خلال أربع سنوات، قلب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب معالم السياسة الأمريكية القائمة منذ عقود تجاه الشرق الأوسط رأسا على عقب. وسيرغب جو بايدن في التراجع عن العديد من هذه التغييرات خلال فترة رئاسته، لكن حريته في المناورة ستكون محدودة. وفي جلسة بمجلس الشيوخ لإقرار مرشحه لمنصب وزير الخارجية، يوم الثلاثاء، ألمح أنتوني بلينكن إلى أن مواجهة إيران ستكون محورية في أجندة بايدن الخاصة بالشرق الأوسط. لكن بلينكن أضاف أن الولاياتالمتحدة ”ما زالت بعيدة“ عن العودة إلى اتفاق 2015 النووي مع إيران، الذي يقيد برنامج طهران النووي، والذي انسحبت منه واشنطن في عهد ترامب، وفقا لوكالة رويترز. وقال بايدن وفريقه إنهم سيستعيدون العلاقات التي قطعها ترامب مع الفلسطينيين باستئناف تقديم المساعدات لهم، ورفض التصرفات الأحادية مثل بناء مستوطنات إسرائيلية على أراضٍ محتلة. غير أن بلينكن أضاف أن السفارة الأمريكية ستبقى في القدس التي اعترف بها ترامب عاصمة لإسرائيل. ويرجح أن تبقى أيضا الاتفاقيات الدبلوماسية الأربع التي توسط فيها ترامب بين إسرائيل ودول عربية، فهي تحظى في واشنطن بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كما حققت اصطفافا استراتيجيا لدول الشرق الأوسط في مواجهة إيران. وكذلك الحال بالنسبة لقبول ترامب بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب 1967، وضمتها في خطوة لم يعترف بها العالم. وسيتمثل التحدي الذي سيواجه بايدن في كيفية التراجع ليس فقط عن سياسة عهد ترامب والاستقطاب الذي أحدثه الرئيس، الذي قال إنه ”فعل الكثير لإسرائيل“، وإنما عمل ذلك دون اتهامه بالانسحاب الكامل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقالت ميشيل دنّ، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها أمريكا: ”سيحاول بايدن أن يرسم لنفسه صورة تتسم بالنزاهة والتوازن“. وأضافت: ”لا ريب في أن سياسات بايدن تجاه الشرق الأوسط ستكون مختلفة تماما عن سياسات ترامب. السؤال هو إلى أي مدى ستكون مختلفة عن سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما… أشك في أن بايدن يرى أن الصراع جاهز الآن لتدخل الدبلوماسية الأمريكية“. وتفيد بيانات رسمية إسرائيلية حصلت عليها وزارة الخارجية الأمريكية بأن استثمارات إسرائيل في مستوطناتها بالضفة الغربية زادت بنحو النصف بين عامي 2017 و 2019، مقارنة بالسنوات الثلاث الأخيرة في حكم أوباما. وقبل يوم من تنصيب بايدن، طرحت إسرائيل عطاءات لبناء ما يزيد على 2500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربيةالمحتلةوالقدسالشرقية، إضافة إلى مئات الوحدات الأخرى التي أعلن عنها نتنياهو الأسبوع الماضي. وبلغت العلاقات مع الفلسطينيين مستوى غير مسبوق من التدهور، بعد أن قطع ترامب تمويله السنوي البالغ 360 مليون دولار للأونروا، وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وخفّض المساعدات الأخرى للفلسطينيين، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة. وقال مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية: ”السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ولمنح الفلسطينيين دولة باسمهم هو من خلال ما يسمى بحل الدولتين“. لكنه أضاف: ”واقعيا، من الصعب رؤية آفاق قريبة للمضي قدما في ذلك“. وفي غزة، عبّر المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني عن تفاؤله بالتغيير، وعن تصوره أن المصاعب قد تخف بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين تعتني بهم وكالته. وقال لازاريني:“لدينا بالفعل اتصالات غير رسمية مع الإدارة الجديدة القادمة. سمعنا في كل الرسائل التي نتلقاها أن هناك نوايا لاستئناف الشراكة“. وعلى الجانب الآخر من الجدار العسكري الإسرائيلي الواقع على بعد 10 كيلومترات شرقي بتاح تكفا، يشعر كثير من الفلسطينيين بسعادة بالغة بخروج ترامب من البيت الأبيض. وقال اللاجيء الشاب صمود صلاح في أريحا: ”بالتأكيد سياسة ترامب ظالمة“. وأعرب عن أمله في أن يكون عصر بايدن مختلفا عن عصر ترامب، ”الذي كان ظالما للجميع وليس للفلسطينيين فقط