رحلت عن عالمنا اليوم الكاتبة الكبيرة نوال السعداوي، عن عمر ناهز التسعين عامًا، بعد صراع مع المرض. ولدت السعداوي في 27 أكتوبر عام 1931، لعائلة تقليدية بإحدى قرى مركز بنها التابع لمحافظة القليوبية. استمدت من والدها احترام الذات ووجوب التعبير عن الرأي بحرية وبدون قيود مهما كانت النتائج، كما شجعها على دراسة اللغات. توفي كلا والديها في سن مبكرة لتحمل نوال العبء الكبير للعائلة. تخرجت من كلية الطب جامعة القاهرة في ديسمبر عام 1955، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية وعملت كطبيب امتياز بقصر العيني. تزوجت في نفس العام من زميل دراستها في الكلية أحمد حلمي، ولم يستمر الزواج لفترة طويلة فانتهى بعدها بعامين. وتزوجت مرة ثانية من رجل قانون ولم يستمر هذا الزواج أيضا، حتى قابلت زوجها الثالث الطبيب والروائي الماركسي شريف حتاتة، وأنجبت منه ولدا وبنتا، وهو الزواج الذي انتهى بعد 43 عاما معا. خلال عملها كطبيبة، لاحظت المشاكل النفسية والجسدية للمرأة الناتجة على الممارسة القمعية للمجتمع والقمع الأسري، والصعوبات والتمييز الذي تواجهه المرأة الريفية؛ وكنتيجة لمحاولتها للدفاع عن إحدى مرضاها من التعرض للعنف الأسري، تم نقلها إلى القاهرة، لتصبح في نهاية المطاف المدير المسؤول عن الصحة العامة في وزارة الصحة. في عام 1972، نشرت كتابا بعنوان "المرأة والجنس"، مواجهة بذلك جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان والطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة، وأصبح ذلك الكتاب النص التأسيسي للموجة النسوية الثانية، وكنتيجة لتأثير الكتاب الكبير على الأنشطة السياسية أقيلت نوال من مركزها في وزارة الصحة، لم يقف الأمر على ذلك فقط، فكلفها ذلك أيضا مركزها كرئيس تحرير مجلة الصحة، وكأمين مساعد في نقابة الأطباء. من عام 1973 إلى عام 1976، اهتمت نوال بدراسة شؤون المرأة ومرض العصاب في كلية الطب بجامعة عين شمس. ومن عام 1979 إلى 1980، عملت كمستشار للأمم المتحدة في برنامج المرأة في أفريقيا (ECA) والشرق الأوسط (ECWA). ساهمت نوال في تأسيس مجلة نسوية تسمى المواجهة، وحكم عليها بالسجن 6 سبتمبر 1981 في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم أطلق سراحها في نفس العام بعد شهر واحد من اغتيال الرئيس. بعد خروجها، قامت بكتابة كتابها الشهير "مذكرات في سجن النساء" عام 1983، ولم تكن تلك هي التجربة الوحيدة لها مع السجن، فقبل ذلك ب9 أعوام كانت متصلة مع سجينة، واتخذتها كملهمة لروايتها "امرأة عند نقطة الصفر" عام 1975. نتيجة لآرائها ومؤلفاتها، تم رفع العديد من القضايا ضدها من قبل الإسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ما وصفت ب"قائمة الموت للجماعات الإسلامية"، حيث هددت بالموت. رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر 12 مايو 2008، إسقاط الجنسية المصرية عن المفكرة المصرية نوال السعداوي، في دعوى رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها. وفي عام 1988، سافرت خارج مصر، وقبلت عرض التدريس في جامعة ديوك وقسم اللغات الأفريقية في شمال كالورينا، وأيضا جامعة واشنطن، وشغلت العديد من المراكز المرموقة في الحياة الأكاديمية سواء في جامعة القاهرة داخل مصر أو في هارفرد، جامعة ييل، جامعة كولومبيا، جامعة السربون، جامعة جورج تاون، جامعة ولاية فلوريدا، أو جامعة كاليفورنيا في خارج مصر. عادت نوال إلى مصر بعد 8 سنوات أي في عام 1996، وفور عودتها أكملت نشاطها وفكرت في دخول الانتخابات المصرية عام 2005، لكن لم تقبل بسبب شروط التقديم الصارمة. أسست السعداوي جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982، بالإضافة إلى تأسيسها لجمعية التربية الصحية وجميعة للكاتبات المصريات، وساعدت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان. شغلت العديد من المناصب منها: منصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة بالقاهرة، الأمين العام لنقابة الأطباء بالقاهرة، غير عملها كطبيبة في المستشفي الجامعي. وعملت فترة كرئيس تحرير مجلة الصحة بالقاهرة، ومحررة في مجلة الجمعية الطبية. نالت 3 درجات فخرية من 3 قارات. ففي عام 2004 حصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا. وفي عام 2005 فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا، وفي عام 2012 فازت بجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا. كما نالت عضوية المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية بالقاهرة. أصدرت نوال السعداوي خلال مسيرتها عددا من المؤلفات منها: "مذكرات طبيبة، أوراق حياتي، مذكرات في سجن النساء، سقوط الإمام. قضايا المرأة المصرية السياسية والجنسية، معركة جديدة في قضية المرأة، الإنسان اثني عشر امرأة في زنزانة، موت الرجل الوحيد على الأرض، تعلمت الحب، توأم السلطة والجنس، رحلاتي في العالم، جنات وإبليس، الصورة الممزقة، المرأة والجنس، امرأة عند نقطة الصفر وغيرها من المؤلفات. كانت نوال من ضمن المتظاهرين في ميدان التحرير في ثورة يناير عام 2011، كما طالبت بإلغاء التعليم الديني في المدارس.