"عزيزي، أنا على يقين بأنني سأُجن، ولا أظن بأننا قادرين على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، لقد بدأت أسمع أصواتا وفقدت قدرتي على التركيز. لذا، سأفعل ما أراه مناسبا"، كان هذه الكلمات افتتاحية رسالة تركتها الكاتبة والروائية البريطانية فرجينيا وولف، بعد انتحارها إثر وفاة صديقها وتدمير منزلها خلال الحرب العالمية الثانية. وتمر اليوم ذكرى رحيل فرجينيا وولف، إذ رحلت عن عالمنا في 28 مارس 1941، وتعتبر من أيقونات الأدب الحديث للقرن العشرين ومن أوائل من استخدم تيار الوعي كطريقة للسرد، كما اشتهرت أيضًا في مجال كتابة المقالات؛ مثل "غرفة تخص المرء وحده". تُعد وولف، من كتاب القصة المؤثرين، وكانت روايتها الأولى ذات طابع تقليدي مثل رواية «الليل والنهار» 1919، واتخذت فيما بعد المنهج المعروف بمجرى الوعي أو تيار الشعور، كما في «غرفة يعقوب» 1922، و«السيدة دالواي» 1925 و«إلى المنارة» 1927، و«الأمواج» 1931، ولها روايات أخرى ذات طابع تعبيري، منها رواية «أورلاندو» 1928 و«الأعوام» 1937، و«بين الفصول» 1941، اشتغلت بالنقد، ومن كتبها النقدية «القارئ العادي» 1925، و«موت الفراشة ومقالات أخرى» 1943. - النشأة ولدت فيرجينيا في عائلة غنية جنوب كنزنجتون، بلندن، وكانت الطفلة السابعة ضمن عائلة مدمجة من أصل ثمانية أطفال.كان الذكور في العائلة يتلقون تعليمهم في الجامعة، بينما تتلقى الفتيات تعليمهن منزليا في مجال الأدب الإنجليزي والأدب الفيكتوري. من الأمور التي أثرت في حياة فيرجينيا بشكل كبير كان المنزل الصيفي الذي استخدمته العائلة في سانت إيفيس كورنوال، حيث رأت لأول مرة منارة Godrevy والتي أصبحت فيما بعد أهم رموز روايتها إلى المنارة (1927). - مسيرتها الأدبية تُعتبر وولف واحدة من أهم روائيي القرن العشرين، وهي من الحداثيين، كانت واحدة من الرواد الذين استخدموا أسلوب سيل الوعي كأداة سردية، إلى جانب معاصرين، مثل: مارسيل بروست، ودوروثي ريتشاردسون، وجيمس جويس. استمرت وولف في نشر الروايات والمقالات باعتبارها مفكرة عامة تحظى بالانتقاد والإشادة الشعبية على حد سواء. كانت معظم أعمالها منشورة ذاتيًا من خلال مطبعة هوجارث. «كانت ميول فرجينيا وولف باعتبارها كاتبة روائية تميل إلى إخفاء أماكن القوة المحورية داخلها: فهي بلا شك رائدة الرواية الغنائية باللغة الإنجليزية. رواياتها تجريبية إلى حد كبير: كثيرًا ما تكون الرواية هادئة ومألوفة، تنعكس -وفي بعض الأحيان تكاد تنحل- في الوعي المنفتح للشخصيات. تنصهر كلمات الأغاني البليغة والبراعة الإنشائية معًا لخلق عالم زاخر بالانطباعات السمعية والبصرية». «إن بلاغة فرجينيا وولف الشعرية ترتقي عن المألوف والمبتذل في بعض الأحيان في معظم رواياتها». - أعمال متميزة تركت فيريجينيا وولف رصيدا ثريًا من الأعمال الأدبية المتفردة من بينها: الرحلة من أصل (1915)، الليل والنهار (1919)، غرفة جاكوب (1922)، السيدة دالواي(1925)، إلى المنارة (1927)، أورلاندو (1928)، الأمواج (1931)، السنوات (1937)، بين الأعمال (1941)، بيت تسكنه الاشباح (1944)، مجموعة قصص قصيرة نُشرت بعد وفاتها، تضم ثماني عشرة قصة قصيرة. - تأثيرها الأدبي واشتهرت فرجينيا وولف بمساهماتها في أدب القرن العشرين وبمقالاتها، فضلا عن تأثيرها على الأدب، وخاصة النقد النسوي، وقد أقر عدد من المؤلفين أن أعمالهم تأثرت بفيرجينيا وولف، بما في ذلك مارجريت أتوود، مايكل كانينجهام، جبريال جارسيا ماركيز، وتوني موريسون. يتم التعرف عليها فورا بمجرد النظر لصورتها الرمزية التي تتواجد أعلى الصفحة وهي لوحة بورتريه رسمها الفنان جورج بيريزفورد لوولف حينما كانت في العشرينات من العمر. أعمال وولف، يتم دراستها في كل أنحاء العالم، وتتواجد منظمات تحمل مسمى جمعية فيرجينيا وولف، ومجتمع فيرجينيا وولف الياباني. تكريما لوولف أُنشئت صناديق ائتمان مثل صندوق Asham لتشجيع الكُتاب. ورغم عدم وجود أي أحفاد لوولف؛ فإن عددا من أفراد عائلتها الممتدة ذوي شهرة. - محطة الوداع بعد أن أنهت روايتها "بين الأعمال"، والتي نُشرت بعد وفاتها، أصيبت فيرجينيا بحالة اكتئاب، وزادت حالتها سوءا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتدمير منزلها في لندن، والاستقبال البارد الذي حظيت به السيرة الذاتية التي كتبتها لصديقها الراحل روجر فراي حتى أصبحت عاجزة عن الكتابة. وفي 28 مارس 1941 ارتدت فيرجينيا معطفها وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في نهر أوس القريب من منزلها، ووجدت جثتها في 18 أبريل 1941 ودفن زوجها رفاتها تحت علم في حديقة مونكس هاوس في رودميل ساسيكس. وفي رسالة انتحارها كتبت لزوجها: "عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرين على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما ولا أظن بأنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتا وفقدت قدرتي على التركيز. لذا، سأفعل ما أراه مناسبا. لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سوية، إلى أن حلَّ بي هذا المرض الفظيع". واستطردت: "لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنني أفسد حياتك وبدوني ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ. جل ما أريد قوله هو أنني أدين لك بسعادتي. لقد كنت جيدا لي وصبورا علي. والجميع يعلم ذلك. لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت. فقدت كل شيء عدا يقيني بأنك شخص جيد. لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحد شعر بالسعادة كما شعرنا بها".