«كل يوم فيه تعديل، ومن كثر المسودات بقيت أكتب التاريخ على كل نسخة جديدة». عبارة أطلقها د. سعيد راتب رئيس هيئة التأمين الصحى، للتدليل على أن كل ما يقال عن مشروع قانون التأمين الصحى الجديد لا أساس له من الصحة، وأن الأمر لم يحسم بعد فى اتجاه نص نهائى. المناقشات الساخنة بين الأحزاب وممثلى الجهات الحكومية، هددت أكثر من مرة بإلغاء ورشة العمل التى نظمتها كلية السياسة والاقتصاد الأحد الماضى تحت عنوان «رؤية الأحزاب السياسية لقانون التأمين الصحى الجديد». التصادم بدأ مع إعلان أن كل المسودات التى نشرتها الصحف وتناقشها مختلف الهيئات بالمجتمع «تسريبات بعيدة مشروع القانون النهائى»، وأن كل النقاط محل الجدل لم يتم الاتفاق على صورتها النهائية، ورد ممثلو المعارضة بعاصفة استنكارية على ما قاله راتب، همهمات لثوان، ثم ارتفعت الأصوات وتداخلت لدقائق، حمل خلالها راتب أوراقه استعدادا للرحيل، وهو نفس الموقف الذى أقدم عليه بعض المعارضين، ممن اتحدت وجهات نظرهم فى ظل إحساس متصاعد بوجود مؤامرة حكومية. «القانون اتعرض على مجلس الدولة، انتوا عاوزينا ننام ونصحى نلاقى القانون اتوافق عليه»، أو «لما مشروع القانون لسه مطلعش، طب جاى تناقش معانا ايه؟». المعارضون أرادوها جلسة استجوابية وردود واضحة حول بنود القانون، ومع تصريح راتب أصبح الأمر أكثر غموضا، «انتوا بتستهلكوا طاقة الأحزاب فى الكلام، وفى الآخر تقولوا كلامكم مالوش أساس»، أحد أعضاء حزب التجمع. المخاوف كان محورها احتمال الموافقة على القانون دون تشاور مع الأحزاب، بعد تاريخ طويل من انعدام الثقة فى الحكومة، «من امتى الحكومة كانت صريحة وبتعمل لمصلحة الشعب؟»، يتساءل أحد الحضور الذى أصر أن انتماءه الحزبى لن يصنع فارقا فى وجهة نظره، فما يقوله من المسلمات. فى محاولة للتهدئة قال د. حمدى السيد نقيب الأطباء إن الوضع هذه المرة يتيح قدرا أكبر من الثقة فى الحكومة، «فالمشروع هو مطلب شعبى». رد فعل الأحزاب كان بعيدا عن الهدوء «مين قال إن ده مطلب شعبى، سألتوا الناس؟». الرد استفز نقيب الأطباء الذى قال دون تردد: آه الحزب الوطنى اللى انتخبتوه واللى يمثل الأغلبية الشعبية هو اللى طلعه، يبقى مطلب شعبى. وجهة نظر د. حمدى أن تعطيل المشروع الجديد ليس من الذكاء السياسى، فالقانون الجديد من وجهة نظره فرصة حقيقية للشعب ليحيا من جديد، «حرام عليكم انتم عاوزين تقعدوا سنين تناقشوا وتتكلموا؟ بقى لنا خمس سنين ولسه القانون مطلعش». أشار نقيب الأطباء إلى أن بداية مشروع التأمين الصحى الشامل، أطلقه الرئيس ضمن البرنامج الانتخابى أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة، واعدا أنه بحلول 2010 سيؤمن على جميع المواطنين فى غضون خمس سنوات، هذه النقطة تحديدا علق عليها سمير فياض رئيس هيئة التأمين الصحى سابقا، «عندما قال مبارك خمس سنوات أشفقت عليه، وها نحن مازلنا نتناقش فى القانون». كان فياض قد وضع مشروعا مشابها ولكنه حدد 15 عاما كمدة زمنية لتنفيذه. استحوذ د. سمير فياض على الوقت الأكبر فى عرض وجهة نظر حزب التجمع، ورغم تأييد من معظم الأحزاب باستمرار كلام رئيس هيئة التأمين السابق، الذى ركز كلامه على تخفيف العبء المادى على فئات الشعب، «فيه 10% من الشعب معاهم 27% من فلوس الدولة، احنا موافقين بس كل واحد يدفع على قد الفلوس اللى معاه». ضيق الوقت الذى تم استنزافه فى المشاحنات بداية لأزمة جديدة، كان سببا لأزمة وشيكة، فى ظل تنافس بعض الأحزاب لعرض وجهة نظرها كاملة، فتبعا لحزب الجبهة الديمقراطية، «فيه أحزاب أخذت أكثر من وقتها، لو عاوزين تعرفوا وجهة نظرنا ما تجمعوناش كلنا مع بعض». وقال د. عبدالحميد أباظة وكيل وزارة الصحة للاتصال السياسى ل«الشروق» إن المسودات التى تم نشرها «أولية»، فالنقاط صحيحة ولكنها بعيدة عن التعديلات الأخيرة، «لو عرفوا التعديلات الجدل ده هايختفى». أباظة الذى رفض التصريح بأى تفاصيل حول التعديلات قال إن المشروع الأساسى سوف يخرج للنور بعد ثلاثة أسابيع، فى 40 مادة وسوف يتم عرضه على كل الأحزاب والنقابات والغرف التجارية، «القانون كبير وخطير، المهم إن الكل يقتنع، ومش بعد سنتين نضطر نعدل».