أيام ويطوى المسرح المصرى صفحة عام كامل شهد تقديم العديد من الجيدة حينا والمتواضعة أحيانا، غير أن السمة الأبرز تمثلت فى استمرار الفجوة بين تلك العروض والقضايا التى تشغل المجتمع بمختلف فئاته.. ورغم أن البعض يرى أنها ليست مهمة فى «أبو الفنون» فإن آخرين يحملون تلك الفجوة مسئولية ابتعاد الجمهور عن المسرح. المخرج خالد جلال، الذى حقق المعادلة الصعبة بمعالجة قضايا جادة وجذب الجمهور فى الوقت نفسه من خلال عرض «قهوة سادة»، يرى أن العروض المسرحية لابد أن تتسم بالكلاسيكية، وكذلك على المخرج أن يشير إلى الأحداث المعاصرة ليتمكن من مواكبة الأمور الجديدة وليحقق بذلك إقبالا جماهيريا. ويضرب جلال مثالا على ذلك بالقول: على سبيل المثال استطاع المخرج هانى عفيفى فى مركز الإبداع أن يقدم رواية هاملت العالمية تحت عنوان «أنا هاملت» برؤية جديدة من خلال شاب مصرى يعيش دور هاملت وسط المشكلات اليومية التى يتعرض لها الشباب المصرى فى العموم وكانت تلك الرؤية السبب الأساسى فى حصول بطل العرض على جائزة أفضل ممثل فى المهرجان التجريبى الأخير. وأضاف أن العروض المسرحية كلما كانت بعيدة عن اهتمامات المتلقى لن تنال النجاح المرجو منها، مستشهدا بالتناغم بين الكلاسيكية والحديث بعرض «لعبة الدماغ» الذى قدمه خالد الصاوى فى الهناجر فهو بحق نموذج مسرحي يحقق الانسجام الفكرى بين القديم والحديث وهو ما حاولت تقديمه فى ورش مركز الإبداع وعروضها «أيامنا الحلوة» و«قهوة سادة» وغيرهما. وأوضح: ساعدنى فى ذلك أننى لا أتخذ قرارا بمفردى بل أستشير أكثر من «35» نجما يعينوننى على تناول الأحداث العالمية الجديدة فى قالب مسرحى كلاسيكى. ويتفق مع فى الرأى المخرج شادى سرور الذى يصف ما يقدمه المسرح المصرى حاليا بأنه موضوعات معلبة ومستهلكة لا تمت للتجديد بصلة، معتبرا أن ما وصل إليه المسرح مؤخرا من أوضاع مترهلة مسئولية كل الإداريين القائمين عليه والذين يسعون بكل طاقاتهم لإبقاء المسرح مريضا ضعيفا غير مواكب للأحداث. وشدد على أنه لو حظى المسرح بجزء بسيط من الاهتمام الذى ينعم به التليفزيون والسينما لاستطاع أن يعيد جمهوره فى وقت وجيز، لذلك يتعمد هؤلاء الإداريون الذين يخرجون من وراء هذا الضعف بمصالح لا حصر لها تقديم كل ما هو غير مكلف وغير شاق حتى تكون تلك المصالح أكبر بكثير وفى النهاية يتهمون الجمهور بالعزوف عن المسرح وبالطبع ذلك ليس صحيحا لأن الجمهور سيتهافت على أى عرض يستشعر فيه بالقوة والاحترام كما حدث فى «الملك لير» وغيره. يرى المؤلف يسرى الجندى أن الفجوة بين مشكلات المجتمع والأعمال الفنية التى تطرح على الساحة ليست مقتصرة على المسرح ولكنها تشمل جميع أشكال الخطاب الفنى، معتبرا أن هذه القضية نتاج الثقافات العامة لدى المتلقى التى تعانى كثيرا من القصور والحدودية. وأوضح أنه رغم وجود اتجاه فنى فى السينما يحاول أن يشترك مع الواقع بقوة إلا أن ذلك الاتجاه لا يشكل الخريطة العامة للإنتاج السينمائى أو المسرحى أو الفنى بشكل عام، مضيفا أن ثقافة المجتمع فى الستينيات كانت متقدمة عما هى عليه فى الوقت الراهن حيث كانت معظم الاهتمامات قومية ومعظم الأعمال تتحدث بشكل مباشر أو بمجرد الإيماءات والإسقاطات عن كل ما يمر به المجتمع من أحداث وكل ما يتعرض له من مشكلات. وعلى الجانب الآخر، يعتبر الناقد الفنى سمير الجمل أن تناول الأحداث التى تجرى فى المجتمع ليست من مهمة المسرح، لأن «أبو الفنون» منوط بالأعمال الثقافية والروايات التى ارتبطت ارتباطا وثيقا بالجمهور العالمى مع إمكانية الإشارة إلى أى حدث عالمى أو دولى مهم من خلال الرؤية الإخراجية التى يتولاها مخرج العرض المسرحى حيث يحاول رصد الظاهرة وربطها بصميم المجتمع. وأكد أن الظواهر الاجتماعية التى ظهرت فى الآونة الأخيرة مثل إنفلونزا الخنازير أو أحداث الشغب الجزائرى فى السودان ضد المصريين مجرد أحداث رهينة الانتهاء فى أى وقت لايمكن الإشارة إليها فى عمل مسرحى لأن ذلك العمل سينتهى بانتهاء الحدث وبالتالى لا يكون عرضا شاملا يصلح لأى زمان ومكان، بينما يمكن أن نشير إلى تلك الأحداث بالحديث عن الانشقاق العربى والمشاكل القبلية بين بعض الدول. وعن أقرب العروض المقدمة للواقع يقول: أرى أن التجارب التى يقدمها مركز الإبداع للمخرج خالد جلال هى الأقرب لأنها تحاكى وتقارب الأحداث اليومية بشكل كبير وهى بالفعل تجارب ناجحة وجادة، معربا عن اعتقاده أن قربها من الحدث المصرى تحديدا هو ما أكسبها إقبالا جماهيريا واسع النطاق بجانب أنها تحقق المزج بين الماضى والحاضر والمستقبل بشكل جديد ومتطور.