إنتاج 9 ملايين هاتف محمول محليًا.. وزير الاتصالات: سنبدأ التصدير بكميات كبيرة    نشرة التوك شو| تقرير دولي يكشف جرائم نتانياهو.. وتفاصيل سرقة إسورة من المتحف المصري    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    موعد مباراة الزمالك والإسماعيلي في الدوري المصري والقناة الناقلة    موعد مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    "أحلامهم تحققت".. الذكاء الاصطناعي يجمع نجوم الفن مع آبائهم    الرئيس السيسي والسيدة قرينته بصحبة ملك وملكة إسبانيا في جولة تاريخية بأهرامات الجيزة.. صور    خبير عسكري: إنشاء قوة عربية مشتركة فكرة تواجه تحديات.. ولكنها مطروحة    ترامب وخصمه القضائي على المأدبة الملكية في بريطانيا.. ما القصة؟    "لاعتراض الصواريخ والقذائف".. إسرائيل تعلن اكتمال بناء سلاح دفاعي بالليزر    استشهاد 3 أشخاص في غارة إسرائيلية على بلدة العسيرة اللبنانية    احتفاءا بالوفاء.. صور لتكريم الراحلين والمتقاعدين والمتميزين في جامعة القاهرة    نائب محافظ دمياط تتابع تطوير عواصم المدن والمراكز    طفرة.. وزير الاتصالات: ارتفاع عدد مراكز التعهيد من 66 إلى أكثر من 200 خلال عامين    دوري أبطال أوروبا.. بايرن ميونخ يكرم ضيافة بطل العالم    باريس سان جيرمان يكتسح أتالانتا برباعية ويعلن انطلاقته القوية في دوري الأبطال    «يورتشيتش» يعلن قائمة بيراميدز لمواجهة زد في دوري نايل    حريق داخل محل ألعاب أطفال بمدينة نصر    أ ب: مصابان على الأقل بحادثة إطلاق نار في ولاية بنسلفانيا الأمريكية    وزير الثقافة ومحافظ القاهرة يكرمان الفائزين بجوائز التنسيق الحضاري    هيدي كرم بفستان جريء وسيلفي مروان موسى.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    محمد رمضان يطرح أغنية جديدة بعنوان "تصدق ولا متصدقش"    انتهاء تطوير وحدة جراحات العيون بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    مصدر بالزمالك: جون إدوارد مستمر في منصبه.. وسنشكو من يحاول هدم استقرارنا    بعد خفض الفائدة بالفيدرالي الأمريكي..سعر الدولار الآن أمام الجنيه الخميس 18-9-2025    إصابة ربة منزل سقطت عليها شرفة عقار في مينا البصل غرب الإسكندرية (صور)    4 أبراج يحققون إنجازات خلال أسبوع: يجددون حماسهم ويطورون مهاراتهم ويثبتون جدارتهم في العمل    «الأهلي خسره».. هاني رمزي يشيد ب محمد شوقي قبل مباراة زد ضد بيراميدز    خالد أبو بكر: قطر تستطيع الرد على إسرائيل وتمتلك الإمكانيات اللازمة لذلك    أبو عطيوي ل«الفجر»: قمة الدوحة تؤسس لتحالف ردع عربي إسلامي ضد غطرسة الاحتلال الإسرائيلي    حسين الجسمي يروج لحفله الغنائي في ألمانيا السبت المقبل    الاستعلام عن الأسماء الجديدة في تكافل وكرامة لشهر سبتمبر 2025 (الخطوات)    في خطوتين بدون فرن.. حضري «كيكة الجزر» ألذ سناك للمدرسة    وزير الأوقاف يشهد الجلسة الافتتاحية للقمة الدولية لزعماء الأديان في «أستانا»    حمدي كامل يكتب: السد الإثيوبي .. من حلم إلى عبء    700 فصل و6 مدارس لغات متميزة جديدة لاستيعاب طلاب الإسكندرية| فيديو    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم كثرة الحلف بالطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    من «كامبريدج».. تعيين نائب أكاديمي جديد لرئيس الجامعة البريطانية في مصر    اختلت عجلة القيادة..مصرع شخصين بمركز المراغة فى سوهاج    محافظ أسوان يشهد الحفل الختامي لتكريم القيادات النسائية    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    قرار قضائي جديد بشأن طفل المرور في اتهامه بالاعتداء على طالب أمام مدرسة    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    ڤاليو تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقاً باستخدام رخصة التكنولوجيا المالية عبر منصة نون    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    37 حالة وفاة داخل السجون وأقسام الشرطة خلال العام 2025 بسبب التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    قبل ما تنزل.. اعرف الطرق الزحمة والمفتوحة في القاهرة والجيزة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضل مراجعة الذات
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 01 - 2010

منذ أيام دعانى الصديق المهندس أبو العلا ماضى إلى «صالون المسيرى» لمناقشة موضوع مهم هو «أزمة الحركة الإسلامية». شعرت بسعادة تلقائية أن فى المجتمع أشخاصا لايزالون يرون أنهم بحاجة إلى نقد الذات، والوقوف أمام أزمة ألمت بهم.. نعم هى أزمة قاسية طالت منهجية التنظيم ومنظومة الفكر. أفاض المتحدثون فى الندوة فى ذكر مآخذهم على ما آلت إليه الحركة الإسلامية، وبالأخص الإخوان المسلمين خصوصا فى الشهور الأخيرة. كان حديثا جادا، صريحا، ونزيها. تمنيت أن أرى نقاشا مثل هذا فى جميع المنتديات الثقافية، تفد إليه كل جماعة أو فصيل فى المجتمع يبوح بعثراته، ويعترف بأزمته، ويطلب لها حلا. فأسوأ مرض يصيب الجسد السياسى لأى مجتمع هو أن تشيع فيه ثقافة وممارسات تخشى الفضيحة ولا تخشى الرذيلة، بحيث يفضل الالتواء على الاستواء، ويسعى لإخفاء عثراته بدلا من أن يكشفها، ويبتلع ذنوبه دون أن يسعى للتطهر منها. مراجعة الذات فضل لانزال غير راغبين فى اقتنائه. ولكن ستظل هناك ثقوب من الفكر النقدى فى جدار مصمت من تبرير الذات، وتوهم المؤامرة.
(1)
جاءت الندوة فى خضم نقاش محتدم حول ما جرى فى «نجع حمادى»، من هجوم عشوائى طال حياة سبعة مواطنين مصريين، ستة منهم أقباط، والآخر مسلم عقب صلاة عيد الميلاد المجيد. حادث مأساوى، غير متعارف عليه فى الثقافة المصرية، وله دلالات كثيرة تتصل بذهنية العنف المتفشية فى المجتمع. وبرغم هذا، فإن هناك من سعى إلى تبرير الحادث، وتحدث بلغة «نعم الحادث بشع، ولكن.....». بعد ساعتين من الحادث، وقبل القبض على الجناة، ذكر بيان صادر عن وزارة الداخلية أن الحادث يرتبط بواقعة اغتصاب شاب مسيحى لطفلة مسلمة فى فرشوط قبل شهرين. وهو أمر يثير الدهشة. كيف عرفت الوزارة أن هناك ارتباطا بين إزهاق أرواح أبرياء فى نجع حمادى وبين واقعة اغتصاب فى فرشوط فى هذه اللحظة المبكرة؟. وبعد أيام من القبض على المتهمين الثلاثة، وهم أصحاب سوابق إجرامية، لا يزال اثنان منهما ينكران إطلاق النار عشوائيا على المواطنين، فى حين اعترف الثالث بأن زميليه ارتكبا الجريمة، لكنه كان يقود السيارة. مرة أخرى، إذا كان المتهمان الأول والثانى لم يعترفا بالجريمة، ويواصلان الإنكار، فمن أين جاء الارتباط بين ما حدث فى نجع حمادى وما جرى فى فرشوط؟. الغريب أن يصمت محافظ قنا بضعة أيام، وهو قبطى فى خصومة مع قطاع من الأقباط فى محافظته، ثم يخرج ليردد الكلام نفسه، ويقول إن «الحادث فردى»، وأكثر من هذا نقل عنه القول بأن المسيحيين هم السبب فى الحادث. البعض ربط بين ما جرى فى «نجع حمادى» وبين أحاديث القمص زكريا بطرس التى تقدح فى الإسلام، وآخرون مثل التائبين من الحركات الإسلامية السابقة، الذين خرجوا عن صمتهم كى يسجلوا إدانتهم للحادث، وهو أمر محمود، لكنهم أرجعوا ما جرى إلى استقواء الكنيسة فى مواجهة الدولة، وآخرون بما فى ذلك أعضاء فى البرلمان أرجعوا ما جرى إلى وجود مؤامرة خارجية، الدور الذى يقوم به أقباط المهجر، إلخ. ترديد هذا الخطاب يعنى أمرين. الأول: أن المجتمع لا يريد أن يناقش قضاياه بصراحة، ويتطهر من ذنوبه. والثانى أن هناك حالة من حالات الترهل الفكرى، تظهر ليس فقط فى غياب إنتاج الأحاديث الجادة، ولكن أيضا فى عدم القدرة على استحداث فنون خطابية وإنشائية جديدة فى التعتيم على الأخطاء، والتماس الأعذار لها.
(2)
لم يعد مقبولا الاستماع إلى حجج واهية لتبرير حدث مشين. فى مقال سابق بالشروق «القبلية الدينية من ديروط إلى فرشوط» قلت إذا أساء شاب مسيحى فى حق فتاة مسلمة لماذا لا يحاكم دون الإساءة إلى أبناء ملته الآخرين فى أرواحهم وممتلكاتهم؟. اليوم نعيد طرح السؤال ولكن فى أفق مختلف. إذا نظرنا إلى الحجج التى ساقها «أنصار ثقافة التعتيم» لتبرير حادث نجع حمادى سوف نجد أنها تجعل من المتهمين أصحاب مروءة وتدين وشهامة ورؤية. فقد قتل المتهمون مواطنين أقباطا بشكل عشوائى دفاعا عن عرض فتاة مسلمة، وتعبيرا عن غضبهم للاستقواء القبطى فى مواجهة الدولة، وتأكيدا على استهجانهم لما يفعله أقباط المهجر، ورغبة منهم فى التصدى إلى المؤامرات التى تحاك لمصر ليل نهار. هؤلاء إذن ليسوا مجرمين أو قتلة، لكنهم أصحاب مروءة ووعى، قضية ورؤية، مكانهم مقاعد مجلس الشعب أو الوزارة وليس زنزانة فى سجن.
هكذا يكون لى الحقائق، وإطلاق تبريرات لأوضاع خاطئة، وصرف الرأى العام عن التفكير فى الجذور الحقيقية للمشكلات. لم يعد ممكنا أن نصدق أن «الحادث فردى»، لأن حوادث العنف الطائفى تقع على فترات متقاربة نتيجة أسباب ليس لها علاقة بالدين، مثل خلاف أثناء عملية البيع والشراء، مشاجرة بين أطفال أثناء اللعب، إلخ. القضية إذن تتصل مباشرة بوجود مناخ احتقان يصور للجانبين، الإسلامى والمسيحى، أنه مضطهد على يد الطرف الآخر. لا أحد يناقش القضايا بجدية، ولا يوجد من يؤكد أو ينفى ما يتداول من روايات وشائعات خاصة بالملف الدينى.
(3)
كشف حادث «نجع حمادى» بأنه لم يعد هناك موضع للهزل. الشأن الطائفى أصبح مثل الجرح المفتوح. المشكلة ليست فقط فى استمرار نزف الدماء، ولكن أيضا فيما قد يصيبه من تلوث، فيصبح المستقبل أسوأ من واقع هو سيئ بالفعل. هناك قضايا ليس من المقبول التهوين منها، أو التلكؤ فى التصدى لها، أو التعلل بغيابها. هناك مشكلات تتعلق بالأقباط بوصفهم مواطنين مثل بناء وترميم الكنائس، وشغل المواقع الحساسة فى جهاز الدولة، ضعف التمثيل السياسى، غياب الحضور القبطى فى المجالس المنتخبة فى النقابات...الخ، يرافق ذلك تصاعد السجال الدينى بين المسيحيين والمسلمين إلى الحد الذى خلق حالة من النفور والكراهية المتبادلة، تعبر عن نفسها فى حالات الاختلاف أو الاحتكاك بين الطرفين. هناك مهام لا يمكن أن تؤجل. الدولة مطالبة بدعم الحضور القبطى بوصفهم مواطنين على صعيد المؤسسات السياسية، والبيروقراطية، والأمنية، والكف عن الركون إلى الجلسات العرفية لحل المشكلات الطائفية، والتطبيق الحازم للقانون نصا وروحا على أى شخص يتورط فى الإساءة إلى الآخر المختلف دينيا قولا وفعلا. والمؤسسة الإسلامية مطالبة، ربما أكثر من أى وقت مضى، بإنتاج خطابات دينية تحث على التسامح، والمواطنة، وقبول الاختلاف، فى الوقت الذى تحاصر فيه المد السلفى الذى يجتاح القواعد الشعبية الأساسية المؤيدة للوسطية فى الإسلام، ومحاصرة الأصوات التى تستهوى السجال الدينى، وتطعن فى عقائد الآخرين. أما المؤسسة الكنسية فهى مطالبة بأن تتخذ إجراءات صارمة ضد الخطابات التى تطعن فى الإسلام، خصوصا ما يصدر عن القمص زكريا بطرس، وأن تتجه لإنتاج خطابات دينية تشجع الأقباط على الاندماج والتفاعل فى المجتمع ليس بوصفهم رعايا للكنيسة، ولكن تعبيرا عن كونهم مواطنين كاملى المواطنة.
القضية متشابكة، لكن الاعتراف بالأخطاء والخطايا يطهر المجتمعات، ويجعلها أكثر عافية اجتماعيا وسياسيا وثقافيا. ترك المشكلات بلا حلول يؤدى إلى تفاقمها، فالمشكلات لا تحل من تلقاء ذاتها، بل تحتاج إلى جهد متواصل، دءوب، قصدى، والأهم تحتاج إلى من يعترف بأن هناك مشكلة يجب حلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.