غادة زين العابدين تكتب: اقتراح لقانون الإيجار القديم    مكتب نتنياهو: ملتزمون بإعادة جميع الأسرى الأحياء والقتلى على حد سواء    ترامب يتوجه إلى السعودية في أول زيارة خارجية له خلال ولايته الثانية    «رجال يد الأهلي» يتقدم على الزمالك في الشوط الأول في نصف نهائي السوبر الإفريقي    نقاش مثمر بين وزيرا الثقافة والخارجية لتعزيزالأنشطة الثقافية في الخارج    سامح حسين: زوجتي عارفة كل عيوبي ومبتستخدمهاش ضدي (فيديو)    نادية الجندي تخطف الأنظار بإطلالة شبابية جديدة | صورة    مصرع شاب دهسه لودر في حادث سير بالوادي الجديد    الداخلية تكشف ملابسات ضبط البلوجر أم رودينا ووالدتها    البورصات الأوروبية تغلق على ارتفاع بعد اتفاق خفض الرسوم بين أمريكا والصين    مفتي الجمهورية: الأزهر الشّريف مصدر رائد في صناعة المجدّدين والمصلحين    ريال مدريد يعلن إصابة فينيسيوس    طارق فهمى: إطلاق سراح عيدان ألكسندر خطوة جيدة يمكن البناء عليها    طلاب إعلام الاهرام الكندية تعيد فرقة رضا للجمهور ب إبهار تراثي عصري جديد    الشيخ خالد الجندي: المجادِلون لا يصلون إلى حقائق.. وأشد كلمة عليهم "الله أعلم"    وزير الثقافة يشارك في إطلاق الخطة العاجلة للسكان والتنمية والبرنامج القومي للوقاية من التقزم    بالصور.. الكشف على 3400 مواطن في قافلة طبية لجامعة أسيوط بغرب أسوان    الروماني إيستفان كوفاتش حكماً لنهائي دوري أبطال أوروبا    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    طلاب بنها يزورون مجلس النواب لتعزيز الوعي السياسي (صور)    محافظ الدقهلية يكشف تلاعب فى أسواناط الغاز ويحيل المتسببين للنيابة    شهادات نجوم الفن.. هل تنهي أزمة بوسي شلبي وأبناء الساحر؟| فيديو    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    عالم أزهري: تعلُّق القلوب بالله هو النجاة في الأزمات    تأجيل إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية" لجلسة 10 يونيو    عون وعباس والشرع في السعودية خلال زيارة ترامب.. ماذا سيوضع على الطاولة؟    يُسلط الضوء على المواهب الصاعدة.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم تحت 17 سنة    الأمم المتحدة: 470 ألف شخص يواجهون جوعاً كارثياً في غزة    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    قائد الوداد: سنلعب في كأس العالم للأندية دون خوف.. ونريد تشريف المغرب    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    مصادر: بورصة مصر تبحث قيد فاليو الأربعاء المقبل    وظائف خالية اليوم.. برواتب تصل إلى 6500 ريال فرصة عمل لعمال مصريين بالسعودية    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    البابا ليو الرابع عشر يفتتح رسميًا الشقة البابوية إيذانًا ببداية حبريته في الفاتيكان    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    حالة الطقس اليوم في السعودية    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    بدائل الثانوية العامة 2025..تعرف على مميزات الدراسة بمدرسة الكترو مصر للتكنولوجيا التطبيقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكذوبة التنمية برأسمال أجنبى
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2010

تعانى الدول محدودة الدخل من عدم القدرة على تدبير مدخرات تكفى لتمويل الاستثمارات اللازمة للتوسع فى إنتاج ما يلزم لإشباع حاجات شعوبها ورفع مستوى معيشتهم. وفى نفس الوقت قد تجابه برءوس أموال تتدفق من خارجها على استثمارات فى مجالات لم تكن تمثل لها حاجة ملحة، ولكنها ذات أهمية خاصة لدى المستثمرين.
من تلك المجالات القطاعات الأولية، زراعية أو منجمية، تهم أصحاب رءوس الأموال، فترضى بها على أمل أن تصدر منتجاتها للحصول على نقد أجنبى يمكنها من شراء مواد ضرورية للحياة. فى هذا النطاق أنفقت بريطانيا على بحوث القطن المصرى لتغذى به مصانعها، فارتبطت مصالح الإقطاع المصرى والخاصة الملكية بمصالحها فأصبحا عونا لها على بسط «حمايتها» على أرض الكنانة.
وتسابقت ولاتزال الاستثمارات على البترول العربى وفق شروط تمكنها من نهب عائداتها، وضمان استمرار تدفقه فى شرايين الاقتصادات التى انطلقت منها بدراهم معدودة لتعود فتستردها ثمنا لمنتجات تصدرها إلى الدول المنتجة للبترول.
وتجنى من ذلك أربعة منافع: (أ) الحصول على طاقة رخيصة تدفع بها عجلة النمو لديها دون أن تحدث نشاطا إنتاجيا حقيقيا فى اقتصادات الدول المنتجة للبترول، (ب) وتشغيل مصانعها وتوظيف عمالها فيما تصدره إلى هذه الدول من سلع صناعية تغالى فى أسعارها، (ج) واسترداد باقى ما دفعته ثمنا للبترول من خلال ما تصدره لها وهو أساسا استهلاكى بذخى، (د) فإذا بقى منه شىء فهناك مؤسساتها المالية تتفنن فى امتصاصه فى استثمارات مالية. وتصبح هذه الأموال رهينة لديها، عرضة للتجميد لأسباب سياسية تصطنعها، أو التآكل بسبب التضخم المتوالى لديها، أو للذهاب أدراج الرياح ضحية للأزمات التى تعتبر من أركان النظام الرأسمالى العالمى.
وعندما انتزعت المستعمرات استقلالها عقب الحرب العالمية الثانية، وجدت أن اقتصاداتها تم هيكلتها بحيث توفر مواد أولية رخيصة للدول الصناعية التى استعمرتها وتشكل أسواقا لمنتجاتها المصنعة، بدعوى أن هذا يفرضه تخصص كل من الطرفين فيما له ميزة نسبية فيه.
وتحت ستار قوانين السوق، استخدمت آلية التضخم المتوالى للمبالغة فى أسعار المنتجات الصناعية، وآلية الركود لخفض الأسعار النسبية للمواد الأولية. وترتب على ذلك تزايد فى عجز موازين مدفوعات الدول الفقيرة، حد من قدرتها على تنمية اقتصاداتها بالقدر الكافى لتعويض ما فاتها فى ظل الاستعمار. فكان لا بد من تولى حكوماتها زمام الأمور فى قضية التنمية، وأن تدبر الموارد المالية الشحيحة، خاصة ما هو بالعملات الأجنبية، عن طريق قروض تقدم الدول الصناعية جانبا منها، فتعود عليها ثمنا لمعدات رأسمالية ومستلزمات إنتاج وخبرات فنية منها، وتبقى القروض دينا يرد مع فوائد عليه، فيقتطع من حصيلة تصدير كان يفترض فيها أن تلبى حاجات ملحة للتنمية.
ومن البديهى أن الدول المقرضة لم تكن تقبل تمويل تنمية ذات شأن، وهى تفرض من خلال الحاجة لأموالها شروطها السياسية رغم تكرار مطالبة الأمم المتحدة بعدم اللجوء لهذا الأسلوب.. وقصة السد العالى الذى نحتفل بعيده الخمسينى هذه الأيام تغنى عن البيان. وتكتشف الدول النامية أن الفوائد على ديونها تستنزف الزيادة التى كانت تطمع حدوثها فى دخلها القومى، فإذا استردادات القروض السابقة تفوق تدفقات القروض اللاحقة، وتتحول الدول النامية إلى مصدرة للمال إلى الدول المتقدمة. وبحجة مكافحة التضخم، رفعت أسعار الفائدة أضعافا مضاعفة، فإذا المديونية توقف التنمية فى الثمانينيات، وتحاصر دولا أفريقية حتى الآن معرضة إياها للفناء.
ومع زوال المعسكر الاشتراكى فى التسعينيات، انطلقت الليبرالية المحدثة من عقالها مدعية أن الأفضل للدول النامية أن تحصل على استثمار أجنبى مباشر ليأتى بالمال والمعرفة معا.
فى نفس الوقت فإن إنشاء أسواق لرأس المال يسمح لمن لديهم مدخرات (أو ما يطلق عليهم مستثمرين) بأن يشتروا بها أوراقا مالية وهو ما يتيح لأصحابها الحصول على أموال بعملات أجنبية يمكنهم توجيهها لمشروعات (استثمارات عينية) جديدة. وقد أثبتت تجارب دول عديدة، بما فى ذلك دول جنوب شرق آسيا قبل عشر سنوات، أن الأموال التى تأتى عن هذا الطريق يغلب عليها طابع المضاربة بشراء ما تتوقع ارتفاع ثمنه فى وقت قصير، وتنتقل من مكان لآخر وراء الربح الأعلى، ولذلك فهى «أموال ساخنة». وهى تفر عند أول بادرة بالخسارة تاركة ضحاياها المحليين يواجهون الإفلاس. وقد شاهدنا مؤخرا نماذج من هذا النوع فى البورصة المصرية، والبورصات العربية والعالمية. ويقدر ما أضاعه العرب نتيجة الأزمة العالمية الأخيرة بمبلغ 2.5 تريليون دولار، أى ما يقارب ضعف دخلهم القونى، بواقع 8000 دولار لكل فرد عربى.
ومع انتشار عمليات الخصخصة سنحت فرص لرأس المال الأجنبى للاستحواذ على منشآت قائمة فعلا، لا تمثل استثمارا جديدا، ولكنها تستولى على أصول عينية قائمة بدعوى أنها قادرة على إحسان إدارتها، إذا ما تيقنت من أنها لن تكون معرضة للتأميم، ومن الاستعداد لتنفيذ مطالبها بشأن تطوير الإدارة. من جهة أخرى فإن الاستثمار المباشر يفترض فيه أن ينشئ مشروعات جديدة، إما لعدم توفر رأسمال نقدى محلى، أو لأنها تحتاج إلى معرفة تقنية غير متاحة، ويؤدى جلبها إلى تعزيز القدرة التنافسية لمنتجاتها فى الأسواق المحلية والخارجية. وحتى يفيد هذا الاستثمار ويقبل الاستمرار فى ممارسة نشاطه الإنتاجى، يجب أن يتوفر ما يسمى المناخ الملائم للاستثمار، وأول بنوده حرية حركة القطاع الخاص، وتوفر البنية الأساسية المناسبة التى تزوده بالمرافق المطلوبة لعمليات الإنتاج والتسويق. وهو إما للانتفاع بمواد أولية متاحة محليا بأسعار متدنية، أو لجعل نشاطه معتمدا على مستلزمات يتحكم فى مصادرها فى الخارج، حتى ولو كان لها مثيل محلى. وأهم من ذلك أنه يأخذ فى اعتباره انخفاض أجور العمال المحليين وما قد تمنحه الدولة من حوافز ضريبية، مما يجعله لا يدقق فى خفض التكاليف الأخرى إلا بالقدر الذى يترك له ربحا مجزيا، يفوق ما يحصل عليه فى دولة منشأة أو فى مكان آخر. ومن ثم فهو يتأكد من حرية تحويل أرباحه للخارج مسترجعا بذلك جانبا مما أدخله من نقد أجنبى، سرعان ما يتجاوز فى مجموعه ما أتى به من هذا النقد، ويظل دائنا للدولة بكامل حقوق المساهمين، التى قد تكون قد تضاعفت أثناء تطور نشاطه. فلو قدر صافى ما يحوله رأس المال الأجنبى من أرباح بما يوازى 10% من قيمته، فإن معنى ذلك أنه يستعيد قيمة رأس المال بالكامل فى عشر سنوات، وهو ما يعنى أن ما يخرج من الدولة بعدها يعادل ما يدخلها، وبعد ذلك يفوق ما يخرج من الدولة من نقد أجنبى ما يدخل إليها منه.
وتشهد بذلك تجربة البرازيل التى كان يضرب بها المثل بالانفتاح أمام الاستثمار الأجنبى، فوجدت نفسها فى النهاية غارقة فى ديون لسداد متطلبات المستثمرين الأجانب. وكانت من الدول التى تفجرت فيها أزمة المديونية فى أوائل الثمانينيات.
ويثير هذا أمورا عدة: هل يفد رأس المال الأجنبى فى مجالات تتفق مع أولويات التنمية القومية، أم يسيطر على النشاطات التى توجه التنمية والتى تتميز بتعقد محتواها التكنولوجى، ويترك لرأس المال المحلى مجالات غير مربحة؟ هل يمتلك أصولا محلية، وبخاصة الأراضى، ليدخل مضاربا فى سوق العقارات؟ هل هو حقا جاد فى تعزيز القدرة التصديرية وليس مجرد طامع فى السوق المحلية الواسعة؟ هل يراعى متطلبات استقرار نشاط التشييد، أم يبذر فى تكاليف الإنشاءات ملهبا سوقى الحديد والإسمنت لترتفع تكاليف الاستثمار المحلى والإسكان؟ هل وضعت معدلات وفود رأس المال فى إطار منظور زمنى يكفى لوقوف الاقتصاد الوطنى على قدميه، وإنهاء الاعتماد عليه؟
هل لدى السيد وزير الاستثمار إجابة يتسع وقته بين جولاته المتتالية لإعدادها؟ وهل السيد وزير التنمية الاقتصادية معنى بالأمر أصلا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.