اعتبرت العديد من الصحف السويسرية الصادرة صباح الاثنين أن الخوف والجهل والخلط بين الأمور، هي التي دفعت السويسريين إلى الموافقة على حظر بناء المزيد من المآذن في بلادهم. وشدّد كتّاب التعاليق والافتتاحيات أيضا على مسؤولية الحكومة الفدرالية والأحزاب السياسية ووجُّهت إليها الانتقاد لحضورها المُحتشِم خلال الحملة التي سبِقت التصويت.ومن التعابير التي تكرّر ورودها في التحليلات والتعاليق التي حفَلت بها الصحافة السويسرية الناطقة بالفرنسية، هناك "الخوف من الآخر" و"التصويت بالمعِدة" (أو بالغريزة) و"اللامعقولية" و"الخلط بين الأمور". وفي هذا السياق، ذهب فرانسوا مودو في افتتاحية صحيفة لوتون، الصادرة بالفرنسية في جنيف، إلى أن "مسلمي سويسرا لا يستحقّون ظُلم هذا التصويت العقابي المستوحى من الخوف والأوهام والجهل". صحيفة لا تريبون دو جنيف فسّرت ما حدث بالإشارة إلى أن "البعضَ الذين تضرّروا من الأزمة بأشكال متعدِّدة، أودعوا في صندوق الاقتراع تصويتا يعبِّر عن احتجاج وتوجّس أكثر مما يعبِّر عن الحِقد والارتياب". في المقابل، اعتبرت صحيفة لو كوتوديان جوراسيان، الصادرة في دوليمون بالفرنسية، أن ما حدث يعبِّر عن خوفٍ أو شكٍّ من تماسُك دولة القانون لدينا بوجه تمازُج الثقافات، الذي يؤدّي إليه عالم تسوده العولَمة". الإرهاب والبُرقع صحيفة لا ليبرتي ذهبت إلى أن السويسريين الذين وافقوا على حظر بناء المآذن، حرّكتهم "مخاوف مُرتبطة بأسلمة البلد واختلاطٌ سكّاني يسير بسرعة كبيرة جدا"، واعتبرت اليومية الصادرة في فريبورج، أن الذين أطلقوا المبادرة استغلّوا هذا الخلط. أما صحيفة لو جورنال دوجورا، استنكرت في افتتاحيتها، التي جاءت عنوان "هدف الخوف ضدّ مرْمَانا"، الخلط القائم بين السكان المسلمين المقيمين في سويسرا و"الأصولية الدينية التي تهزّ العالم"، وعلى غِرار العديد من الكتّاب، أشار المعلِّق إلى مسائل مثل الإرهاب والبُرقُع. هذا الخوف يتأسّس، حسب صحيفتي ليكربريس ولانبارسيال، تصدران بالفرنسية في نوشاتيل، على "الكليشيهات التي تنقُلها صوَر إسلاميين متعصِّبين وأصوليين". غلطة الأحزاب الحكومة الفدرالية والأحزاب السياسية والأوساط الاقتصادية وأرباب العمل، إضافة إلى الكنائس، كانوا هدفا لسِهام انتقادات المعلِّقين في صحافة الاثنين 30 نوفمبر. لا ليبرتي قالت "إننا لم نسمَع أصواتهم كثيرا"، أما صحيفة 24 ساعة الصادرة في لوزان، فاعتبرت أن الحكومة كانت "خجولة جدا"، في حين "كادت الأحزاب التقليدية أن تغيب تماما" خلال الحملة. من جهتهما، قالتا صحيفتا ليكبريس ولانبارسيال، "بدلا من الاعتماد على الحِكمة الشعبية المستحيلة، كان الأولى بالحكومة الفدرالية والبرلمان أن يتحمّلا مسؤولياتهما ورفض مبادرة من هذا القبيل". لاتريبون دو جنيف اعتبرت بدورها أن الحكومة الفدرالية والأحزاب تركا "المجال مفتوحا للخصْم"، ووجّهت صحيفة لو كوتوديان جوراسيان نفس الانتقادات معتبِرة أن الأحزاب لم تأخذ "مُشعِلي الحرائق في حزب الشعب السويسري" بما يكفي من الجِدّ. في كانتون فالي، أعربت صحيفة لو نوفيليست (تصدر بالفرنسية في سيون) عن استغرابِها من الفوز الكبير الذي حققه حزب الشعب، رغم أنه كان يخوض الحملة "بمفرده ضدّ الجميع تقريبا، مستغِلاّ الإسلاموفوبيا الرائِجة وبالرغم من رفض الأغلبية الساحقة لوسائل الإعلام" للمبادرة. ضربة لصورة البلد العديد من كتّاب الافتتاحيات في الصحف حذّروا من الانعكاسات المحتملة لنتيجة التصويت على صورة سويسرا، واعتبرت لوتون أن "مصداقيتها مهدّدة بالانهيار، نتيجة تصويت انفعالي، ذي بُعد رمزي بلا شك، ولكن تداعياته لا حدّ لها". من جهتها كتبت صحيفة 24 ساعة: "إن حظر بناء المآذن يأتي ليُضاف إلى قائمة مثيرة للانزعاج، تشمَل قضايا اقتصادية وسياسية، تضع بلادنا في موقِع ضُعفٍ على الخارطة الدولية"، وأضافت أن الذين يُمارسون مِهنة الترويج لسويسرا في الخارج، "سيحتاجون إلى التوفّر على عكّاز حاج متين (في إشارة إلى ضرورة التنقّل بين البلدان الإسلامية لإقناعها وشرح ما حدث) وإيمان لا يتزعزع". صحيفة لا تريبون دو جنيف لاحظت أن "العالم أجمع يعبِّر اليوم عن استنكاره ويتساءل عن الدوافِع السويسرية" الكامنة وراء هذه النتيجة، كما عبّرت عن خِشيتها من أن تكلِّف هذه الإهانة للإسلام، غاليا، "انتقاما.. مقاطعة.. عقوبة...". من جهتها، قالت صحيفة لا ليبرتي "في الوقت الذي نواجه فيه العديد من التحديات الأخرى، من الأزمة الاقتصادية إلى النزاع مع ليبيا، مرورا باختفاء السر المصرفي، يبقى الأمل قائما في أن الثمن لن يكون مرتفعا جدا". أما صحيفة نويه تسورخر تسايتونج، الصادرة بالألمانية في زيورخ، فتوقّعت أن "دبلوماسيينا سيكونون مدعوين للقيام بعمل كبير". ومما يزيد في استغراب كتّاب الافتتاحيات، هو أن المسلمين في سويسرا ليسوا من المتشدِّدين أو الأصوليين في أغلبيتهم الساحقة، كما أنهم مندمجون بشكل جيِّد في المجتمع. ورأت صحيفة تاجس أنسايجر، الصادرة في زيورخ، في التصويت ب "نعم" للمبادرة، "هزيمة مريرة للسّلم الدينية"، كما اعتبرت أن سويسرا تظل مُنشطرة بين رؤية عصرية ومنفتحة على العالم ورؤية تقليدية وقومية. على كلٍّ، تطرح إعادة النظر هذه في السِّلم الدينية مجددا مسألة الرغبة في تشكيل أمّة وهو ما يُعبَّر عنه في في سويسرا بكلمة Willensnation، لذلك، اعتبرت صحيفة Südostschweiz، تصدر بالألمانية في خور بكانتون غراوبوندن، أنه من الضروري إعادة تحديد هذا المفهوم، لأن "الأفكار المُسبقة والصورة الرومانسية عن الذات، أقوى بكثير من الواقع". هذا الجُهد مطلوب من السويسريين، لكن المسلمين يحتاجون بدورهم إلى بذل جُهد من جانبهم، حيث ترى صحيفة دير بوند، الصادرة في برن، أنه "يجب عليهم حلّ مشكلة الصورة الرائجة عنهم عبْر المزيد من الانفتاح.