«الولع بالتاريخ وأحداثه» يلخص الرواية السادسة عشرة للكاتب اللبنانى ربيع جابر الصادرة تحت عنوان «أميركا» عن المركز الثقافى العربى ودار الآداب ببيروت. تستحضر الرواية ملحمة هؤلاء الذين دفعهم الفقر وروح المغامرة إلى ترك سوريا الكبرى فى السنوات الأولى من القرن العشرين ليجربوا حظهم فى أمريكا الناشئة، حاملين «الكشة» عبر السهول والجبال، يندمجون تدريجيا فى نسيجها الاجتماعى ويشاركون فى حروبها. يروى جابر حكاية مرتا حداد ورحلتها عام 1913 من قرية «بتاتر» فى جبل لبنان إلى العالم الجديد للحاق بزوجها خليل حداد، الذى انقطعت رسائله، وبلغها خبر زواجه بغيرها هناك. إنها مغامرة امرأة ترحل من قريتها اللبنانية إلى نيويورك، وعندما تلمح تمثال الحرية المنتصب على الأطلسى، تخاله العذراء مريم، فتمتمت بصلاتها الخائفة «صلّبت على وجهها الشاحب البياض وهى ترى السيدة الحجرية تمد الشعلة الحجرية صوبها وتخرج من الضباب الذى يغطى البحر. سمعت صوتا يقول هذا تمثال الحرية». الولع بأحداث التاريخ جعل جابر يقلق من تشابه أحداث روايته مع أحداث تاريخية حقيقية، وحتى لا يلتبس الأمر على القارئ قال جابر: «هذه الرواية من نسج الخيال، وأى شبه بين أحداثها وأشخاصها وأماكنها مع أشخاص حقيقيين وأحداث وأماكن حقيقية هو محض مصادفة ومجرد عن أى قصد». نعود إلى الرواية التى يرفض بعض النقاد وصفها بالرواية التاريخية بل يفضلون القول إنها رواية الذاكرة ومدونة شفهية للحياة التى نعيشها. تحكى الرواية قصة مرتا حداد الساعية إلى لقاء زوجها فتعثر على عنوانه فعلا، ولكنها تُوقف العربة التى أقلتها أمام بوابة منزله، تراه مع زوجته الجديدة ويراها، لا تترجل هى من العربة ويبقى هو فى جلسته. لحظات كانت تكفيها لتنسى ما جاءت لأجله وتقرر العودة إلى نيويورك. حياة مرتا حداد الجديدة تبدأ من تلك اللحظة. تعتمد على نفسها. تعمل فى مصنع «هرمان تاكر» الذى سبق لزوجها أن عمل فيه. تفتح متجرا صغيرا. تتسع تجارتها وتشترى عقارات ويزداد حسابها فى البنك. وبعد ستين عاما من حياتها الأمريكية، تنتهى بأن تكون عجوزا ثرية وسعيدة، تنتظر أجلها محاطة بأبناء وأحفاد. فى غضون ذلك، تواصل رفضها لقاء زوجها الذى يموت فى الحرب العالمية الأولى. ترضخ لرغبة مهاجر آخر هو على جابر وتتزوجه ويفهم القارئ أن هناك إيحاء بأن جابر «الروائى» هو أحد أحفاد هذا الزواج ثم تترمل ثانية وهى فى الأربعين ولكنها «الآن تسقى الحديقة ساعة المساء وتسمع غناء الطيور. المياه تكرّ فى المسكبة، تروى النبات الأخضر، وهى تصغى إلى الخرير. هكذا أريد أن أتركها، فى الحديقة التى زرعتها تفاحا فى باسادينا، تسمع خرير المياه وتحيا إلى الأبد».