يفرض علينا الحياد والموضوعية أن ندور مع الحق والحقيقة أينما دارت ونبحث عنها مجردة شفافة لأنها أمانة ليست لنا فحسب بل لأنها ستصبح تاريخا تتوارثه الأجيال وليس من المقبول أو المنطقى أن تتوارث الأجيال تاريخا مزيفا وغير حقيقى. صدمنى الظهور الإعلامى الأول للدكتور الفاضل عبدالمنعم أبوالفتوح بعد أحداث انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة فى ندوة استمرت نحو الساعتين بقناة الجزيرة ليس لأننى أريد بالمصطلح البلدى (جنازة وأشبع فيها لطم) أو أريد فتنة تشق أهم فصيل وطنى فى بلادنا ولكن لأن الدكتور أبوالفتوح، الذى يمثل قيمة كبيرة للحركة الإسلامية فى تاريخها المعاصر غابت عنه الشفافية، التى يتميز بها عن غيره، والتى أعتقد أنها السبب الرئيسى فى إقصائه عن مكتب الإرشاد. كما كتبت من قبل مستنكرا ما حدث فى الإجراءات والخطوات، التى شابت عملية الاستفتاء التى تمت قبل الانتخابات، والتى مهدت لخروجه هو والدكتور حبيب، فالأمانة تقتضى منى أن أعلن أننى أخالفه فى كثير مما جاء على لسانه فى هذا الحوار وليسمح لى أوجه له عدة أسئلة أرجو أن يرد عليها: (1) هل كانت تقتضى الحكمة تسطيح التجاوزات التى حدثت سواء فى الإجراءات أو فى اللائحة من أجل التئام الجرح الذى حدث؟، وأسألك وأنت الطبيب النابه: هل يمكن أن تلتئم الجروح بعدما تكون امتلأت بالصديد؟ أم الأولى فتحها وتنظيفها؟، أليس كما تعلمنا منكم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟ (2) أرجعت سيادتك عدم انتخابك لمكتب الإرشاد بأنه يعود لأنك أصلا لم تخض الانتخابات لأنك اعتذرت وأعلنت عن عدم الترشح لمنصب المرشد أو مكتب الإرشاد، وأسمح لى يا سيدى بأن أقول إن فى هذا استخفاف بعقولنا ومجافاة للحقيقة، فكيف تكون اعتذرت ولم يعلن ذلك أو يوضح لأعضاء مجلس الشورى مثل اعتذار الشيخ عبدالله الخطيب.. وهل هناك معتذر تجرى عليه انتخابات إعادة؟ ولماذا لم يتم الإعلان عن هذا فى حينه؟ ولماذا لم يتم إرسال ورقة ترشيح لك من أصله صباح يوم السبت بعد وصولك مثلما وصلت الدكتور حبيب فى مثل هذا التوقيت؟ (3) لماذا لم تتطرق فى حديثك عن طريقة خروج النائب الأول للمرشد الدكتور حبيب من مكتب الإرشاد.. وهل هى فعلا لممارسة انتخابات حقيقية أقصت الرجل الثانى فى الجماعة! أم عقاب للرجل عن حديثه فى أزمة العريان وإفشائه سر تكتل جميع أفراد مكتب الإرشاد ضد تصعيد العريان، وأن هذا هو السبب الرئيسى فى غضب المرشد، بل وإعلانه تولى مهام المرشد خلال الفترة المقبلة، والتى أزعجت البعض وأحسوا بأن هناك من يحاول فضحهم أمام الرأى العام عامة والإخوان خاصة.. ولماذا لم تذكر تغير موقف الأستاذ مهدى عاكف 180 درجة فى التعامل مع الدكتور حبيب فبعد أن فوضه بالقيام بمهامه (أمام شهود) تراجع وعاد ونفى هذا التكليف بناء على رغبة الكثير من أعضاء مكتب الإرشاد!. (4) لماذا لم تستثمر ما أثاره المهندس حامد الدفراوى، والذى دعمته آراء قامات كبيرة من رجال القانون والقضاء من أن نسبة التعيين الكبيرة، التى تتم داخل مجلس الشورى العام غير قانونى وينسف فكرة الانتخابات برمتها؟ ولماذا لم تؤكد عدم اعتماد مجلس الشورى للائحة، التى أجازت هذا الحق وإنما أجازها مكتب الإرشاد بموجب بند آخر يعتبر (قانون طوارئ)، وهو تولى مكتب الإرشاد مهام مجلس الشورى فى حالة تعذر انعقاده؟ أى أن مكتب الإرشاد أعتمد اللائحة التى عدلها بنفسه! (5) لماذا لم تقل صراحة إن توجهك الفكرى المستنير والمنفتح فى الكثير من المواقف وآخرها حديثك عن المشروع الإسلامى الحضارى وعن انتخابك للدكتورة نهى الزينى أو الدكتور رفيق حبيب لرئاسة الجمهورية كانت سببا رئيسا فى استبعادك؟ (6) لماذا لم تحدثنا عن طريقة انتخاب أعضاء مجلس الشورى.. فطريقة (الكل يترشح الكل ينتخب) طريقة غير مناسبة بدون تعريف وبدون برامج جعلت الانتخاب عن طريق السمع والشهرة وجعلت عملية التغيير والتبديل والإحلال شبه متوقفة من زمن مما أدى لظهور تكتلات لقيادات بعينها؟ (7) ما رأى سيادتك فى تحرك النظام المصرى الذى يفسره البعض دعم لتيار على حساب الآخر تمثل فى ترك عملية الاستفتاء تتم لمرتين والانتخاب والفرز كذلك وبدون أى مضايقات تعرقل أو تجهض التصويت بل قام بالإفراج عن أعضاء معتقلين من مجلس الشورى قبل الانتخابات مباشرة! خلاف التوقيت المدهش للإفراج عنك قبل الانتخابات بأقل من شهر، وهو الأمر الذى فسره بعض المراقبين بحرمانك من الاستفادة من التعديل الذى تم فى اللائحة والذى يحفظ عضوية مكتب الإرشاد للأعضاء المعتقلين؟ (8) ما رأيك فى الورقة التى نشرتها مجلة المصور وفيها يوجه الدكتور محمود عزت الناخبين بالأمر المباشر إلى مرشحين بعينهم واستبعاد آخرين! ولو صح ما فيها فبماذا تفسره؟ أليس هذا هو الرجل الذى جملته فى حديثك وقلت عنه إنه رجل منفتح ومقتنع بالعمل العام ويقف فى المظاهرات بنفسه؟ (9) هل تعلم مدى خطورة وصفك نصف أعضاء مكتب الإرشاد الجديد بأنه تلامذتك وأنت تعلم الكثير والكثير؟ (10) قلت قبل الانتخابات الأخيرة على العابثين باللائحة أن يتوقفوا، ووصفت ما يحدث بأنه تنافس وليس إقصاء، فهل توقف العبث؟ وإذا لم يكن ما حدث إقصاء صريح فبماذا تسميه؟ يا صاحب التأسيس الثانى، ويا من سلمت جيل بأكمله من الجماعة الإسلامية إلى الإخوان المسلمين فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، إلى أين تسلم جيلا كاملا من الشباب راهن عليك بكلامك هذا؟ «تحرير العقول والنهوض بهذه الجماعة التى نراهن عليها فى التغيير داخل بلادنا لن يكون بالتسكين والصمت ولن يكون بتكريس الاستكانة والضعف.. بل يكون بقولة حق مرة وبرجال شجعان فى الحق والدعوة إليه». عذرا سيدى فلقد سلكت دون أن تدرى نفس مسلك من يقصى الآخر ويدجن اللوائح على هواه، ويعتقد أن مقصده خير وهو الحفاظ على الكيان والتنظيم وأنت فعلت هذا بغرض حفظ ماء وجه الجماعة والتئام الشمل. فهناك من قد يثمن هذا الموقف ويعتبره نبيلا، أما من يريد أن يفهم ويعرف ماذا يحدث فحسابه عليك إن مات هما وكمدا. كنت أتمنى أن تخاطب الصف الإخوانى وتوعيه بصورة أعمق حتى يفيق ويضغط ديمقراطيا فى اتجاه التغيير، وأن تحرج أصحاب الممارسات الخطأ حتى يتوقفوا عنها، وهذه هى الديمقراطية الحقيقية والشورى الحقيقية، وليغضب من يشاء طالما يقولون إنهم أصحاب الحق وأن الانتخابات كانت لائحيا وإجرائيا غاية فى النزاهة وأن كل شىء على ما يرام، فصاحب الحق لا يغضب أبدا من افتضاح ممارساته وأفعاله طالما أنها تسير فى الاتجاه الصحيح، بل يرحب بها إن كان يريد الإصلاح. ولقد عاتب المولى عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم فى القرآن، ولم يقل ناقل أو عاقل.. لما فعل الله عز وجل ذلك.. ولم لم يسر له بهذه المعاتبة أو كانت وحيا فى غير القرآن؟ ولكن الله عز وجل أرادها فى قرآن يتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة، ليخبر الناس جميعا بأنه ليس هناك أحد فوق المساءلة والمحاسبة العلنية حتى ولو كان رسوله المصطفى. وأختم كلامى بتعليق كتبه أحد الشباب على موقعك الإلكترونى يقول فيه: «أستاذى الكريم إن لم يقل كلمة الحق مثلك فهل تنتظر أن يخرج أمثالنا من الشباب ليقولوا ذلك.. ومن سيسمع لهم حينها..؟» أستاذى الكريم نحن لا نطعن فى إخلاص أحد ونعلم أن إخواننا الذين يرون السرية فى العمل والتضحية والصبر فى تلقى الضربات والنأى بالجماعة عن أعين المجتمع نعلم أنهم مخلصون وأنهم يعملون وفق رؤيتهم لحماية الجماعة.. وهم أحوج أن نمنعهم عن ظلمهم لأنفسهم ولإخوانهم بأن نبين لهم الحقيقة وأن نكف أيديهم وإلا فإننا نقصر فى حق نصحهم ونخون عهدا قطعناه على أنفسنا ونؤخر على الأمة سنوات فى الضياع والعذاب وتذوق الآلام ممن يتحكمون فى رقابهم ولا أدرى كيف نقابل ربنا وكيف نجيب سؤاله؟ هل سنجيبه بأننا كنا نحافظ على الصف.. وهل ما يجرى من تغييب وتهميش للجادين هو الحفاظ على وحدة الصف؟».