فى الشهور الماضية قررت دول عربية مختلفة إقامة علاقات مع إسرائيل. ودول أخرى تفكر فى ذلك. السؤال، وبعد دروس العدوان الإسرائيلى الأخير على غزةوالقدس هو: هل تعيد هذه الدول التفكير فى الأمر، بعد أن ثبت خطأ معظم الحسابات والتصورات التى اعتمدت عليها، ومنها مثلا أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها من صواريخ بدائية تنتجها أو تحصل عليها أو تطورها المقاومة الفلسطينية، وبالتالى، فهى لن تكون قادرة بالضرورة على حماية غيرها! العدوان الإسرائيلى علي غزة جاء سريعا، ولم يعط الدول المطبعة حديثا حتى مجرد تثبيت وتوثيق علاقتها مع تل أبيب. ومن سوء حظها أيضا أن غالبية المبررات التى رفعتها هذه البلدان، ثبت أنها كانت شكلية. ربما تكون هناك بلدان عربية اضطرت لتطبيع علاقتها مع إسرائيل ثمنا حتميا للحصول على مكسب وطنى أو إقليمى، أو مساعدة أمريكية فى ملف حساس لديها، مثلما هو الحال مع المغرب الذى حصل من واشنطن على ثمن مهم بانحيازها لوجهة نظر الرباط، فى قضية الصحراء. أو كما هو الحال فى الحالة السودانية، حيث قررت واشنطن حذف اسمها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وتسوية ملف التعويضات، التى دفعتها الخرطوم، بسبب اتهام واشنطن لها بالتورط فى الهجوم على سفارات وأهداف أمريكية فى أفريقيا، إضافة إلى إعطاء الإشارة الخضراء لمؤسسات التمويل الدولية والعربية للعمل مع السودان الذى يعانى من أزمات اقتصادية خانقة. وربما يكون البعض قد فكر فى الاستعانة بإسرائيل كمدخل للحماية من تهديدات إيرانية محدقة، أو الحصول على «الرضا الأمريكى»، فى عهد جو بايدن، بعد أن كان الطريق للبيت الأبيض مفتوحا تماما أمامهم فى عهد دونالد ترامب. لكن المشكلة أن نتنياهو نفسه رئيس الوزراء الإسرائيلى، عانى كثيرا حتى تلقى اتصالا من الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى عامله بجفاء كبير، نظرا لعلاقته الوثيقة مع ترامب من جهة، ثم أن بايدن لا ينسى أن نتنياهو تحدى إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وخاطب الكونجرس من وراء ظهر البيت الأبيض عام 2015، مستعرضا عضلاته بأنه أقوى من أوباما ونائبه بايدن وبقية إدارته. وبالتالى فإن الرهان على إسرائيل ونتنياهو كمدخل لقلب بايدن، لم يكن خيارا صحيحا بالمرة. صحيح أن بايدن وكل الإدارات الأمريكية منحازة دوما إلى إسرائيل، وتحرص على إبقائها متفوقة على كل الدول العربية مجتمعة، لكن الصحيح أيضا أن هناك فروقا بين رئيس ورئيس، والدليل أن بايدن أعاد اعتراف بلاده بمبدأ الدولتين فلسطينية وإسرائيلية، وإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية وكذلك المساعدات المالية، وفى طريقه لإعادة إحياء الاتفاق النووى مع إيران. النقطة الجوهرية هى إصرار البعض على أن إقامة علاقات مع إسرائيل، يعنى مساعدة الفلسطينيين على سرعة نيل حقوقهم ووقف البلطجة الإسرائيلية، ووقف الاستيطان. وقد ثبت يقينا للجميع أن هذا الإصرار محض أوهام، وأن إسرائيل لم ولن تقيم سلاما مع الفلسطينيين أو غيرهم، إلا حينما تشعر أنها ستدفع ثمنا فادحا حال استمرارها فى الاحتلال. ولو أن الدول التى أقامت علاقات مؤخرا مع إسرائيل، فكرت مثلا فى التجربة المصرية مع إسرائيل، ربما لتريثت كثيرا. مصر أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل فى عام 1979، ورغم أنها حررت أرضها المحتلة بموجب هذه الاتفاقية، وحصلت على مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية ثمنا لهذا الاتفاق، فإن هذا «السلام» ظل باردا ومجمدا، حتى هذه اللحظة. تجربة العدوان الإسرائيلى الأخير مهمة جدا ودروسها كثيرة تحتاج إلى التروى والتأمل. من بين هذه الدروس أن فكرة الاعتماد على إسرائيل كجسر للوصول لقلب واشنطن أو أوروبا، أو حتى للحماية من عدو ظاهر أو باطن، ثبت أنها مشكوك فيها إلى حد كبير، وبالتالى فكل الأمل أن يفكر كل من «هرول» إلى إسرائيل فى إعادة النظر والتأمل فى الدروس التى عرفناها جميعا خلال 11 يوما من العدوان الوحشى المستمر، والذى انكسر فى النهاية على نصال المقاومة الفلسطينية. لا أطالب الحكومات التى سارعت بالتطبيع مؤخرا أن تعلن الحرب على إسرائيل، بل أتمنى أن تدرس خيار التهدئة والتروى فى الاندفاع ناحية إسرائيل، إن لم يكن من أجل القدس وقضية العرب المركزية، فعلى الأقل من أجل صورتهم أمام شعوبهم ومصالحهم الوطنية.