل صراحة محمد محمود الطالب بالسنة الرابعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس، بعد أن بدا أنه فوجئ بالسؤال. ترك محمد كتابا كان يتصفحه على إحدى فرشات الكتب القريبة من الجامعة، وقال «متهيألى إن إجراءاتها مش واضحة ومش معروفة». «دا حتى أبويا ما عندوش بطاقة انتخابية». بعد قليل من التفكير، أضاف موضحا: «للأسف ما فيش وعى سياسى فى الجامعة ولا عند الشباب. مفروض الشاب فى الوقت اللى يكون دخل فيه الجامعة يكون عنده وعى سياسى كامل، وعارف حقوقه، لكن للأسف ده مش موجود». «أنا نفسى الواحد يشارك ويكون فيه وعى سياسى واهتمام بالسياسية، ودا اللى بيخلق قادة سياسيين زى ما هو حاصل فى إسرائيل مثلا بتلاقى كذا حد؛ نتنياهو وباراك وغيرهم، لأن عندهم ديمقراطية وبيهتموا بالسياسة، لكن تبص عندنا ما فيش». ويقول محمد أخيرا: «واضح إنهم، الحكومة يعنى، عايزين كده. هما بيشجعوا الكورة أوى مثلا لكن عند السياسة مش عايزين». طبيب: صوتى مثل عدمه لأنه يعتقد أن «صوته زى عدمه» لم يستخرج أحمد محمود، الطبيب الشاب بأحد المستشفيات العامة بطاقة انتخابية، بالرغم من أن عمره الآن 30 سنة. يقول أحمد إن «الحزب الوطنى هوه اللى ماسك البلد. واللى عايزاه الحكومة هيحصل هيحصل. فى بلدنا فى المنوفية كنا بنشوف الانتخابات ماشيه إزاى، وأى مُرشح ضد مرشح الوطنى حتى لو كان واخد أصوات أكتر كان بيخسر». ويضيف موضحا: «لما مرشح الحزب يبتدى يحس إنه هيخسر، تبتدى أعمال البلطجة، ويقطعوا النور، وناس تدخل تدلى بأصواتها تحت التهديد، وصناديق تتبدل. حتى القضاه ما كانوش بيقدروا يعملوا حاجة». وبناء على ما سبق يقول الطبيب الشاب: «عشان نضمن انتخابات نزيهة ويكون عندنا بالتالى بطاقات انتخابية، لازم تكون فيه مراقبة دولية على الانتخابات». سايس جراج: مش فى دماغى ككثيرين غيره من المصريين، لم يستخرج طارق زكريا، السايس بأحد جراجات السيارات، بطاقة انتخابية. «الشغل والمرمطة هنا وهنا» هو ما حال بين زكريا، 22 عاما، وبين استخراج البطاقة الانتخابية التى كانت «مش فى دماغه»، على حد قوله. بالرغم منذ ذلك يقول زكريا إنه ينوى استخراج بطاقة انتخابية، لأنه يعرف أن من خلالها يحق له انتخاب من يمثلونه ويحلون مشكلاته فى «دائرته الانتخابية». ويشير إلى أن هناك بعض الناس من أحزاب أو جمعيات «بييجوا كل مدة فى منطقته وبيساعدوا الناس يعملوا بطايق وبيقولوا البطاقة ديه مهمة». لكن زكريا لا ينفى مع ذلك تخوفه من أن هناك نوابا أو مرشحين «ممكن ننتخبهم وبعدين ما يعمولش حاجة، لأن أهم حاجة عندهم يوصلوا المجلس وخلاص». إخصائية اجتماعية: حق كالماء والهواء على عكس كثيرين من أبناء جيلها، تحمل «داليا منسى»، الإخصائية الاجتماعية بإحدى الجمعيات الأهلية، بطاقة انتخابية منذ أن كانت طالبة، وهى تعتز جدا بأنها استخدمتها أكثر من مرة فى التصويت. إحدى المرات التى استخدمت فيها داليا هذه البطاقة، كانت فى الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور التى تحدد شروط الترشح للرئاسة. وقتها صوتت داليا ب«نعم»، لكنها الآن أصبحت ضد هذا التعديل بعد أن فهمت الآثار البعيدة له. على أى حال تقول داليا التى نشأت بين أب وأم يحملان هذه البطاقة أيضا ويدركان قيمتها: «ده حق من حقوقنا، زى التعليم والصحة والماء والهواء، والأسرة ووعيها أكيد بيلعب دور فى إدارك أهمية هذا الحق». تدرك داليا أيضا احتمال أن يكون هناك «تزوير وتبديل للصناديق»، وأحيانا كانت تجد «أصوات الناخبين ملقاة فى البحر». لكن ذلك بالنسبة لها ليس مبررا لعدم ذهابها للإنتخابات وإدلائها بصوتها، «لأن كل واحد لازم يعمل إللى عليه». إلا أن داليا تقترح أنه فى نفس الوقت، الذى يجب أن يحرص فيه الناخبون على استخراج البطاقات الانتخابية والذهاب للإدلاء بأصواتهم، لابد أن تكون هناك جهود تبذل لضمان نزاهة الانتخابات.