كتب الدكتور لويس عوض فى مذكراته «أوراق العمر» حول ثورة التجار المصريين فى فترة الأربعينيات من أنهم اضطروا للانخراط فى العمل الوطنى وثاروا حين اكتشفوا أن سطوة الأجانب على السوق المصرية سوف تسلبهم سيطرتهم على السوق، كما ستسحب البساط من تحت أقدامهم فى مهنتهم ومصادر رزقهم، مشيرا إلى أن التجار لم يخرجوا فى مظاهرات لكنهم استثمروا ثورتهم فى محاولات لتجويد أكلاتهم الشعبية والتجديد فيها، خصوصا التى اشتهر بها المصريون مثل الكباب والكفتة فى مواجهة الفيليه والإسكالوب وهى الأكلات التى بدأت تغزو المطاعم المصرية وتؤثر على الذوق المصرى. وكانت ثورتهم تهدف إلى جذب وإجبار الزبون المصرى على اختيار بلده فى الأساس والانحياز إلى طعامه عن طريق تجويد وتحسين المنتج فى إطار منافسة الوافد الأجنبى. بعد أكثر من 60 عاما على هذه الواقعة، بدأت هذه الحالة تفرض نفسها مرة أخرى، مع هجمة شرسة تتعرض لها السوق المصرية من السلاسل التجارية الأجنبية العملاقة التى تستعد للاستثمار فى تجارة الجملة والتجزئة، مسلحة بأحدث أساليب التكنولوجيا فى العرض والتسويق، وكان آخرها مجموعة كاش آند كارى الألمانية لتجارة التجزئة التى قامت بوضع حجر الأساس لأول متاجرها فى منطقة مدينة السلام الأسبوع الماضى مستهدفة 33 متجرا فى عدد من المحافظات خلال الثلاث سنوات القادمة، بالإضافة إلى استقبال السوق المحلية، فى الفترة المقبلة، سلاسل عالمية أخرى مثل وول مارت، ومجموعة سلطان الكويتية ومجموعة الشايع السعودية وذلك فى إطار خطة لوزارة التجارة والصناعة لجذب استثمارات فى هذا المجال بنحو 25 مليار جنيه خلال السنوات العشر المقبلة، وكان من الطبيعى أن يثير هذا المخطط الكثير من القلق على سوق التجزئة المصرىة مع زيادة التوقعات بحدوث احتكارات قد تؤثر على المستهلك وعلى الصناعة بعدما أشارت تقديرات إلى أن السلاسل الأجنبية الحالية تسيطر على نحو 10% من السوق مرشحة للزيادة لتصل إلى أكثر من 50% . المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة قال ل«الشروق»: إن أكبر ضمان لعدم حدوث احتكارات فى سوق التجزئة هو زيادة حدة المنافسة وزيادة الاستثمارات، مشيرا إلى خطة وزارته رفع معدلات الاستثمار فى هذا القطاع بما يتراوح ما بين 2-4 مليارات جنيه سنويا باستهداف الوصول إلى 15 مليار جنيه خلال ثلاث سنوات. ولفت إلى أن ذلك سوف يرفع مستوى المنافسة خاصة مع دخول عشرات الشركات العالمية إلى السوق بما يدفع الشركات المحلية إلى تطوير أدائها وكسر أى محاولة للاحتكار. وقال: إن السوق المصرية سوف تشهد تطبيق أنظمة جديدة أكثر كفاءة فى تداول السلع وفى الإدارة على مستوى الجملة والنصف جملة، وأن الفائدة ستعم على الجميع من مستهلك ومصنع ومزارع. علينا أن نلحق أنفسنا التوسع فى السلاسل التجارية العالمية له تأثير سلبى على السوق المصرية ما لم يتم تطوير محال التجزئة المحلية، بحسب خالد أبو إسماعيل الرئيس السابق للاتحاد العام للغرف التجارية، رغم ما توفره هذه السلاسل من مزايا للمستهلك المصرى فى الحصول على منتج أفضل وعلى الجانب الآخر فهى مفيدة لقطاع التجارة الداخلية بزيادة الاستثمارات فيه وتشغيل العمالة وأشار أبو إسماعيل إلى خطة تنفذها وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع الغرف التجارية لتطوير قطاع التجزئة وإدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة به قائلا: «إذا لم نلحق أنفسنا فسنضيع»، موضحا أنه برغم مميزات السلاسل العالمية فى ترويج التجارة الداخلية فإن حصتها السوقية خلال الخمس سنوات الماضية لم تزد على 10% محذرا من زيادة هذه النسبة مستقبلا إلى 50% أو 60% كما حدث فى أوروبا التى شهدت توسعا فى السلاسل التجارية العملاقة، حيث زادت نسبة هذه المتاجر فى السوق من 10% عام 78 إلى 50% حاليا لتسيطر على سوق المبيعات مطالبا وزارة التجارة والصناعة بإنشاء صندوق يقدم دعما لصغار التجار كما يفعل مركز تحديث الصناعة مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتجديد محالهم وتزويدهم بالمساعدات الفنية ومنح القروض اللازمة للتطوير. ويرى أبو إسماعيل أن وجود مثل هذه المتاجر فى غياب تطوير السوبرماركت المحلى سيخلق احتكارات فى السوق ويؤثر بالسلب على المستهلك فيما قد يشهده من ارتفاع فى أسعار السلع المتداولة، وذكر أبو إسماعيل بتجربة محال سنسبرى البريطانية فى مصر التى احتكرت فى أقل من عام نحو 19% من سوق التجارة فى مصر عن طريق شراء خطوط إنتاج كاملة وامتلاك مصانع ومزارع تنتج السلع التى تبيعها فروعها. وأضاف أن هذه السياسة ضربت التجارة المصرية فى مقتل. سياسة تأجير الرف فى الولاياتالمتحدةالأمريكية يوجد قانون صدر فى السبعينيات يحمى المتاجر الصغيرة من سيطرة المتاجر الكبرى وفقا لما ذكره شريف دلاور الخبير الاقتصادى، موضحا أن هذا القانون يحدد نسب وجود السلاسل الكبرى فى الأحياء وفى المدن حتى لا تحدث احتكارات فى السوق فيما يؤكد خالد أبو إسماعيل أن السلاسل الأجنبية فى مصر تحصل على أراض تقيم عليها مشروعاتها على أطراف المدن محذرا من وصولها إلى مناطق الوسط بما يجعل تأثيرها السلبى كبيرا على السوبر ماركت الصغير وعلى محال البقالة التى لاتقل عن مليون محل على مستوى الجمهورية حيث يوجد بالقاهرة وحدها أكثر من 100 ألف دكان صغير، مشيرا إلى اختفاء ملايين المحال الصغيرة فى أوروبا بسبب المتاجر العملاقة نتيجة عدم القدرة على المنافسة لافتا إلى ضخامة استثماراتهم. وبرغم أهمية وجود هذه السلاسل فى إشعال المنافسة فى سوق التجارة المصرىة، فإن مصادر رفضت ذكر أسمائها أكدت الشروط المجحفة التى تمارسها على الموردين المحليين مثل اتباع سياسة تأجير الرف للمورد بمبالغ كبيرة تصل إلى 4000 جنيه للرف الواحد، إلى جانب فرض تخفيضات على المنتج تصل إلى 10% ،12% وهو مأكده الرئيس السابق لاتحاد الغرف التجارية، مشيرا إلى إجبار المنتج على سداد مبلغ نظير تأجير ثلاجة العرض وفرض عليه مرتجعا تصل نسبته إلى 12% من مشترياته إلى جانب إلزام المورد بوضع الإعلان الداخلى على المنتج على حسابه الخاص. والأخطر كما ذكر أبو إسماعيل هو أن سداد قيمة البضاعة للمورد لايتم على الفور ولكن خلال فترة تتراوح مابين 4 6 أشهر بينما فى الخارج لاتزيد فترة السداد للمورد عن 45 يوما للسلعة التى عليها طلب كبير وهو مايعنى أن هذه السلاسل تعمل بأموال البنوك المحلية فى مصر وتسدد قيمة البضاعة من عوائدها، ويرى أن مواجهة ذلك تتطلب تكوين شركة مساهمة للسلاسل التجارية المحلية الكبيرة نسبيا تورد لها البضائع بأسعار أرخص وبكميات كبيرة مستبعدا اتباع أسلوب الاندماج فيما بينها. من جهتها أشارت الدكتورة أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد وكبير الباحثين بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إلى الجوانب الإيجابية فى دخول سلاسل التجارة العالمية إلى مصر التى من بينها حل مشاكل التسويق وإمكانية ربط المنتج بالتاجر بطريقة منظمة سواء أكان تاجر جملة أم تجزئة، تجنبا لحدوث فاقد فى السلع بسبب النقل والتخزين والعرض كما أشارت إلى أن هذه السلاسل قد تساهم فى تنمية الصادرات عن طريق عرض المنتجات المصرية فى فروعها بدول أخرى، وأضافت أن هذه المجمعات ترتبط بتنمية خدمات أخرى كالنقل وتحسين الطرق وتشغيل عمالة فى مجالات التعبئة والتغليف وتحميل البضائع وربطها بتقديم منتجات للمطاعم والقرى السباحية وهو ما يساعد على إنعاش السوق، وتشير أمنية إلى بعض الجوانب السلبية التى تترتب على وجود هذه السلاسل والتى تتمثل فى الإضرار بالبقال الصغير فى حالة عدم تطوره إلى جانب ارتفاع تكلفة تطوير الخدمة فى هذه الأماكن التى سيتحملها المستهلك، كما أشارت إلى خطورة تحويل أرباح هذه الشركات إلى الخارج مطالبة بوضع ضوابط لإعادة استثمار هذه الأموال فى الداخل ووضع ضوابط أخرى تحول دون استغلال المنتج المحلى وترى أهمية التوزيع الجغرافى للسلاسل لتكون قريبة من المستهلك والمورد معا، كما تشير إلى أهمية وجود استثمارات وطنية كبرى فى هذا المجال.