بعد وصلة غناء للمطرب وعازف العود اللبنانى، زياد سحاب فى مطعم «وليمة وردة» بحى الحمرا، غنى فيها أغنيات سيد درويش والكثير من أغنيات التراث المصرى واللبنانى رقص على إيقاعاتها الشباب البيروتى «المودرن»، تحول سحاب إلى وصلة أخرى ارتفعت معها حرارة المكان عندما غنى «خلى السلاح صاحى» و«احلف بسماها» لعبدالحليم حافظ، ليزداد تجاوب الشباب العشرينى الموجود فى المكان مع الأغنيات. هذا المشهد الذى لا يمكن أن يحدث سوى فى لبنان. وعلى بعد عدة كيلومترات من «وليمة وردة» وهو أحد الأماكن المفضلة للمثقفين اللبنانيين الشباب القريبين من اليسار كانت فنادق بيروت تستضيف أكثر من 3000 شخص جاءوا من مختلف أرجاء العالم للمشاركة فى أكبر تجمع من نوعه لدعم المقاومة. فهنا، فى «الملتقى العربى الدولى لدعم المقاومة» التقت رموز ثالوث المقاومة اللبنانية الفلسطينية العراقية، الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل، ورئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق حارث الضارى، مع مئات من المفكرين والسياسيين والنشطاء العرب والدوليين من أمريكا إلى آسيا، أمثال النائب البريطانى جورج جالاوى، والمفكر الفلسطينى منير شفيق، والمناضلة الفلسطينية ليلى خالد، والمحامى الأمريكى رامزى كلارك، وبرلمانيين وممثلى مؤسسات وجمعيات وإعلاميين من مصر، والعراق، والسودان، والمغرب، وتركيا، وإسبانيا، والسويد، والدانمارك، وباكستان، وبلجيكا، وكوبا وإيران ضمن آخرين. هذا المشهد لا يمكن أن يكتمل، بكل تفاصيله السياسية الحساسة والمعقدة، سوى فى لبنان، كما يقول منظمو الملتقى الذى انعقد فى بيروت منتصف يناير الحالى. فهنا فقط، من الممكن إطلاق رسالة سياسية واضحة دعما للمقاومة المسلحة التى تتحدى الاحتلال الإسرائيلى المدعوم أمريكيا، حيث لايزال البلد فى حالة عداء «رسمى» على الأقل، مع تل أبيب، وتختلط صور الشهداء الممتدة من بيروت إلى جنوب لبنان مع لوحات الإعلانات التى تحمل فتيات جميلات. لهذا كان من الطبيعى أن تتيسر الترتيبات، المليئة بالمفارقات لأن يستضيف قصر «اليونسكو» فى وسط بيروت افتتاح الملتقى يوم 15 يناير بحضور عربى ودولى وطائفى، حيث خفتت الإضاءة بعد الثالثة ظهرا بقليل، ونزلت شاشة عرض ضخمة، طل منها حسن نصرالله، ليعلن فى بث «مباشر» من موقعه (السرى لأسباب أمنية) أمام الحضور المنبهر ترحيبه بهذا الجمع فى «بيروت عاصمة الثقافة والمقاومة». وفى كلامه خلص إلى أن إسرائيل «تعيش الآن مازا حقيقيا، هى تتحدث عنه» و«أزمة ثقة فى المستقبل»، تحاول أن تواجه ذلك ب«قرع طبول الحرب» وإرسال تهديدات إلى لبنان وسوريا وإيران «لا تخيف الا الجبناء». إلا أنها، حسب نصرالله «تحسب للمواجهة المباشرة ألف حساب» وهو التحول المهم الذى حدث فى تاريخ إسرائيل منذ إعلانها عام 1948. انتهى نصرالله، وعلا التصفيق الذى اختلط بالتهليل والدموع، والهتاف بلهجات مصرية، سودانية، فلسطينية ومغربية ل«سيد المقاومة»: «شعارنا مقاومة، لا صلح لا مساومة». لكن كل ذلك لا ينفى أهمية طرح السؤال المكرر عن جدوى المؤتمر، عمليا؟ ومن يخاطب؟ حسب معن بشور، رئيس المركز العربى الدولى للتواصل، العقل المدبر للملتقى، الإجابة بسيطة: «بين المؤمنين بالمقاومة، يجب أن يبقى حوار». قال ل«الشروق»: «حرصنا أن يلتقى كل المقاومين فى الأمة من كل الأطياف والاتجاهات. وليس مشهدا بسيطا أن يرى أبناء الأمة ومعهم أحرار العرب، المقاومات الثلاث الفلسطينية واللبنانية والعراقية على منبر واحد كما كان فى الافتتاح، وهذا تطور لمن يعرف طبيعة العلاقات فى سنوات سابقة». ويضيف أنه من المهم جدا أن يعلم المقاومون للاحتلال فى الأمة العربية أنهم «ليسوا وحدهم» وان هذه المقاومة «موقع تأييد كبير من قطاعات واسعة من العرب والمسلمين وغير العرب والمسلمين». ولأن المقاومة باتت تسوق فى الإعلام الرسمى العربى بشكل عام على إنها «ثقافة ضد الحياة»، أو أنها مقاومة «فئة» تضر بشعوبها أو مقاومة «دين» ما، كما يقول بشور، أراد الملتقى بحضوره الضخم المتنوع أن يثبت أن «المقاومة هى موضع اهتمام مناضلين وشخصيات من كل الأديان والأعراق وكل الثقافات. وانها ليست فقط عربية أو إسلامية، هى نداء إنسانى». لهذا، جاءت شخصيات من جميع قارات العالم، فى حضور دولى غير مسبوق على هذا المستوى.