على أرض مصر كثير من الأبنية التي تعبر عن العراقة والتاريخ، وشكّلت من خلال أساليبها الفنية المختلفة متحفا مفتوحا يمكنك من خلاله التعرف على الطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية. وفي سلسلة من الحلقات المستمرة خلال شهر رمضان، نغوص في عالم من الفنون تَشكّل على أرض مصر، نتعرف على طرزها المعمارية وقصص نشأتها، ونستكشف عوالمها الفنية البديعة، في رحلة عبر التاريخ، من خلال كتاب "قصور مصر"، للكاتبة سهير عبدالحميد. تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: "قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون، وظلت تحمل شيئا من توقيعه لا يزال محفورا في ومضة هنا وأخرى هناك". قصر ديجليون.. تقلبات وحرائق ولكنه ما زال باقيا نعود من الإسكندرية التي ذهبنا إليها في رحلة سريعة الحلقة السابقة، إلى وسط القاهرة -وسط البلد- المكان الذي تمتليء واجهة محلاته وعماراته بالنقوش والمنحوتات الصغيرة، ليذكرنا بعقود مضت وفنون كانت تحتل كل ركن في حياة المجتمع المصري، ونستقر في شارع شريف حيث يوجد بنك الإسكندرية، قصر ديجليون سابقا. يوجد قصر اللورد ديجليون بواجهته ذات الزخارف الإسلامية، التي ما زالت تحمل لافتة باسم بنك الإسكندرية، الذي اتخذ مقرا له لفترة طويلة، في 27 شارع شريف (المدابغ سابقا) وسط مدينة القاهرة الخديوية. تاريخ إنشاء القصر يعود إلى 1894، كما تشير السجلات التاريخية، ومسجل أنه الملك رقم 22 باسم جناب البارون ديجليون حماية فرنسية. أنشأ البارون ديجليون هذا القصر وقد آلت ملكيته إلى أحد تجار العاديات ويدعى "يوسف"، وقد هاجر إلى إسرائيل عام 1948، وتحول مقر القصر إلى بنك الإسكندرية الذي ظل به حتى منتصف التسعينيات، حيث سُجل في عداد الآثار الإسلامية، الذي ينص على أن "هذا المبنى بُني على طراز الباروك والروكوكو، كما تبدو عليه التأثيرات واللمسات الإسلامية من الأطباق النجمية والزخارف النباتية كبيرة الحجم". يتكون القصر من طابقين أسفلهما بدروم، الأول منهما كان مخصصا لغرف الاستقبال، والثاني للمعيشة، وتعرض المكان لحادثي حرق أضرا كثيرا بتكويناته وزخارفه، إلا أن واجهته التي بنيت على الطراز الإسلامي ما زالت تحتفظ بتفاصيلها، وكما أن اللوحة التذكارية التي وضعها اللورد في دهليز صغير في القصر لم تحترق، وإلى جوارها شعار يشبه الشعارات التي كانت معتادة في العصر المملوكي، وتعبر عن رمز يدل على صفة صاحب المنزل، والشعار الموجود ل"أسد". عاش البارون ألفنس دلور ديجليون (1843 -1899)، وهو في الأصل مهندس مناجم، واستقر في القاهرة عام 1869، ليتابع أعمال عمه جون أنطوان كوردييه، الذي كان قد أنشأ شركة توزيع المياه على أحياء القاهرة. كان ديجليون شغوف بفنون العمارة والفنون الإسلامية، هاويا لجمع التحف الإسلامية، وقام بتصميم القصر المعماري الفرنسي بودري، وهو من أهم المعماريين الأوروبيين المعروفين باهتمامهم بتطبيق الطراز الإسلامي في أعمال العمارة، وارتبط اسمه ب3 مباني مهمة تعبر عن الروح الإسلامية الفنية، (فيلا الكونت سان موريس، والمنزل الخاص ببودري، ومنزل البارون ديجليون بالشواربي). وعن طراز الركوكو في فن العمارة، فقد عرف وتميز بالزخارف ذات الخطوط اللولبية والمنحنيات المحاكية لأشكال القواقع والمحار والأصداف، ويعتبر فن أرستقراطي فيه إفراط في الشغف بالأناقة أسلوبا وموضوعا، وتشير كلمة "روكوكو" الفرنسية إلى كلمتين، الأولى إيطالية وهي "باروك"، وتعني "اللؤلؤة غير منتظمة الاستدارة"، والثانية فرنسية "روكاي" وتعني "نوع من الزخرفة والتزيين" المستخدمة آنذاك في الحدائق وداخل المنازل، وفق ما ذُكِر في كتاب "فنون عصر النهضة". اقرأ أيضا: أماكن وطرز معمارية (4).. قصر أنطونيادس.. قطعة من باريس في الإسكندرية