محافظ شمال سيناء يفتتح سوق اليوم الواحد بالعريش    المنشاوي يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويشيد بجهود الدولة في دعم منظومتها    ملك البحرين يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة يوليو المجيدة    التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة: نستهدف تجاوز ال11 مليار دولار صادرات في 2025    ارتفاع جديد في أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 23-7-2025 بالفيوم    وزير قطاع الأعمال يبحث مع رئيس هيئة الشراء الموحد تعزيز التعاون في الأدوية    ضمن حياة كريمة.. محافظ المنوفية يفتتح 4 محطات صرف صحي بقرى الشهداء    وزيرة التخطيط تلتقي ممثلي شركة ميريديام للاستثمار في البنية التحتية لبحث موقف استثمارات الشركة بقطاع الطاقة المتجددة    البورصة المصرية تخسر 12.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق تعلن نتائجها النهائية في أحداث الساحل السوري    زيلينسكي يعرض مجددا لقاء بوتين: نريد إنهاء الحرب    براعم المقاولون العرب تبدأ الإعداد للموسم الرياضي الجديد    انتظام محمد السيد في معسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    حبس ربة منزل بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب والنصب على المواطنين في المرج    فى ضربة قاضية لتعليم الانقلاب …أولياء الأمور برفضون الحاق أبنائهم بنظام البكالوريا    حملات مكثفة على مخابز الوادي الجديد ومتابعة تطبيق مبادرة حقك بالميزان    وزير التعليم العالي يعلن جوائز الدولة لعام 2024    محمد ممدوح ضيف معتز التوني برنامج "فضفضت أوى".. غدًا    مستشفيات عين شمس والنيل للطيران يوقعان بروتوكولا لدعم أطفال زراعة النخاع    بمشاركة رجال الشرطة.. حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن أسيوط    كريم نيدفيد لميركاتو : الإصابة وزحمة نص الملعب عرقلت مشواري مع الأهلي..تريزيجيه رجع بدري وزيزو انهى مقولة المستحيل في الكرة    «هو لازم تبقى لوغاريتمات».. شوبير ينتقد الزمالك بسبب عرضي دونجا وصبحي    التربية والتعليم تعلن فتح باب التقدم الكترونيا لمدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا "STEM"    افتتاح نموذج مصغر للمتحف المصري الكبير بالجامعة الألمانية في برلين (صور)    يضم 24 مدرسة، قيادات الأزهر يفتتحون المقر الرسمي لأكاديمية «مواهب وقدرات» للوافدين    وسائل إعلام سورية عن مصدر أمني: اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء يجري تطبيقه في معظم المناطق بلا خروقات    تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي.. مؤشرات الحد الأدنى للقبول بالجامعات    فيلم الشاطر ل أمير كرارة يحصد 22.2 مليون جنيه خلال 6 أيام عرض    تنطلق اليوم.. قصور الثقافة بجنوب سيناء تحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو بعروض فنية متنوعة    أحمد عصام عن «كتالوج»: «كنّا أسرة مع بعضينا ووليد الحلفاوي شغل الكاميرا» (فيديو)    خاص| دنيا سامي: نفسي أعمل "أكشن كوميدي".. ومبسوطة بنجاح مصطفى غريب    ظاهرة ألبومات ال15 أغنية .. مغامرة فنية فى زمن ال «السينجل»    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    هل يجوز المسح على الكم بدلًا من غسل اليدين في الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    لقاءات توعوية بجنوب سيناء لنشر الوعي المجتمعي والسياسي    «قصة كفاح وهتاف تاريخي وإنجاز إعجاز».. شوبير يستعرض تاريخ حسن شحاتة    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 8 ملايين خدمة طبية مجانية خلال 6 أيام    استخراج جثامين طفلين من الأشقاء المتوفين في دلجا بالمنيا    ضبط شخص لإدارته كيانا تعليميا دون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين بالجيزة    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق أسيوط الغربي    طقس السعودية اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025.. أجواء شديدة الحرارة    اجتماع طارئ بجامعة الدول العربية لبحث الوضع الكارثي في غزة    لجنة فنية من قطاع النقل البحري تواصل أعمالها بموانئ جنوب سيناء    موعد مباراة المغرب وغانا في نصف نهائي أمم إفريقيا للسيدات والقناة الناقلة    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    الصحة تكشف حقيقة نقص الأنسولين داخل مستشفيات التأمين الصحي    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل 3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: الإيذاء للغير باب خلفي للحرمان من الجنة ولو كان الظاهر عبادة    «أونروا»: سكان غزة يصابون بالإغماء من شدة الجوع    مسجلة 3.9 مليار دولار.. 194% ارتفاعا في صادرات الذهب بالنصف الأول من 2025    «الصحة» تبحث التعاون في الذكاء الاصطناعي مع شركة عالمية    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى الرئيس النيجيري    وزير خارجية فرنسا: ما يحدث في غزة فضيحة.. ولا مبرر لعمليات إسرائيل العسكرية    العش: معسكر تونس مفيد.. ونتطلع لموسم قوي مع الأهلي    «حرب الجبالي» الحلقة 43 تتصدر التريند.. أسرار تنكشف وصراعات تشتعل    «أزمات في أوضة اللبس؟».. رد صريح من نجم الأهلي    من الهند إلى أوروبا.. خطة سرية كبرى بين نتنياهو وترامب لليوم التالي بعد إنهاء الحرب في غزة    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكذوبة التنمية برأسمال أجنبى
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2010

تعانى الدول محدودة الدخل من عدم القدرة على تدبير مدخرات تكفى لتمويل الاستثمارات اللازمة للتوسع فى إنتاج ما يلزم لإشباع حاجات شعوبها ورفع مستوى معيشتهم. وفى نفس الوقت قد تجابه برءوس أموال تتدفق من خارجها على استثمارات فى مجالات لم تكن تمثل لها حاجة ملحة، ولكنها ذات أهمية خاصة لدى المستثمرين.
من تلك المجالات القطاعات الأولية، زراعية أو منجمية، تهم أصحاب رءوس الأموال، فترضى بها على أمل أن تصدر منتجاتها للحصول على نقد أجنبى يمكنها من شراء مواد ضرورية للحياة. فى هذا النطاق أنفقت بريطانيا على بحوث القطن المصرى لتغذى به مصانعها، فارتبطت مصالح الإقطاع المصرى والخاصة الملكية بمصالحها فأصبحا عونا لها على بسط «حمايتها» على أرض الكنانة.
وتسابقت ولاتزال الاستثمارات على البترول العربى وفق شروط تمكنها من نهب عائداتها، وضمان استمرار تدفقه فى شرايين الاقتصادات التى انطلقت منها بدراهم معدودة لتعود فتستردها ثمنا لمنتجات تصدرها إلى الدول المنتجة للبترول.
وتجنى من ذلك أربعة منافع: (أ) الحصول على طاقة رخيصة تدفع بها عجلة النمو لديها دون أن تحدث نشاطا إنتاجيا حقيقيا فى اقتصادات الدول المنتجة للبترول، (ب) وتشغيل مصانعها وتوظيف عمالها فيما تصدره إلى هذه الدول من سلع صناعية تغالى فى أسعارها، (ج) واسترداد باقى ما دفعته ثمنا للبترول من خلال ما تصدره لها وهو أساسا استهلاكى بذخى، (د) فإذا بقى منه شىء فهناك مؤسساتها المالية تتفنن فى امتصاصه فى استثمارات مالية. وتصبح هذه الأموال رهينة لديها، عرضة للتجميد لأسباب سياسية تصطنعها، أو التآكل بسبب التضخم المتوالى لديها، أو للذهاب أدراج الرياح ضحية للأزمات التى تعتبر من أركان النظام الرأسمالى العالمى.
وعندما انتزعت المستعمرات استقلالها عقب الحرب العالمية الثانية، وجدت أن اقتصاداتها تم هيكلتها بحيث توفر مواد أولية رخيصة للدول الصناعية التى استعمرتها وتشكل أسواقا لمنتجاتها المصنعة، بدعوى أن هذا يفرضه تخصص كل من الطرفين فيما له ميزة نسبية فيه.
وتحت ستار قوانين السوق، استخدمت آلية التضخم المتوالى للمبالغة فى أسعار المنتجات الصناعية، وآلية الركود لخفض الأسعار النسبية للمواد الأولية. وترتب على ذلك تزايد فى عجز موازين مدفوعات الدول الفقيرة، حد من قدرتها على تنمية اقتصاداتها بالقدر الكافى لتعويض ما فاتها فى ظل الاستعمار. فكان لا بد من تولى حكوماتها زمام الأمور فى قضية التنمية، وأن تدبر الموارد المالية الشحيحة، خاصة ما هو بالعملات الأجنبية، عن طريق قروض تقدم الدول الصناعية جانبا منها، فتعود عليها ثمنا لمعدات رأسمالية ومستلزمات إنتاج وخبرات فنية منها، وتبقى القروض دينا يرد مع فوائد عليه، فيقتطع من حصيلة تصدير كان يفترض فيها أن تلبى حاجات ملحة للتنمية.
ومن البديهى أن الدول المقرضة لم تكن تقبل تمويل تنمية ذات شأن، وهى تفرض من خلال الحاجة لأموالها شروطها السياسية رغم تكرار مطالبة الأمم المتحدة بعدم اللجوء لهذا الأسلوب.. وقصة السد العالى الذى نحتفل بعيده الخمسينى هذه الأيام تغنى عن البيان. وتكتشف الدول النامية أن الفوائد على ديونها تستنزف الزيادة التى كانت تطمع حدوثها فى دخلها القومى، فإذا استردادات القروض السابقة تفوق تدفقات القروض اللاحقة، وتتحول الدول النامية إلى مصدرة للمال إلى الدول المتقدمة. وبحجة مكافحة التضخم، رفعت أسعار الفائدة أضعافا مضاعفة، فإذا المديونية توقف التنمية فى الثمانينيات، وتحاصر دولا أفريقية حتى الآن معرضة إياها للفناء.
ومع زوال المعسكر الاشتراكى فى التسعينيات، انطلقت الليبرالية المحدثة من عقالها مدعية أن الأفضل للدول النامية أن تحصل على استثمار أجنبى مباشر ليأتى بالمال والمعرفة معا.
فى نفس الوقت فإن إنشاء أسواق لرأس المال يسمح لمن لديهم مدخرات (أو ما يطلق عليهم مستثمرين) بأن يشتروا بها أوراقا مالية وهو ما يتيح لأصحابها الحصول على أموال بعملات أجنبية يمكنهم توجيهها لمشروعات (استثمارات عينية) جديدة. وقد أثبتت تجارب دول عديدة، بما فى ذلك دول جنوب شرق آسيا قبل عشر سنوات، أن الأموال التى تأتى عن هذا الطريق يغلب عليها طابع المضاربة بشراء ما تتوقع ارتفاع ثمنه فى وقت قصير، وتنتقل من مكان لآخر وراء الربح الأعلى، ولذلك فهى «أموال ساخنة». وهى تفر عند أول بادرة بالخسارة تاركة ضحاياها المحليين يواجهون الإفلاس. وقد شاهدنا مؤخرا نماذج من هذا النوع فى البورصة المصرية، والبورصات العربية والعالمية. ويقدر ما أضاعه العرب نتيجة الأزمة العالمية الأخيرة بمبلغ 2.5 تريليون دولار، أى ما يقارب ضعف دخلهم القونى، بواقع 8000 دولار لكل فرد عربى.
ومع انتشار عمليات الخصخصة سنحت فرص لرأس المال الأجنبى للاستحواذ على منشآت قائمة فعلا، لا تمثل استثمارا جديدا، ولكنها تستولى على أصول عينية قائمة بدعوى أنها قادرة على إحسان إدارتها، إذا ما تيقنت من أنها لن تكون معرضة للتأميم، ومن الاستعداد لتنفيذ مطالبها بشأن تطوير الإدارة. من جهة أخرى فإن الاستثمار المباشر يفترض فيه أن ينشئ مشروعات جديدة، إما لعدم توفر رأسمال نقدى محلى، أو لأنها تحتاج إلى معرفة تقنية غير متاحة، ويؤدى جلبها إلى تعزيز القدرة التنافسية لمنتجاتها فى الأسواق المحلية والخارجية. وحتى يفيد هذا الاستثمار ويقبل الاستمرار فى ممارسة نشاطه الإنتاجى، يجب أن يتوفر ما يسمى المناخ الملائم للاستثمار، وأول بنوده حرية حركة القطاع الخاص، وتوفر البنية الأساسية المناسبة التى تزوده بالمرافق المطلوبة لعمليات الإنتاج والتسويق. وهو إما للانتفاع بمواد أولية متاحة محليا بأسعار متدنية، أو لجعل نشاطه معتمدا على مستلزمات يتحكم فى مصادرها فى الخارج، حتى ولو كان لها مثيل محلى. وأهم من ذلك أنه يأخذ فى اعتباره انخفاض أجور العمال المحليين وما قد تمنحه الدولة من حوافز ضريبية، مما يجعله لا يدقق فى خفض التكاليف الأخرى إلا بالقدر الذى يترك له ربحا مجزيا، يفوق ما يحصل عليه فى دولة منشأة أو فى مكان آخر. ومن ثم فهو يتأكد من حرية تحويل أرباحه للخارج مسترجعا بذلك جانبا مما أدخله من نقد أجنبى، سرعان ما يتجاوز فى مجموعه ما أتى به من هذا النقد، ويظل دائنا للدولة بكامل حقوق المساهمين، التى قد تكون قد تضاعفت أثناء تطور نشاطه. فلو قدر صافى ما يحوله رأس المال الأجنبى من أرباح بما يوازى 10% من قيمته، فإن معنى ذلك أنه يستعيد قيمة رأس المال بالكامل فى عشر سنوات، وهو ما يعنى أن ما يخرج من الدولة بعدها يعادل ما يدخلها، وبعد ذلك يفوق ما يخرج من الدولة من نقد أجنبى ما يدخل إليها منه.
وتشهد بذلك تجربة البرازيل التى كان يضرب بها المثل بالانفتاح أمام الاستثمار الأجنبى، فوجدت نفسها فى النهاية غارقة فى ديون لسداد متطلبات المستثمرين الأجانب. وكانت من الدول التى تفجرت فيها أزمة المديونية فى أوائل الثمانينيات.
ويثير هذا أمورا عدة: هل يفد رأس المال الأجنبى فى مجالات تتفق مع أولويات التنمية القومية، أم يسيطر على النشاطات التى توجه التنمية والتى تتميز بتعقد محتواها التكنولوجى، ويترك لرأس المال المحلى مجالات غير مربحة؟ هل يمتلك أصولا محلية، وبخاصة الأراضى، ليدخل مضاربا فى سوق العقارات؟ هل هو حقا جاد فى تعزيز القدرة التصديرية وليس مجرد طامع فى السوق المحلية الواسعة؟ هل يراعى متطلبات استقرار نشاط التشييد، أم يبذر فى تكاليف الإنشاءات ملهبا سوقى الحديد والإسمنت لترتفع تكاليف الاستثمار المحلى والإسكان؟ هل وضعت معدلات وفود رأس المال فى إطار منظور زمنى يكفى لوقوف الاقتصاد الوطنى على قدميه، وإنهاء الاعتماد عليه؟
هل لدى السيد وزير الاستثمار إجابة يتسع وقته بين جولاته المتتالية لإعدادها؟ وهل السيد وزير التنمية الاقتصادية معنى بالأمر أصلا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.