♦ المجتمع يحتاج إلى شخص مخلص أو منقذ يعبر بهم من مرحلة التيه إلى منازل اليقين ♦ أسامة الشاذلى: أى أرض لا تسود فيها العدل ملعونة ولا يشفع لها أرض أو بيت أعرب الكاتب والروائى أسامة الشاذلى، عن سعادته بالاستقبال والحفاوة الكبيرة من قِبل القراء لروايته «أوراق شمعون المصرى»، بخاصة أنها عمله الروائى الأول بعد كتابه «رحلة إلى يأجوج ومأجوج»، وهو كتاب يتناول قصة يأجوج ومأجوج من منظور عصرى، وأشار إلى تضمين مكتبة المسجد النبوى بالمدينة المنورة لعدد من نسخ الكتاب بجوار أمهات الكتب. وأضاف خلال اللقاء الذى نظمته مكتبة ديوان، مساء الثلاثاء بمقرها فى مصر الجديدة، لتوقيع ومناقشة رواية «أوراق شمعون المصرى»، الصادرة عن دار الرواق، أنه يحب التاريخ ودائمًا ما كان يكتبه بوجهة نظر الباحث، حتى فكر فى منتصف 2012 بكتابته فى قالب روائى وتناول الاضطراب فى فترة حُكم الحاكم بأمر الله، وهى الرواية التى لم تجد طريقها للنشر، حتى أعاد المحاولة مع «أوراق شمعون المصري» والتى تتناول تاريخ بنى إسرائيل، بدافه الكتابة عن «التيه» سواء كان تيه المجتمع أو الإنسان، وإن تيه بنى إسرائيل هو النموذج الأوضح لفكرة تيه المجتمع أو ابتعاد الإنسان عن حلمه. وتابع: «اقرأ فى تاريخ بنى إسرائيل منذ فترة طويلة، وتأليف الرواية جعلنى أبحث واقرأ فى مراجع عدة تتناول هذا الخروج، وإن فكرة التيه تمثل المجتمع الذى يحمل حلمًا وجاءه قائد ليحققه، ليقابل كل ما يقابله القادة فى كل مرحلة تاريخية من مقاومة التغيير ومحاولات تثبيط العزم والتمسك بالوضع القائم والقديم ودائرة المصالح، وهى القصة المتكررة فى كل المجتمعات، وأن سلوك بنى إسرائيل هو سلوك بشرى طبيعى وإذا ما وضعنا الآن فى نفس الظروف سنسلك ذات المسلك». وقال إن أفراد مجتمع بنى إسرائيل كانوا طبقات منهم أصحاب الإيمان والمؤمنين بالغيب ووجود نبى يثقون فى ما يتفوه به وهم الأقلية، والبعض الآخر ويمثلون الأغلبية، لديهم إيمان بالحلم مع بعض الشكوك، وثقة فى القائد لكنهم يحتاجون إلى مزيد من الفهم، وهم الأفراد الذين يمثلهم شمعون المصرى فى الرواية، وهو الأمر الذى يفسر تعلق القراء بالشخصية التى تتطرح ما يدور فى أذهانهم من أسئلة وشكوك، وذلك بالتوازى مع احتياج الطرفين للشخص المخلص أو المنقذ الذى يعبر بهم من مرحلة التيه إلى منازل اليقين، وهو ما جاء فى الكتاب الثانى من الرواية عبر شخصية الشيخ عابر. وأوضح أن الرواية ركزت على آلية العودة إلى التيه مرة أخرى عبر عدة نقاط منها: البعد عن الصورة وعدم الإغراق فى التفاصيل، والنظرة الكاملة للصورة، وأن الإنسان عندما يصل إلى اليقين سيصل إلى الأهداف والرؤية الواضحة وهو ما جاء فى الكتاب الثالث والرابع داخل الرواية، حينما اكتشف شمعون المصرى أن ليس كل حلم هو غاية، وتسأله عن الوصول بمعناه الفلسفى وهل هو غاية وخلاص أم أن هناك مرحلة أخرى بعده، وهل الوصول يعنى الغاية من أن تسود كلمة العدل؟ ولهذا وصل إلى «أن أية أرض لا تسود فيها العدل هى ملعونة ولا يشفع لها أرض أو بيت، وأن الأرض المقدسة هى التى يتجلى فيها العدل ويبعد فيها الظلم». وتطرق صاحب «أوراق شمعون المصرى»، إلى مدارس الرواية التاريخية ومنها أن المطبوع إذا صاحبه عبارة رواية فيحق لمؤلفه أن يكتب ما يشاء، وأيضًا المدرسة الأخرى أن يحرص أصحابها على الالتزام بالإطار التاريخى والتحرك خلاله، وهو ما فضله عند كتابة الرواية بخاصة مع حساسية القصة التى تتناولها الرواية، وأنها مذكورة فى الكتب المقدسة ولن تلقى ترحيبا إذا ما عُملت وفق منهج لمدرسة الأولى، ولهذا لجأ إلى تأليف قصة العائلة التى نرى من خلالها الوقائع وبعيون أفرادها ممن عاصروا سيدنا موسى، مع الابتعاد الكامل عن الرموز الدينية. واعتبر أسامة الشاذلى أن أصعب الأجزاء التى واجهته فى كتابة الرواية يتمكن فى الحصول على المادة المعلوماتية الخاصة بحياة العرب فى القرن الرابع عشر، وأن كتاب «المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام»، للدكتور جواد على، والذى كتب أجزاءه العشرة فى فترة الأربعينيات، وأنه من أكثر المؤلفات التى ساعدته فى الكتابة عن هذه الحقبة. واستكمل أنه حاول أن يستعين بالمصادر الأصلية فقط، وأن بعض الأجزاء بالرواية احتاجت مجهودا بحثيا مضاعفا، حيث لم يجد لها تفسيرا، ومنها قصة سيدنا الخضر، ولقاؤه بسيدنا موسى، ومتى التقى الاثنان قبل البعثة أم قبل التيه أم بعده؟، وخاصة أن الحديث النبوى لم يشرح قصة سيدنا الخضر بصورة كاملة، وأرجح أنه يميل إلى التفسير الذى يرى أن لقاءهم بعد تيه بنى إسرائيل. وعن كواليس خروج الرواية وحجمها الكبير والخوف من ابتعاد القراء عنها، قال أسامة الشاذلى إنه قدم الرواية فى صورتها الأولى بما يقارب الألف صفحة، وأن دار النشر اقترحت أن يتم نشرها فى ثلاثة أجزاء، لكنه رأى من الأفضل أن تكون رواية واحدة ذات حجم كبير؛ لأن أحداثها متصلة، كما أن الكتاب الضخم يضع القارئ أمام تحدى إنهائه ومعرفة الموضوع الذى يتناوله. وقال إنه لم يكن يتوقع النجاح الكبير للرواية، وإن الاستقبال الكبير لها بين جمهور القراء فاق كل التوقعات، كما أسعده كثيرًا قراءة الرواية من مختلف الأعمار التى تراوحت من بين خمسة عشر وحتى الستين عامًا، وكذلك مراجعات الرواية عبر وسائل التواصل الاجتماعى من قبل أصحاب الدين المسيحى، وأكد أن نجاح الرواية بهذه الشكل جعله أمام تحدٍ كبير فى تقديم العمل القادم. واعتبر صاحب «أوراق شمعون المصري»، أن دراسته للطب أفادته كثيرًا فى عملية البحث وإيجاد الأماكن الأكثر دقة للوصول إلى المعلومة التى يحتاجها، وأنه اضطر فى بعض الأحيان إلى قراءة رسائل دكتوراه حتى يتمكن من الكتابة عن جزء صغير فى الرواية، وكذلك وصفه لبعض الأمراض الواردة فى الرواية. وأضاف: «مهم أن يكون هناك مغزى وفكرة فلسفية من الرواية وليس مجرد عرض قصة حب بين البطل والرواية، لكن بوصف المكان المحيط بالثنائى والتطورات والتغيرات التى حدثت لهما مثلما فعل فى مرحلة التيه داخل الرواية». واختتم حديثه بأن العنصرية قصة متأصلة فى مجتمع بنى إسرائيل ويؤكدها النظرة إلى بنى إسماعيل وإلى أولاد السيدة هاجر وأنهم أبناء جارية كوشية، وكذلك نظرتهم إلى المصريين على أنهم معتدون وأنهم أصحاب الأفضلية من حيث الجانب الإيمانى وغير ذلك من أشكال العنصرية، مشيرًا إلى أنه يعمل على مشروع روائى جديدة، وأنه تعمد فى أوراق شمعون المصرى، أنسنة الأبطال والنظر إليهم كبشر فى النهاية، مشيدًا بغلاف الرواية للفنان كريم آدم. فى رواية «أوراق شمعون المصرى» يصطحب شمعون أوراقه وأدواته وأقلامه طوال رحلته ليدون سيرته بدءا بخروجه من مصر طفلا صغيرا مع قومه بنى إسرائيل، ثم ترحاله فى البلاد بحثا عن الحق وأملا فى الوصول إلى الأرض المقدسة، إلى أن توفى نبى الله موسى فى التيه قبل دخول الأرض المقدسة، ليصل فى نهاية السعى والترحال أيقن شمعون أن أى أرض تخلو من الشرور هى أرض مقدسة. يربط أسامة الشاذلى فى روايته بسلاسة شديدة بين التيه فى سيناء والتيه فى مكة، كما يربط ما جاء فى القرآن بما جاء فى التوراة والإنجيل، وهو ما فعله فى المزج بين ما هو تاريخى وعلمى ومنطقى لينسج مؤلفه الأدبى الأول، ويحكى فيه عن قصة صبى صغير يبحث عن إله أحيانًا ويبحث عن ذاته فى أحايين أخرى حتى يجدها فى أرض بعيدة ما كان ليتصور أن يخطو بقدمه فيها بعد أن فقد ووجد ما كان ليس له وما كان له منها ليتعلم ويعلم كل من سيقرأ أوراقه أن الحق لا يحتاج إلى دليل وأن الشرك لا يحتاج إلى سبب إنما هو القلب الذى يسوق الإنسان ويجب أن يتبع، وأنه لا خير فى عقل يرفض ما وقر فى القلب من إيمان ولا نفس طمعت فأذلها الشيطان. والتيه كما يعرفه أسامة الشاذلى وكما جاء مكتوبًا فى الرواية، «أتدرى ما التيه يا شيخ نابت؟! إنه الحياة على أمل كاذب، أن تشعر بأنك كلما اقتربت ابتعدت، وكلما دنوت بَنوت، أن يحدوك الأمل ثم تتجرع خيبته مرات ومرات، ذاك هو التيه وتلك هى مرارته يا شيخ نابت». «القدرُ يا بنى هو التدبيرُ بميزان الحكمة، واللطفُ بميزانِ الرحمة، والتقويمُ بميزان العدل، وكل ما يقدِّره الله لنا يكون إما لحكمةٍ يدبِّرها، أو لطفٍ من رحمته، أو تقويمٍ لما أعوجِّ من أمرنا، لذا وجب علينا الثناء على قدره فى كل حال»، «اجعل قوتك فى تقويم المعوج لا فى كسره! لو أراد الله لنا الحياة بلا شرور لما أتينا إلى هذه الدنيا».