"الفن والهندسة"، كلمتان تلخصان "صناعة الصدف" بقرية شما في مركز أشمون بالمنوفية، ف"الفن" حيث ابتكار الأشكال الإسلامية أو القبطية، و"الهندسة" حيث تقطيعه بمقاسات متساوية ومتناسقة دون الحاجة لاستخدام وحدات القياس، لكن عن طريق أخذ قطعة ووضعها على أخرى لتكون بنفس المقاس، ثم تتكرر حتى تصبح جميعها متساوية. و"صناعة الصدف" ظهرت منذ آلاف السنين قبل علم الهندسة، مما يعني أنها تعتبر صناعة فنية هندسية بلا هندسة، نشأت في مصر ثم تم تداولها في العديد من البلدان العربية والغربية بعد ذلك. وتتواجد الآن المنتجات المطعمة بالصدف بكثرة في حياتنا اليومية، حيث نشاهدها في المساجد والكنائس ومداخل العمارات والكراسي المصنوعة على أشكال تراثية، ويعد انتشار الصدف المُقلد في صناعة التصديف عاملا قويا على انتشار المنتجات الصدفية في الآونة الأخيرة. لا يعتبر صناع الصدف أنفسهم من أصحاب الحرف، بل فنانين لديهم أنامل ذهبية، فوضع القطع الصغيرة متعددة الألوان من الصدف في أشكال فنية، أصعب من فرشة في يد رسام، حيث يحول قطعة ورق بيضاء إلى لوحة زيتية. قال خالد قوطة، صاحب ورشة، إن صناعة الصدف عرفت طريقها لقريته منذ عام 1974، على يد عمه "محمود قوطة"، الذي كان صاحب أول ورشة لإنتاج الصدف بالمنوفية عامة، ومن بعده تزايدت أعداد الورش حتى تطورت الآن واحتوت على عدد كبير من شباب قرية "شما". وأضاف أن الصدف تمر بمرحلتين قبل استخدامها في الصناعة، أولهما "الصنفرة" كي تصبح الصدفة ذات ملمس ناعم، ثم التقطيع إلى قطع ذات أحجام متعددة، تسمى الواحدة منها "مبرزة"، بسمك 4 ملليمترات، بينما تنقسم مرحلة الصناعة إلى 5 خطوات، تبدأ بإنتاج العلب الخشبية، ثم التطعيم بالصدف، فالتلميع، ثم إكساء داخل العلبة بالقماش (التنجيد)، ثم التنعيم النهائي والدهان بالزيت المعدني، تمهيدا للبيع. وطالب بضرورة تدخل الدولة لحماية المهن التراثية، ومنها التصديف، وفتح معارض لها بالخارج، ما يدر عملة صعبة، ويحمي تلك المهن من الاندثار، واعتبر هذه المهنة بمثابة مشروعا قوميا ضخما يجب أن يحظى بالاهتمام الذي يستحقه من قبل المسؤولين. وتعتمد الطريقة المصرية لفن "التصديف" على نظم الصدف وفق الشكل المطلوب تنفيذه، ولصقه بغراء طبيعي، وملء الفراغات بمعجون حتى يظهر في شكل متناسق، على عكس الطريقة الشامية المعقدة، التي تحتاج إلى نجار يصنع القطعة الخشبية كاملة، ثم رسام يرسم الشكل المرغوب فيه، ثم عامل دق القصدير، الذي يحفر مكانا للخيوط القصديرية، وبعدها يثبت العامل قطع الصدف على تلك الخيوط. وأشار إلى أعتماد الورش المصرية على 4 أنواع من الخزف المستورد، أهمها النوع الأسترالي المسمى ب"العروسيك"، والعماني، والإيطالي، بالإضافة إلى النوع الياباني، أما الصدف المصري فيحمل اسم "سيرديا"، ويتم استخراجه من البحر الأحمر. وعلى الرغم من امتلاك مصر شواطئ ساحلية كثيرة، إلا أن القواقع البحرية المستخرج منها الصدف المستخدم في الصناعة، تتسم بالرداءة، مما دفع المصنعين إلى الاعتماد على الصدف المستورد، خصوصًا النوع الأسترالي والإيطالي، التي زادت أسعارها بنسب قياسية الفترة الأخيرة. وقال "قوطة" إن حجم المبيعات تأثر كثيرا العام الماضي بسبب أزمة كورونا، فالسائحون كانوا المستهلك الأول للمنتجات الصدفية، التي كانت تلقى رواجًا واسعا في حي خان الخليلي الأثري وسط القاهرة، وبازارات الهرم بالجيزة، والمناطق الأثرية في صعيد مصر. من جهة أخرى، يبيع "قوطة" هذه المنتجات الصدفية للتجار الذين يقومون بتصديرها للأسواق العربية، حيث يأتي التصدير كأهم مصدر للدخل الرئيسي لأصحاب الورش، موفرا له عامل الاستمرارية فى هذه الصناعة، ومن أشهر الأسواق العربية اعتمادا على المنتجات الصدفية، تجد السعودية والإمارات العربية والمملكة المغربية، بالإضافة لبعض المعارض الأوروبية في باريس ولندن. وفى ختام حديثه، طالب "قوطة" بإقامة مهرجان أو احتفال سنوى بفن الصدف، يشارك فيه كل الورش، وتدعى إليه وسائل الإعلام وأصحاب محال الأنتيكات، حيث إن هذا سيوفر دعاية حقيقية للقرية، ويعرف بجماليات فن التطعيم بالصدف والحرف اليدوية قبل أن تنقرض.