حتى يومنا هذا، ظل الشرق الأوسط الكبير (فلسطين وإسرائيل والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان) هو مصدر التحدى الأكبر الذى يواجه الرئيس باراك أوباما فى مجال السياسة الخارجية. فقد ورث الرئيس الجديد حروبا مكلفة على جبهات عدة، فى العراق وأفغانستان وباكستان والصومال، وملاحقة تنظيم القاعدة فى العالم أجمع، وتصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة فى العديد من الدول الإسلامية. ومن أجل مواجهة هذا النزوع المعادى، وإعادة القوات الأمريكية إلى أرض الوطن، تبنى فريق السياسة الخارجية التابع لأوباما إستراتيجية ذات محورين، من أجل التواصل مع العالم الإسلامى واستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن بعد ثلاثة أشهر، بدت مباحثات السلام، التى تقوم الولاياتالمتحدة بدور الوسيط فيها، فى حالة ارتباك. وهناك خطر حقيقى من أن تواصل أوباما مع العالم الإسلامى ربما يكون بالفعل قد بدأ يواجه انتكاسة. فقد فاز رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الجولة الأولى، حيث فشل أوباما فى إجبار إسرائيل على تجميد المستوطنات بصورة كاملة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتراجع أمام المعارضة الصارمة من جانب أصدقاء إسرائيل فى الولاياتالمتحدة والحكومة الائتلافية اليمينية بقيادة نتنياهو. ثم أعلن الرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى اتهم الأمريكيين بالخيانة و«تفضيل الموقف الإسرائيلى» أنه سوف يتخلى عن الحكم، مهددا بذلك تقويض عملية السلام برمتها. وبالرغم من أن أوباما كان صادقا فى إصراره على أن تقوم إسرائيل بتجميد المستوطنات جميع، فإنه لا يرغب فى استثمار رأس مال سياسى ضخم لإجبار نتنياهو على الامتثال. لأن ذلك كان من شأنه أن يصرف انتباه أوباما عن أولوية برنامجه الداخلى، وبشكل خاص إصلاح الرعاية الصحية، والأهم من ذلك أولوياته الأخرى فى السياسة الخارجية كأفغانستان وباكستان. وفى البداية، لم ير فريق أوباما فى الدعوة إلى التجميد الكامل لبناء المستوطنات أمرا مكلفا أو خطيرا، لأن هناك قلقا داخل الكونجرس الأمريكى إزاء التوسع فى المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية، وما يترتب عليه من آثار سلبية على عملية السلام. ولا تُعد مسألة التجميد الكامل للاستيطان أمرا هامشيا على الإطلاق، بل إنه يقع فى قلب رؤية أوباما حول حل الدولتين. ويعتبر المجتمع الدولى والولاياتالمتحدة أن مستوطنات الضفة الغربية والقدس التى يعيش فيها نحو 500 ألف إسرائيلى عقبة حقيقة أمام التوصل إلى اتفاق سلام نهائى مع ال2.8 مليون فلسطينى الذين يعيشون هناك. ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل بابتلاعها لمناطق واسعة من الأراضى المحتلة المملوكة لهم تخلق واقعا على الأرض ينكر عليهم حقهم فى إقامة دولة مجاورة قابلة للحياة. لكنه فى ظل إصرار إسرائيل على مقاومة مطلب أوباما بالتجميد الكامل للاستيطان، وتزايد التكلفة السياسية لهذا المطلب، خفضت الإدارة الأمريكية سقف مطالبها للإسرائيليين، حيث أصبحت هذه المطالب تقتصر على مطالبة الإسرائيليين بوضع «قيد» على الاستيطان. وقد امتدحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى مؤتمر صحفى مع نتنياهو العرض الذى تقدم به لتقييد بناء بعض المستوطنات، فى مواجهة مطلب أوباما الأولى بوقف بناء جميع المستوطنات الإسرائيلية. وقالت كلينتون إن «ما قدمه رئيس الوزراء فيما يتعلق بتفاصيل تقييد سياسة الاستيطان.. غير مسبوق». والأكثر من ذلك، وجهت كلينتون لطمة على وجه عباس، عندما انضمت إلى المطالب الإسرائيلية بأن يعود الرئيس الفلسطينى إلى مائدة المفاوضات بدون شروط مسبقة، حيث أضافت: «أريد أن أرى الجانبين يبدآن المفاوضات فى أقرب وقت ممكن». وفى ظل الشعور بالمهانة، لعب عباس بالورقة الأخيرة التى لديه، وزايد بموضوع استقالته، وهو ما كان عملا يائسا استهدف الأمريكيين فى الأغلب. وأثارت تعليقات كلينتون عاصفة من الاحتجاجات من جانب القادة العرب والفلسطينيين. واتهم الفلسطينيون إدارة أوباما بالتراجع والنفاق السياسى بشأن قضية المستوطنات، وقالوا إن استئناف مباحثات السلام لا يلوح فى الأفق. وفى لحظة نادرة من لحظات الوحدة، طالب المسئولون فى حركتى حماس وفتح الخصمين اللدودين عباس بمقاومة الدعوات الأمريكية باستئناف مباحثات السلام، ودعوا إلى إحياء الكفاح المسلح. وأعرب أتباع عباس عن خيبة الأمل والإحباط العميق إزاء التحول الجديد فى السياسة الأمريكية، وقالوا إن ذلك يحطم آمال السلام. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات فى بيان مكتوب «إذا كانت أمريكا لا تستطيع دفع إسرائيل لتجميد الاستيطان، فما هى الفرصة المتبقية للفلسطينيين كى يتوصلوا إلى اتفاق مع إسرائيل حول مجموعة القضايا الأكثر تعقيدا، المرتبطة بمباحثات السلام النهائى. وأعربت كل من مصر عن مشاعر مشابهة. ففى خطوة ذات دلالة، سافر العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى إلى القاهرة، من أجل إجراء محادثات مع الرئيس حسنى مبارك. وعقب اللقاء، أكد بيان صدر عن الديوان الملكى الأردنى أن الزعيمين «يؤكدان الحاجة إلى الوقف الفورى للإجراءات الإسرائيلية الأحادية التى تقوض فرص تحقيق السلام خصوصا بناء المستوطنات». لكن تُرك للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مهمة التعبير عن المرارة والغضب العميق اللذين يشعر بهما العرب إزاء تغير نهج أوباما بشأن قضية المستوطنات. فقد قال موسى للصحفيين: «أقول لكم إن كل الدول العربية بما فى ذلك المملكة العربية السعودية ومصر تشعر بخيبة أمل من نتيجة المحادثات؛ لأن إسرائيل يمكنها الإفلات بأى شىء دون اتخاذ أى موقف صارم». وعندما سؤل عما إذا كانت مبادرة أوباما لاستئناف مباحثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية قد فشلت، قال: «ما زلت أنتظر حتى نعقد اجتماعاتنا ونقرر ماذا نفعل. لكن الفشل يلوح فى الأفق بشكل عام». أستاذ العلاقات الدولية وسياسات الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية جامعة لندن