هذه الأيام يعود معرض القاهرة للانعقاد فى دورته وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التى تمتلكها مصر، وعلى الرغم مما اكتسبته صناعة المعارض الناشئة من مكانة كبيرة فى السنوات الأخيرة لما تدره من عائد على اقتصاديات الدول، إلا أن وضعها فى بلادنا ما زال محدوداً وضعيفاً. معرض لمستلزمات المدارس، معرض لمنتجات رمضان، معرض للمنتجات السورية، هذه هى أنماط المعارض التى نجحت مصر فى تنظيمها. قائمة طويلة من المعارض يتم عقدها كل عام فى أرض المعارض، ولكنها بالفعل ليست إلا معارض صغيرة الحجم ومحدودة الدخل. معارض ذات سمة محلية لا تستوعب وجود أكثر من 30 عارضاً. حتى أكبر المعارض، معرض القاهرة الدولى، المنعقد فى أرض المعارض من 18 إلى 27 مارس، فحين تزوره، سرعان ما تدرك ضعف الخدمات وضيق المساحات المخصصة للمعارض الدولية فى مصر، وذلك على الرغم من كونه أكبر المعارض التى يتم قيامها فى مصر. 40 ألف متر مربع فقط هى المساحة الحالية المتاحة لصناعة المعارض فى مصر. مساحة محدودة للغاية لم تنجح فى استقطاب سوى 76 معرضا فى العام، غالبيتها معارض محلية وصغيرة. أليس هذا وضعا لا يليق بدولة بدأ بها نشاط المعارض منذ 1941؟ «إن البنية التحتية المتاحة الآن فى هيئة المعارض ليست قادرة على جذب أى معارض ذات سمة عالمية. صالات العرض محدودة وضيقة وغير مجهزة. المكان بأكمله غير مؤهل لاستقبال المعارض الدولية لقلة المساحة المستغلة به على الرغم من وجود مساحات كبيرة غير مستغلة»، وفقا لأحد العارضين بمعرض الكمبيوتر التى تم عقده فى يناير الماضى، مشيرا إلى أن مصر الآن بحاجة إلى عملية تطوير شاملة إذا كانت تريد أن تلحق بركاب الدول العربية الأخرى. هذا الوضع المتأخر، كما يقول شريف سالم، رئيس هيئة المعارض والمؤتمرات الدولية، هو الذى يحول دون نجاح مصر فى اكتساب مكان لها على خريطة صناعة المعارض فى العالم. وهذا ما بدأ تداركه فى الفترة الأخيرة، حيث بدأت هيئة المعارض تقوم بهدم المبانى غير المستغلة كما فعلت على سبيل المثال بإخلائها صالة الأثاث الدمياطية. مصر كانت أول دولة عربية تقوم بإنشاء أرض للمعارض فى عام 1961، وتم تخصيص حينئذ 18 مليون جنيه لاستكمال البنية الأساسية لهذا المشروع، إلا أنه بعد النكسة فى عام 1967 تم وقف التمويل ولم يكتمل المشروع. «هذا للأسف ما جعل هذه الصناعة محلك سر حتى الآن دون أن تدر عائدا حقيقيا للاقتصاد»، كما جاء على لسان شريف سالم، رئيس هيئة المعارض والمؤتمرات الدولية. وهذا ما أشار إليه وزير الصناعة والتجارة، رشيد محمد رشيد، من قبل قائلا «إن مصر لم تنجح حتى الآن فى تحقيق أى إيراد من صناعة المعارض، وذلك يرجع فى المقام الأول إلى عدم وجود أى فكر أو رؤية واضحة لها فى مصر. إن العملية لا تقتصر فقط على إيجاد أراضٍ وإمكانات بل الموضوع هنا يتعلق بكيفية إقامة صناعة للمعارض وللمؤتمرات على أساس سليم. هذا هو التحدى. إن دبى وجنوب أفريقيا على سبيل المثال نجحا فى وضع أنفسهما على خريطة المعارض وجذب جزء من هذه الإيرادات». لكن ما حجم العائد والإضافة التى يمكن أن تقدمها صناعة كهذه للاقتصاد المصرى؟ صناعة المعارض ناشئة ولكنها واعدة. صناعة المعارض من أهم الصناعات الناشئة التى تسهم بشكل فعال فى النمو الاقتصادى للبلدان المختلفة، ففضلا عن التعريف بالمنتجات والتقاء المستثمرين، فالمعارض تمثل دخلا سياحيا وفرص عمل دائمة ومؤقتة، بالإضافة إلى الإيرادات المرتفعة للمنظمين والدول المحتضنة. وتزداد أهمية هذه الصناعة، وفقا لسالم، فى الوقت الحالى كونها «مصدرا أساسيا للدخل والنشاط الاقتصادى خاصة الآن فى فترة الركود الاقتصادى نتيجة للأزمة العالمية». وهذا هو ما تلاحظه منذ دخولك معرض القاهرة وأثناء تجولك فيه. فبما أن هدف المعرض هذا العام، وفقا لسالم، هو تنشيط التجارة الداخلية وتوصيل المنتجات بسعر مناسب بل مخفض إلى المستهلك، فإن العروض والتخفيضات فى جميع أنحاء المعرض. صالات 5 و6 و7، هى صالات جميعها لمنتجات السيراميك، بها خصم يصل إلى 50%، أما صالة العرض المكشوف، حيث تعرض منتجات الأدوات الكهربائية، فيها خصم يصل إلى 30 و40%، والسجاد. صالة 4، وهى صالة الدول الأجنبية، بها أيضا منتجات متعددة، وبأسعار منخفضة. «الأزمة فرصة، ومن يريد الاستفادة منها ليخفض أسعار منتجاته بصورة حقيقية لكى يستفيد من القوة الشرائية التى تزور المعرض»، كما قال عبدالسلام المحجوب، وزير التنمية المحلية، عند افتتاحه للمعرض. معرض القاهرة الدولى من أكبر المعارض التى تحقق عائدا، إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن هذا العائد لا يقارن بحجم العائد على الاستثمار فى أى دولة أخرى. فعلى سبيل المثال، وصل حجم العائد على الاستثمار فى صناعة المعارض فى عام 2007 إلى 12 ضعف فى سنغافورة بينما ينفق الزائر للمعارض ثلاثة أضعاف ما ينفقه السائح العادى. ووفقا للدراسة التى أعدها مكتب الاتحاد العالمى لصناعة المعارض بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا عن عام 2006، «فإن صناعة المعارض فى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية دخلت مرحلة «الازدهار وتعديل المسار»، وهو ما يعكس حالة الرخاء العامة وعمليات التطوير والتحديث التى حدثت فى المنطقة. فتقول الدراسة إنه خلال عام 2006، أقيم 289 معرضا تجاريا فى منطقة دول مجلس التعاون الخليجية، مما يشكل زيادة قدرها 40% مقارنة بعام 2002». إذن لماذا لم تنجح مصر، على الرغم من تاريخها القديم فى هذه الصناعة، فى احتلال مكانة أكثر تقدما مثل دبى ودول مجلس التعاون الخليجى؟ الإجابة واضحة: «النمو فى مساحات العرض لدى هذه الدول، وتوافر البنية التحتية الصناعية، وهو ما يعد من أهم متطلبات الجهات المنظمة والعامل الأساسى فى جذب رءوس الأموال والاستثمارات الخارجية». كما يوضح أحمد حميد المزروعى، رئيس فرع الاتحاد العالمى لصناعة المعارض فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. فلم تعد إذن القاعدة الصناعية ولا تعداد السكان أو الموقع الجغرافى عوامل فاصلة فى جذب المعارض العالمية بل العامل الأساسى هو وجود بنية أساسية قادرة على استيعاب هذه المعارض وتأهيل الكوادر البشرية والأراضى والتجهيزات المخصصة للمعارض والأهم من ذلك هو دعم الدول لشركات تنظيم المعارض. «هذه التجربة استوعبتها جدا الإمارات، اليوم دبى تتصدر المنطقة، أبوظبى نمر صاعد، قطر تستعد لتكون نمرا واعدا، البحرين تجدد من إمكاناتها لتكون أيضا نمرا، السعودية بدأت تغير من استراتيجيتها وتغيّر من قوانينها، وأعتقد سوريا كذلك تحاول تلحق بهذا الركب»، كما يقول هشام الحداد، نائب رئيس اللجنة الدولية للمعارض. ولعل التجربة التركية خير مثال لدولة استطاعت أن تحقق طفرة فى صادراتها من خلال صناعة المعارض. فكما يوضح أحمد مطر، رئيس الاتحاد العربى للمعارض الدولية والمؤتمرات بالقاهرة، إن تركيا استطاعت من خلال صناعة المعارض أن ترفع صادراتها سنويا بنسبة 30%. مصر تشد الرحال للحاق بالركب الدور الآن على مصر. فهى الأخرى تستطيع أن تضاعف صادراتها فى ثلاث أو أربع سنوات إذا وضعت صناعة المعارض فى مكانها الحقيقى «بكونه رأس الحربة الهداف فى فريق التصدير»، كما جاء على لسان مطر. وهذا ما بدأت فيه هيئة المعارض الدولية. إعداد مدينة متكاملة مجهزة ومهيأة لاستقبال المعارض الدولية. «أكسبو سيتى». ويقوم هذا المشروع، وفقا لدراسة أعدتها هيئة المعارض الدولية، على ضم أرض المعارض وقاعة المؤتمرات لتبلغ المساحة الإجمالية للعرض 756 ألف متر مربع بتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار. كانت هيئة المعارض قد حصلت على قرض صينى بقيمة 200 مليون دولار على أن تقوم الصين بإنشاء هذه المنطقة، إلا أن الهيئة قامت بإحضار خمسة من أكبر المصممين العالميين وسيتم إجراء مناقصة يوم السادس والعشرين من أبريل يتقدم فيها هؤلاء إلى جانب التصميم الصينى، وستقوم لجنة التحكيم المكونة من 4 محكمين أجانب و3 مصريين، بالإضافة إلى صوتين لرئيس الهيئة باختيار أفضل تصميم. وما يبدو فى ظاهره ضروريا، يحمل فى باطنه جدلا كبيرا حول إمكانية تنفيذه. فعلى الرغم من أن الهيئة قد قطعت خطوات تنفيذية نحو تنفيذ المشروع بهدم عدد من صالات العرض، إلا أن الأمر لا يبدو سهلا بالنسبة لعدد آخر من المبانى الحكومية التى تحتفظ بعقود إيجار مع هيئة المعارض تمتد لعشر سنوات مقبله. وفى الوقت نفسه، هناك اختلاف حقيقى بين الحكومة نفسها حول الموقع لما قد يحدثه من أزمات مرورية وتعطل لحركة السير فى شارع صلاح سالم. «جميع الدول الناجحة فى صناعة المعارض، تقع مدن المعارض الخاصة بها فى وسط البلد، كيف يستطيع الناس أن يزوروا مدينة المعارض إذا أقمناها فى إحدى المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر أو غيرها، لن يأتى أحد إليها، وكأن شيئا لم يكن»، كما يقول سالم مكتفيا بهذا التعليق».