استلهمت قيم المصريين القدماء فى قالب معاصر للتنفيذ ما صنع حالة فريدة «دموع الحياة التى سالت من شرور الأرض فلمستها سلاما ونورا فحولت الموت إلى الحياة والظلمة إلى النور»، استلهاما من أسطورة إيزيس وقيم الحضارة المصرية القديمة يأتى معرض «طيف الأمل» للفنانة التشكيلية نهال وهبى التى تتباين أعمالها ما بين الرسم والتصوير الفيديو والتركيبات التشكيلية وهى تخوض فى استخدام وسائل تعبير جديدة حسب الرؤية الفنية للعمل ذاته. أعمالها تستكشف الإدراك والوعى الفردى والهوية وما يكمن بين الواقع الحسى والافتراضى، وذلك عن طريق أعمال فنية تخلق تفاعلا بين الفن والمتلقى إما بالمشاركة الفعلية أو بخلق أجواء رؤية شاملة ومشتركة. وهو ما حدث فى أحدث أعمالها الفنية، فى معرضها الأخير «طيف الأمل»؛ حيث يأتى المعرض، وهو عمل مركب، ليبعث بمجموعة من الرسائل والدلالات فى سياق شديد التأزم، يحفل بالكثير من دواعى الشقاء الإنسانى، والذى قصدت من خلاله أن تركز على أن اللحظات التى نشهد فيها ذروة المعاناة، قد تكون البداية لحدوث انفراجة، أو باختصار أنه من رحم «الألم» قد يولد «الأمل»، وهو ما قصدت أن تركز عليه بشكل أساسى من خلال معرضها الكائن فى قاعة كريم فرنسيس بقصر العينى. الفنانة نهال وهبى تحدثت ل«الشروق» حول فلسفة أعمالها الأخيرة، والكيفية التى قامت بها بتحويل تدفق من المشاعر والأفكار فى هيئة أشكال وهيئات فنية بارعة ومركبة؛ حيث بدأت كلامها باعتزاز شديد بحضارة المصريين القدماء، وما يمكن أن يستهلمه الفنان من حضارة مصر القديمة وقيمها السامية وعظمة تعبيرها عن نفسها وخلودها هذا القدر من الزمن، مؤكدة أن معرضها اشتمل على مجموعة من الأفكار والمعانى المستوحاة من عصور قديمة تعود للأسر الفرعونية، ولكن مع تنفيذ وتجهيز لتلك الأعمال بشكل معاصر للغاية وغير منفصل عن السياق الحالى. الفنانة نهال وهبى، قالت: إن معرضها يتكون فى الأساس من مجموعتين من الأعمال الفنية المركبة الأولى «طيف الأمل»، وأخرى باسم «دموع إيزيس»، وأنه بينما فى الأولى نشهد سيطرة للكتل والتكوينات التى توحى بالمناظر الطبيعية والأشكال الكونية، تأتى الثانية ويسيطر عليها أشكال وإحساس الدموع وطبيعتها المائية المتدفقة التى تعكس حالة التحول والتى تصبو إلى الخروج من الظلمة والوصول إلى النور. ونقلت وهبى مجموعة ردود الأفعال لعديد من الزوار للمعرض والذين اتفقوا على أن هناك إحساسا مدهشا يتولد من التجربة الحسية والبصرية والسماعية الفريدة التى يكفلها المعرض، قبل أن توضح ل«الشروق»: أن الأعمال المركبة التى تتمتع بالتفاعلية، رؤيتها فى الصباح تختلف عن الظهيرة، وعن المساء، الأمر الذى استهدفت من خلاله أن يكون الإنسان وجها إلى وجه مع فكرة مرور الزمان، والتفاعل مع الوقت وتغير إحساسه بالمكان بالتالى، وهى الحالة التى تصل بنا إلى معنى مفاداه: تأمل فى اكتشاف حقيقة الإنسان، وأن طبيعته وظروفة حتما سيشوبها التغير والتبدل، فيما يشبه «طيف الأمل» وهو الاسم الذى اختارته وهبى للمعرض. قالت وهبى خلال حديثها للشروق: تلك التجربة الفنية «مختلفة تماما» بالنسبة لى، فإن يكون هناك عمل مركب مستوحى من قيم المصرى القديم، فى ثوب من التنفيذ المعاصر، لهو عامل مساعد على وصول التأثير المستهدف من هذا الفن، والذى قد يراه البعض فنا نوعيا ونخبويا، ولكنى أراه فنا شديد التأثير، فإن لم يكن النحت والرسم والتصوير بهذا الشكل «فنا شعبيا»، إلا أن عنصرا واحدا قد يتلقاه ويتفاعل معه، بإمكانه أن ينقل شعوره وإحساسه للجموع، وهو ما أعتبره «أقوى أنواع» التأثير الفنى. «تحويل لحظات يأس الإلهة إيزيس على زوجها الإله أوزوريس إلى لحظة انفجار الأمل»، هكذا لخصت وهبى أحد أهم أهداف معرضها، والذى يستدعى من الذاكرة التاريخية أسطورة دموع إيزيس عند المصرى القديم، فقد حزنت إيزيس بسبب وفاة زوجها وحبيبها أوزوريس الذى قُتل غدرا على يد أخيه «ست». فتدفقت دموع إيزيس كسيول تشق الأرض حزنا وألما، فجرت دموعها الأرض المقدسة فولد من رحمها شريان الحياة فى الوادى العريق. إنها دموع الحياة التى سالت من شرور الأرض فلمستها سلاما ونورا فحولت الموت إلى الحياة والظلمة إلى النور. وقالت وهبى: نقل تلك المشاعر الإيجابية فى ظل فترة يعانى فيها البشر من الهواجس والآلآم بسبب الأوبئة والصراعات والحروب، أمر فى غاية الأهمية، وهو هدف أى فن راقٍ يستلهم ذات القيم السامية لدى أجدادنا المصريين، فقدر الإنسان لا يجب أن يكون محفوفا بكل هذا الخوف والتوجس، وأنه عليه التغذى بالأمل، لا أقصد ذلك النوع الوهمى، وإنما الأمل الحقيقى الذى تؤكده لنا صيرورة الزمان والمكان المتبدل من حال إلى آخر، والذى قد نرى فيه دموعا وبكائيات ولكنها لا تلبث أن تتحول إلى حال أفضل وآمال حقيقية تطرد المشاعر السلبية. نهال وهبى هى عضوة نقابة الفنون التشكيلية، مؤسسة لشركة سكوير للأعمال البصرية وحفظ التراث شغلت منصب مديرة ومستشارة فنية «Curator»، والتحقت بالعديد من الدراسات المتخصصة فى كلية سانت مارتن بجامعة لندن للفنون لتصقل إدراكها بالحركة الفنية العالمية المعاصرة، وتنمى أسلوبا خاصا بها باستخدام أنماط العصر فى الفن التشكيلى. تتباين أعمالها ما بين الرسم والتصوير الفيديو والتركيبات التشكيلية، شاركت فى العديد من المعارض منها: سيمبوزيوم الدولى للتصوير، بينالى كتاب الفنان، المتحف الوطنى للفنون بوخارست رومانيا، مركز فاماجوستا للفنون، هليوبوليس للفن أبزور بلغاريا، معرض بقصر المنيل آرت مصر، كما شاركت بمعرض آرت فير فى أبوظبى.