بات الاغتراب أمرا واقعا على ما يقرب من 7 ملايين مصرى، من بينهم من تمسك بحياته فى البلد الآخر حتى بعد زواجه، تاركا حياة زوجية بحاجة إلى مزيد من التآلف بين طرفيها خصوصا فى السنة الأولى التى تحمل أهمية خاصة فى إيجاد تفاهم بين الزوجين. وأمام هذه الحاجة للتقارب والبعد المكانى يتطوع الإنترتترك إيمان صديقاتها على عجل، تأخذ السيارة وتنطلق بها فى اتجاه المنزل، ومن وقت لآخر تنظر إلى الساعة، يرن الموبايل رنة واحدة، تنظر للهاتف منزعجة من المرور الذى يعطل عودتها للمنزل، تمسك بالموبايل وتبعث برسالة، منتظرة أن يتحرك الطريق فى صبر حتى تصل إلى منزلها الهادىء. فور دخولها المنزل، تفتح جهاز الكمبيوتر، وتبدل ملابسها فى الوقت الذى يحمل فيه الجهاز، تمسك الهاتف مرة أخرى وتتصل اتصالا قصيرا ثم تفتح برنامج الدردشة على جهازها وتثبت الكاميرا، فتجد زوجها على الشاشة مبتسما! إيمان هى (مدام إيهاب) الشاب الذى يعمل فى الإمارات منذ سنوات، وتزوجته منذ خمسة أشهر، قضت منها ثلاثة تراه عبر الإنترنت، فى مواعيد يومية محددة، يذكرها بها من خلال «رنّة» على هاتفها. «غرفة الدردشة هى (عش الزوجية) الذى يجمعنى بزوجى حاليا!» تقول إيمان ذلك ضاحكة وتضيف: «أراهن أنه على الدردشة مئات إن لم يكن آلاف الأزواج مثلنا!» ويقضى الزوجان الشابان وغيرهما كثيرون السنة الأولى لزواجهما كل منهما فى بلد، لتصبح وسائل الاتصال المختلفة هى السبيل لإطلاع كل منهما على أحوال الآخر، وتحقيق مزيد من التعارف بينهما. والانترنت هو سيد هذه الوسائل، باعتباره متاحا ورخيصا، فتركيب برنامج للدردشة (تشات) يتيح للطرفين رؤية بعضيهما من خلال كاميرا صغيرة، بالإضافة إلى إمكانية الدردشة بالصوت أو الكتابة، وتكلفة ذلك كله هى نفس تكلفة ساعة الإنترنت. وتكتسب السنة الأولى خصوصية أنها الفترة الأكثر حرجا فى عمر الحياة الزوجية، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة هيوستن الأمريكية أن العامين الأولين من الزواج يحددان مصيره، وخرجت نتائج الدراسة بناء على متابعة 156 زوجا وزوجة اقترنوا ببعضهم قبل 15 عاما، ووجدوا أن من أنهوا حياتهم الزوجية بالطلاق وجدوا عدم توافق كبير فى العامين الأولين، وأنا ممن يعتبرون أنفسهم أزواجا أو زوجات غير سعداء، لم يكونوا سعداء فى الأشهر الأولى لزواجهما. وتحتار إيمان فى تقييمها لسعادتها بالوضع الحالى: «من ناحية أشعر أننى لم أتزوج بعد! لأننى لم أعش الحياة الطبيعية بعد الزواج سوى شهرين فقط، أما الآن فأنا مقيمة ببيت والدى، وآتى منزلى فقط للتشات أو لتنظيفه!» وتواصل: «وضعى بعد الزواج لم يختلف عن الخطوبة، فالتعامل بينى وبين زوجى اليكترونى، لأنه غائب»، غير أن إيمان تحاول إيجاد بعض الإيجابيات فى حالتها: «عدم كونى زوجة بالشكل التقليدى يساعدنى على تحقيق مزيد من النجاح فى العمل، فأنا لست مشغولة بإدارة البيت كغيرى، إضافة إلى أن عمل زوجى فى الإمارات يحقق له ربحا أفضل من هنا». الزوج الإليكترونى! لكن إيهاب لا يتردد فى الاعتراف بكونه غير مرتاح بوضعه الحالى: «عدت إلى عملى فى الخليج بعد شهرين من الزواج، وهو شىء لا أنكر أنه صعب، لأن أسلوب حياتى فى هذين الشهرين كان مختلفا عما قبلهما، بالتالى فالعودة ثانية لنقطة البداية كان متعبا»، وهو ما دعاه إلى البحث عن فرصة عمل لزوجته بالبلد الذى يعمل به، لكنه لم يجد بعد ما يناسبها. ومنذ فترة الخطوبة حتى الآن كانت الدردشة الإليكترونية هى وسيلته لتقارب إيهاب مع إيمان شريكة عمره «الإنترنت نعمة كبيرة! فهو أرخص من الهاتف، فضلا عن كونه يتيح للشخص أن يرى الطرف الآخر»، لذلك استمر الزوج الشاب فى التواصل مع زوجته عقب سفره بعد الزواج «كنت أون لاين مع زوجتى كل الوقت تقريبا! كلما استطعت، فى العمل، أفتح برنامج الدردشة، وفى البيت أقضى ساعات فى التحدث إليها، وأحكى لها عن تفاصيل يومى، وهى أيضا»، غير أن الوضع لم يكن على ما يرام طوال الوقت، إذ يقول إيهاب: «تدريجيا شعرت بفتور تجاه استعراض هذه التفاصيل أون لاين! ليس فتورا تجاه زوجتى أبدا، إنما الحالة نفسها!». ويعتبر الدكتور وائل أبوهندى أستاذ مساعد الطب النفسى بجامعة القاهرة أن الوصول إلى هذه الحالة متوقع، فتعايش الزوجين عبر الإنترنت هو «وضع غير صحى ويمس الإحساس بالسكن والمودة الموجود فى الزواج»، ومن رأيه أن «الإنترنت وسيلة جيدة لتحقيق التواصل بين طرفين يعرف كل منها الآخر على أرض الواقع، غير أن ذلك لا يعنى أنه يحقق نفس التواصل الطبيعى بالدرجة التى يحدث بها بين شخصين داخل نفس المنزل». تعارف تدريجى على النقيض من إيهاب يقف محمد، الذى يقول فى سعادة «أعتبر نفسى لم أتزوج بعد»! ويعمل محمد فى إحدى الشركات القطرية، التى التحق بها بعد عام من تخرجه: «بعد استقرارى ماديا والحمد لله، قررت الزواج، وكان الأمر محسوما لدى بالنسبة لكونى سأتزوج مصرية». تزوج الشاب إحدى صديقات شقيقته الصغرى، ولم يرها قبل الخطوبة سوى مرات قليلة، ويروى: «نزلت إجازة وفى خلال شهرين تمت الخطوبة، وعدت بعدها إلى قطر، وبعد حوالى تسعة أشهر عدت وتزوجتها»، طوال فترة الخطوبة كان التواصل بينهما يتم عبر الهاتف، لكنه كان تواصلا محدودا كما يقول محمد، الذى يبرر ذلك قائلا «أنا وزوجتى ميالين لاتقاء الشبهات! فلم أكن أحادثها كثيرا، إنما باعتدال، أما الدردشة عبر الإنترنت فكانت أمرا مؤجلا، البريد الإليكترونى فقط!» والسبب فى سعادة محمد بالوضع الحالى هو أنه يخلق لديه نوعا من الإحساس افتقده: «أنا أشعر الآن وكأن عندى (جيرل فريند) ولكنها صحبة حلال! أنا أكتب لها خطابات وأحادثها فى الهاتف والتشات، تماما كما يفعل بعض الشباب مع صديقاتهن، حتى لو كن فى نفس البلد». وبنظرة موضوعية يذكر محمد: «أنا وزوجتى لم تكن لدينا الفرصة الكافية للتقارب، لذلك من الصحى أن يتم ذلك تدريجيا، بمعنى أنها فى مصر وتتحدث معى وتعرفنى (واحدة واحدة)، ثم أدعوها إلى هنا لتستقر. بعد أن يكون قد وجد بيننا نوع من الألفة»، غير أن أستاذ الطب النفسى وائل أبوهندى يعتبر أن هذا النوع من التعارف غير كاف وأحيانا غير حقيقى، ففى رأيه أن «التشات والإنترنت عموما يخلق للفرد شخصية افتراضية، بمعنى أن الطرف الآخر يفترض فيك أشياء غير موجودة بسبب تصرفات يخطىء فى تفسيرها، أو يفهم كلماتك بمعنى غير الذى تقصده». لكن ربما كان كريم أقل حظا من إيهاب فى توافر الإنترنت، ومن محمد فى التكيف مع الوضع «الإليكترونى « الجديد. يدرس كريم فى ألمانيا ضمن منحة دراسية، بينما لا تزال زوجته فى مصر، ويظل استخدام الإنترنت مقننا لديه بسبب ارتفاع التكلفة، فالهاتف والبريد الإليكترونى هما أدوات اتصاله بزوجته أكثر من برامج الدردشة. وفى رسالته الإليكترونية التى يحكى فيها كريم عن تجربته، رسم وجها باسما وكتب «هل شاهدتى فيلم You Have Got a Mail... أنا ألعب اليوم دور توم هانكس فى الواقع!» قاصدا بذلك الفيلم الأجنبى الذى كان بطلاه يتبادلان الخطابات الإليكترونية إلى أن أحبا بعضيهما، دون أن يرى أى منهما الآخر، بينما فى الحقيقة كانا متنافسين فى العمل! ويسرد كريم تجربته من بدايتها «وقت الخطوبة علمت بقبولى فى منحة دراسية، ضمن أحد البرامج التعليمية التى تقدمت إليها منذ فترة، وكان الموعد المقرر لسفرى بعد شهرين من زواجى. وبقدر ما كان قبولى للدراسة فى ألمانيا مفرحا، بقدر ما أربك ترتيبات الزواج، خاصة أن المنحة لا ترحب باصطحاب الزوجات، ولا تقدم دعما ماليا إلا للطالب فقط» وعندها وضع كريم خطيبته أمام خيارين. إما الاكتفاء بعقد القران وسفرى ثم يتم الزواج بعد عودتى، أو أن تسير الأمور فى مواعيدها، وقبلت هى الخيار الثانى. ولم يكن تحقيق مزيد من التعارف هو الأمر الذى يقلق كريم، فهو يعتبر نفسه يعرف زوجته جيدا التى اقترن بها بعد فترة خطوبة استمرت عامين كاملين، وقبلهما قصة حب لمدة عام، لكنه يقول «الابتعاد عنها حرمنى الإحساس بالزواج كأسلوب حياة جديد، والتليفون أو حتى الإنترنت لا يفلح فى تعويض ذلك»، ويؤكد: «كنت أفضل أن نظل بعد زواجنا سويا، نحن تزوجنا من الأصل لنكون سويا!» وأمام البعد المكانى الذى يعتبره كريم سببا فى اضطراب تخطيطه لحياته الزوجية، قرر وزوجته تأجيل الإنجاب، معتبرا أن «استقبال طفل مسألة ليست سهلة، لا أريد أن أحرم نفسى من معايشة كل تفاصيلها، أفضل أيضا أن أكون مع زوجتى فى أول حمل لها». (التشات) ليس شريك حياة فى كتابه «روعة الزواج» كتب الطبيب النفسى الراحل الدكتور عادل صادق: «صباح الخير هى مبرر كاف لأن تتزوج! أنت تتزوج من أجل أن تجد إنسانا يقول لك فى كل صباح: صباح الخير، معناها أننى أريد أن أقول لك إنك لست وحيدا، إننى معك وبك وإننا على الطريق الحلو والمر، هيا بنا ننهض ونبدأ يومنا». لا تسمع هبة كلمة «صباح الخير»رغم أنها تزوجت بعد حب استمر أربع سنوات وتستعد لإنجاب طفل. «أنا لم أجرب الحياة الزوجية سوى شهرين فقط، بعدها عاد زوجى للبلد الذى يعمل به». تقول هبة العبارة نفسها التى تتشابه مع رأى محمد، لكن بروح مختلفة تماما، فهى غير راضية عن ابتعادها عن الزوج، وتقول: «كنت أعلم أن الوضع لن يكون مريحا لذلك أصررت على أن أنتقل بعد الزواج للعيش معه فى الخليج، واتفقنا على ذلك»، لكن هذا الاتفاق لم يجد مكانا من التنفيذ بعد الزواج، فقد بقى زوجها معها شهرين ثم سافر مرة أخرى ليواصل عمله ويبحث لها عن عمل، حتى اكتشفت هبة حملها. من وقتها باتت وسيلة الاتصال بينها وبين زوجها هى الإنترنت والتليفون. وكلاهما مكلف وغير مستقر، وتقول الزوجة الشابة: «التليفون، وسيلة مكلفة جدا بالطبع، أصبحنا ننتظر العروض الترويجية التى تقدمها شركات المحمول كى نحظى بسعر أرخص أو مزيد من الدقائق!». أما ساعة الإنترنت فغالية السعر فى البلد الذى يعمل به الزوج، فضلا عن غياب الخصوصية، حيث يجرى محادثاته مع هبة من أحد مقاهى الإنترنت، إضافة لانشغاله بالعمل ليل نهار فى ظل فارق توقيت ساعة أو ساعتين عن مصر، مما يجعل التقاءهما على التشات يوميا أمرا صعبا. وتنفى هبة تماما فعالية الإنترنت فى تعويض البعد المكانى بين الزوجين قائلة: «الإنترنت لا يوصل مشاعر، وما يوصله غير كاف ليحقق معنى (شريك الحياة) الذى نتزوج من أجله»، وهو ما يخلق تخوفا لديها من استمرار الوضع على ماهو عليه بعد أن تضع مولودها، وتتصور أنه سيكون «غير شاعر بمعنى أن له أبا، وأنا سأحوّل زوجى إلى مصدر للنقود فقط!». يحذر الطبيب النفسى وائل أبو هندى من إمكانية حدوث ذلك، حيث يؤكد أن «هناك بالفعل أزواجا لديهم أبناء فى الجامعة، وتحصل بينهم مشكلات كبرى، والسبب فى ذلك بعد كل هذه السنين أن الزوجين يتعرفان إلى بعضهما للمرة الأولى! فالأب كان مسافرا لسنوات وعلاقته بالزوجة والأبناء كانت تمويلية!». استمرار الوضع أيضا يثير قلق هبة وغيرتها، خاصة أنها تعترف بكونها غيورة، ويوضح الدكتور أبوهندى أن الشخص عندما يتحدث مع آخر عبر الشاشة لفترة، فأنت تفكر جزءا من الوقت فيما يفعله هذا الشخص (أوف لاين) أو فى الأوقات التى لا يكون فيها أمامك، ومن هنا تظهر مشكلة الغيرة. وفى الزيجات التى يعيش فيها الطرفان بمنزل واحد، تظهر أنواع أخرى من المشكلات تتعلق باختلاف طريقة حياة كل منهما، حتى مع تقارب الطباع، هذه المشكلات لعلها السبب فى وقوع أكثر من 34 بالمائة من حالات الطلاق فى مصر خلال السنة الأولى للزواج، وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المصرى عام 2007. دردشة أفضت إلى عقد شهد العالم العربى هذا العام أول عقد قران عبر الإنترنت، بين شاب سعودى يدرس بالولايات المتحدة وفتاة سعودية مقيمة بالمملكة، وعبر برنامج الدردشة المرئية تمت مراسم الزواج وأقيم حفلا الزفاف متزامنين فى أمريكا والسعودية والسبب أن الشاب لو عاد إلى بلده للزواج ثم رجع لاستكمال دراسته بالولايات المتحدة، لن يحصل بسهولة على تأشيرة الدخول للدراسة فى أمريكا! وكانت مشكلة الطرفين، بعد قرارهما بالزواج «أون لاين» هى العثور على مأذون يقبل توثيق هذا النوع من الزواج، وهو ما نجحا فيه وتم زواجهما بالفعل، وما نزال فى انتظار مرور أعوام على هذا الزيجة، لتقييم فعالية (التشات) فى تقريب الزوجين!