مع دخول عملية السلام نفقًا مظلمًا بقيام حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة بقيادة حزب الليكود متحالفًا مع أكثر الأحزاب تطرفًا وعنصرية «حزب إسرائيل بيتنا» وتعمق الانقسام الفلسطينى أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا حاولت فيه وضع خريطة طريق لخروج حركة فتح الفلسطينية باعتبارها قاطرة السلام على المسار الفلسطينى من أزمتها. آثار تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا ضرورة «إصلاح قيادة فتح ومؤسساتها، ولأن الحركة فقدت بوصلتها ومشروعها، فإنها بحاجة لفعل أكثر مما فعلته حتى الآن فى مؤتمر بيت لحم فى أغسطس الماضى، وعليها أن تطرح على نفسها أسئلة حول أجندتها، وأساليب تنفيذها وتحالفاتها السياسية». وتعانى حركة التحرير الفلسطينى (فتح) التى تجاوز عمرها الخمسين عاما منذ تأسيسها من عدة مشكلات حادة، فضعفت قدرتها على الحشد الجماهيرى، وهو ما بدا واضحا بخسارتها الانتخابات النزيهة الوحيدة فى تاريخ السلطة الوطنية الفلسطينية قبل أربع سنوات، إضافة إلى الخلافات الداخلية التى عصفت بها مؤخرا وتفاقمت عقب وفاة مؤسسها الرئيس الراحل ياسر عرفات، كما أنها لم تنجز ما وعدت به من تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة عبر المفاوضات مع إسرائيل، بل وفشلت أيضا فى إدارة الحياة اليومية للشعب الفلسطينى فى مناطق الحكم الذاتى فى الضفة الغربية وقطاع غزة. وجاء إعلان الرئيس محمود عباس «أبومازن» عن نيته عدم خوض الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية منذرا بانهيار مشروع فتح، بل وعده التقرير بمثابة «الرعشة الأخيرة» لفتح. وأكد التقرير على ضرورة إيجاد مشروع بديل، سواء نجحت المفاوضات التى تقودها الحركة الوطنية «فتح» أو فشلت، وعلى الرغم من أن المؤتمر العام فتح، الذى عقد قبل أشهر قليلة لأول مرة منذ عشرين عاما، كان الخطوة الأولى على طريق الإصلاح، فإن الجزء الأصعب لم ينفذ بعد، وهو تحديد أجندتها السياسية، وأساليب تنفيذها، وتحالفاتها السياسية. وأورد التقرير المشكلات التى تواجه فتح، وأوضح أنها خارجة عن سيطرتها، فهى سلطة دولة تقع تحت الاحتلال، عليها مهمة شاقة فى «بناء الدولة» وفى نفس الوقت من واجبها دعم الكفاح المسلح، إضافة إلى كونها مثقلة بعملية سلام فاشلة ومضطربة، وهى مشكلات زادت حدة مع وفاة عرفات. ورصد التقرير علاقة حركة فتح بالسلطة الفلسطينية، حيث أشار إلى أن فتح هى حركة تحرر وطنى، غير أنها ومنذ سنوات أوسلو الأولى اندمجت مع حكومة السلطة، وهى العلاقة التى شوهت سمعة الحركة ووصمتها بالفساد، وفى نفس الوقت هزت كوادرها وشتتهم سياسيا. ويقترح التقرير على حركة فتح أن تقرر إذا ما كانت ترغب بإدارة الأراضى المحتلة وبناء مؤسسات الدولة، أم أن تركز على أجندتها التحررية وبالتالى تفك ارتباطها بالسلطة الفلسطينية وتتركها لتحكم. فحركة فتح بحسب التقرير لم تطور أجندتها السياسية أو تكيفها وفقا للمتغيرات الدولية. وقاومت تجديد زعاماتها وهمشت أجيالا من الناشطين وحرمت نفسها من الديناميكية. الأسوأ من هذا كله، وفقا للتقرير انها فشلت فى التعلم من قائمة النكسات التى تعرضت لها مثل: الانتفاضة الثانية وما تلا ذلك من خراب للسلطة الفلسطينية، وانتصار حركة حماس فى الانتخابات، بدءا من الانتخابات البلدية فى عامى 2004 و 2005، مرورا بالانتخابات النيابية فى العام 2006، وصولا لسيطرة حماس على غزة فى العام 2007، وانتهاء بإفلاسها فى عملية السلام. فمؤتمر فتح العام الذى انعقد فى بيت لحم، كان على وعى بضرورة وجود تغييرات جذرية فى الحركة، إذ أجرت الحركة خلال انعقاد المؤتمر عدة انتخابات إقليمية لتحديد المشاركين فى المؤتمر، وتجديد القيادات على مختلف المستويات، وكانت هناك مفاجأة إذ فشلت أغلبية القيادات فى الحفاظ على مواقعها. وفى المؤتمر نفسه أفاقت الهيئات الإدارية لفتح من سباتها العميق مثل لجان المجلس الثورى. ورصد التقرير ظاهرة لافتة، حيث وجد أن الغالبية العظمى من القيادات الجديدة، وعلى خلاف أسلافهم، نشأوا فى الأراضى المحتلة، وهو ما جعلهم على دراية بما يحدث، وأكثر اتصالا بالمجتمع. كما ظهر عباس بعد المؤتمر بشرعية جديدة خرج بها عن سلفه. وأشار التقرير إلى أنه فى حال تحركت فتح لتحقيق الإصلاح الداخلى، عليها أن تحدد أجندتها ومشروعها السياسى، وعلاقتها مع السلطة الفلسطينية، وعلاقتها بالرئيس عباس وحركة حماس. وعلى الرغم من برنامجهم السياسى الذى نشر فى وثيقة من 31 صفحة، إلا أن قليلين يستطيعون الاتفاق على عدد من القضايا المثارة، مثل شلل عملية السلام، وكيفية التعامل مع حماس، وكيف يتم توحيد الضفة الغربيةوغزة الذى تحكمه حماس. وقد تصاعدت التحديات التى تواجه حركة فتح خلال الفترة الماضية، وأثرت تباعا على مصداقية عباس: مثل قرار عباس بحضور اجتماع ثلاثى بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكى باراك أوباما، بالرغم من غياب مسألة تجميد الاستيطان. إضافة إلى قرار عباس بتأجيل مناقشة تقرير القاضى ريتشارد جولدستون حول الحرب الإسرائيلية على غزة فى مجلس الأممالمتحدة لحقوق الانسان إلى يناير 2010. ويتوقع تقرير الأزمات الدولية بألا يكون المستقبل أفضل فالمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مجمدة والدبلوماسية الأمريكية تقع تحت رحمة الأحداث أكثر من السيطرة عليها، والمفاوضات بين الفلسطينيين تقف فى طريق مسدود. ويشير التقرير إلى تنامى قوة رئيس الوزراء الفلسطينى المحنك دكتور سلام فياض داخل مؤسسات السلطة الوطنية فى رام الله. كما أن قرار الرئيس أبومازن بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى العام 2010، يمكن أن يرسخ الانقسام السياسى والجغرافى للقضية الفلسطينية. كما يضيف التقرير أن تأجيل الانتخابات جنب فتح بصورة مؤقتة مواجهة مرحلة انتقالية مضطربة غير مؤهلة لها فى الوقت الراهن. ونوه التقرير إلى أن «الولاياتالمتحدة ومعها المجتمع الدولى، ضغطت على فتح لعقد مؤتمرها، على أساس أنه لا غنى عن التغيير لضمان النجاح فى المستقبل. وقد كان تشخيصها صحيحا لكن الوصفة العلاجية لم تكن كاملة». فإصلاح قيادات فتح ومؤسستها العلمانية يعد أمرا ضروريا بالنسبة للولايات المتحدة خاصة فى معركتها ضد «الإرهاب»، وهو الوصف الذى تصف به واشنطن خصم فتح العنيد حركة حماس. لكن الإصلاح يتطلب من الحركة الإجابة عن اسئلة حول أجندتها، وأساليب عملها وتحالفتها السياسية. ورصد التقرير ما قامت به حركة فتح أثناء مؤتمرها بتوجيه «تحية للكفاح المسلح» للشعب الفلسطينى، وهو مفهوم أظهر بحسب التقرير قصوره الأخلاقى والسياسى، كما أن حركة فتح تجاوزته. وقد وصف التقرير العلاقة بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية ب«اللاأخلاقية»، مرجعا سبب الفساد السياسى والمالى والإدارى إليها، إضافة إلى دورها فى ارتباك كوادر فتح، التى انقسمت ولاءاتها بين إستراتيجية بناء الدولة، وبين إستراتيجية حركة التحرر الوطنى. أما عن علاقة حركة فتح بحماس فيقترح التقرير أن تقوم على المصالحة وبواسطة اللاعبين الإقليميين، وليس على جهد الفلسطينيين وحدهم. وسيكون على فتح إعادة تقييم نفسها وإعطاء الأولوية للوحدة الوطنية، وإفساح المجال للإسلاميين، ممثلين فى حماس والجهاد، وأن تكون مستعدة لدفع الثمن «لا سيما من حيث علاقتها مع إسرائيل والولاياتالمتحدة». كما ينصح التقرير أن تكون القيادة مجهزة برؤية أوضح، وأكثر ديمقراطية، وأكثر تفهما للمشاعر الشعبية، وأن تحد من مرونة المفاوضين وقدرتهم على تقديم التنازلات، حيث يجب الرجوع إلى مؤسسات منظمة التحرير عند إتخاذ أى قرارات خلال عملية المفاوضات مع إسرائيل، وبذلك تصبح أكثر مصداقية، وشرعية.