يواجه الرئيس أوباما الآن فى أفغانستان مشكلة كلاسيكية: إما بذل المزيد للحيلولة دون الهزيمة والتطلع إلى الحظ السعيد، أو الانسحاب ومواجهة تُهم الانهزامية وربما هجمات إرهابية جديدة. وهدف أوباما هو «ضمان» ألا تكون أفغانستان ملاذا للإرهابيين، وهو ما يعيد التذكير بدعوته إلى تحقيق النصر هناك أثناء حملته الانتخابية. وهكذا، قرر أخيرا إضافة 17ألف جندى إلى القوات الأمريكية الموجودة هناك، والتى يبلغ عددها 35 ألفا، لكن هدفه بالقضاء على خطر طالبان غير قابل للتحقيق. ويحتاج أوباما إلى التفكير فى سبيل آخر. فينبغى أن تؤكد استراتيجيتنا فى أفغانستان على ما نجيد عمله (الاحتواء والردع، وإقامة التحالفات) والابتعاد عن أكثر ما نفشل فيه (بناء الأمة فى ظل حروب لا نهاية لها)، ينبغى أن نقلل من الأعباء المتزايدة وضمان مصالحنا باستخدام قوتنا بطريقة أكثر إبداعا وعملية، ويجب أن يتاح لنا تركيز المزيد من الموارد والنفوذ الأمريكى على الوضع الحرج فى باكستان. وكما بينت السنوات السبع الأخيرة، فنحن لا نستطيع هزيمة طالبان فى أفغانستان، وتعد الأعداد جزءا من المشكلة: معظم أفراد طالبان ينتمون إلى قبيلة الأغلبية فى أفغانستان، أى من البشتون، والأكثر إثارة للإرباك هو أن طالبان وحلفاءها من القاعدة وجدوا فى شمال غرب باكستان ملاذا ثبتت مناعته. وما يمكننا عمله هو التقليل بفاعلية من خطر الهجمات الإرهابية الموجهة من أفغانستان إلى جاراتها، والولاياتالمتحدة وحلفائها، ويمكننا أن نفعل هذا بطريقة تسمح بانسحاب القوات الأمريكية، مع استمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية. وتتمثل الخطوة الأولى فى تقديم الدعم الاقتصادى الكبير، والأسلحة وتدريب الأفغان من أصدقاء الولاياتالمتحدة مع انسحاب القوات المقاتلة الأمريكية تدريجيا خلال ثلاث سنوات تقريبا، واستخدام الوقت المتبقى لزيادة عمليات مكافحة الإرهاب الحالية لتوفير حماية أفضل للأفغان وتشجيعهم على التصدى للقتال بأنفسهم، إن توافرت لديهم الإرادة. والخطوة الثانية هى محاولة فصل عناصر طالبان الأقل تطرفا عن قيادتهم وعن القاعدة. ويفكر أوباما بالفعل فى الوصول إلى المعتدلين من طالبان، ويمكنه عمل هذا عن طريق الحكومة الأفغانية والاتصالات السرية. فليس ثمة جماعة يمكنها التماسك أمام العصا والجزرة، كما رأينا فى أيرلندا الشمالية والعراق. وطالبان ليست استثناء، فليس لهم مصلحة أصيلة فى تصدير الإرهاب، ونظرا لخطورة طالبان، فإن مصالح أمريكا الحيوية لا تتطلب إبعادهم عن السلطة فى أفغانستان، طالما أنهم لا يدعمون الإرهابيين الدوليين. ثالثا، فى حين أن علينا التحدث إلى طالبان، لا يمكن لواشنطن الاعتماد على كلمتهم، ولابد من رادع قوى. فيجب أن يكون لدى قادة طالبان سببا وجيها للخوف من الذراع العسكرية الأمريكية، ويمكن توجيه الضربات الجوية إلى قادتهم، وعلى مزارع الأفيون التابعة لهم، التى تحقق لهم دخلا كبيرا. والأكثر أهمية، أن على أوباما أن ينجز ما فشلت فيه إدارة بوش وقف تدفق الأموال على طالبان، والتى تأتى من دول الخليج العربى. ويمكنه، فى ذات الوقت، التغاضى عن دخول بعض الأموال لمكافأة السلوك الحسن. رابعا، على أوباما ربط أفغانستان بحلف مع جيرانها لإبلاغ طالبان بأن لا مكان تلجأ إليه، حتى بعد رحيل الأمريكيين. ويجب أن تضم المجموعة الصين، والهند، وروسيا، وحلفاء الناتو، وإيران.. نعم إيران. فكل هذه البلاد لها مصلحة كبيرة مشتركة فى وقف انتشار المخدرات والتطرف الإسلامى الأفغانيين، وعليهم التحلى بالرغبة فى مساعدة هذه الجهود لمقاومة طالبان، حيث يدعم الوجود العسكرى الأمريكى حدودها الهشة. ثم هناك باكستان، قلب المشكلة ومفتاح حلها، ويعتمد مستقبل المنطقة الآمن على تصميم وقدرة الزعامات الدينية والمدنية المعتدلة فى باكستان على تقديم حكومة مقبولة لشعبهم، ويجب أن تتعاون الصين والهند وإيران وروسيا مع واشنطن ببساطة لأنه ليس هناك دافع أكبر من كابوس سيطرة المتطرفين على أسلحة باكستان النووية. والهند، بصفة خاصة، صادقة فى عزمها محاربة التطرف فى باكستان. ويمكنها عمل هذا بتقليل حشودها على الحدود مع باكستان، وهو ما يسمح للمعتدلين فى باكستان بزيادة الاهتمام بخطر التطرف الكبير الذى ينمو بالفعل داخلها. ولن يعنى الانسحاب هزيمة أمريكا وانتصار الإرهابيين إذا استخدمت أمريكا قواتها بكفاءة. ولا أعرف إن كانت استراتيجية تقليل القوة الموضحة هنا يمكن أن تكون أكثر أو أقل خطورة من مسارنا الحالى. لكن محاولة القضاء على خطر طالبان والقاعدة فى أفغانستان لم تنجح، فى حين أن التوصل إلى سبيل للتعايش مع طالبان، واحتوائها وردعها لم يتحقق. ونحن مصممون، قبل كل شىء، على القضاء على التهديدات الإرهابية القادمة من الصومال، واليمن، وباكستان. أضف إلى هذا أن استراتيجية الاحتواء والردع هذه تناسب القوة الأمريكية أكثر من الطريقة الحالية التى تقوم على مقاومة العصيان وبناء الأمة. وأوباما والكونجرس مطالبان من قبل الأفغان والأمريكيين بالتوصل إلى استراتيجية لتقليل القوة قبل اتخاذ أى قرار بتوسيع الحرب. 2009 The New York Times