اعتبرت محطة "فرانس.إنفو" التلفزيونية الفرنسية، اليوم الخميس، في تقرير مطول أن لبنان يعد بمثابة بوابة فرنسا إلي الشرق الأوسط، مستندة في ذلك إلي أراء لخبراء فرنسيين ولبنانيين حول تاريخ العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وجاء ذلك بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان التى حذر فيها من خطراختفاء الدولة اللبنانية داعيا للمسارعة في تشكيل الحكومة الجديدة، ووسط تقارير إعلامية حول وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خارطة طريق للبنان تتضمن إصلاحات سياسية واقتصادية. * جذور العلاقات اللبنانية الفرنسية وذكرت محطة "فرانس.إنفو" التلفزيونية الفرنسية، أنه وفقًا لبعض الكتابات، يعود تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية إلى فترة الحروب الصليبية، في نهاية القرن الثالث عشر، عندما تعهدت فرنسا لويس التاسع بحماية الموارنة، المسيحيين الشرقيين الذين يعيشون في المنطقة، فيما أشارت صحيفة "ليزكو" الفرنسية أن هذه الرواية غير صحيحة. من جانبه، قال هنري لورينز، استاذ كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي في معهد "كوليج دو فرانس" الفرنسي: "عثرنا على رسالة من القديس لويس إلى الموارنة، ولكن عيبها أنها كتبت في أربعينيات القرن التاسع عشر". وعادت المحطة الفرنسية قائلة إنه "بالنسبة للمؤرخين الآخرين، يعود التقارب الأول إلى القرن السادس عشر، عندما تحالف فرانسيس الأول مع سليمان القانوني، السلطان العثماني، مما أعطى فرنسا دور "الحامي لمسيحيي الشرق". وفي عام 1860، بعد المذابح بين المسيحيين والمسلمين، أرسل نابليون الثالث رحلة استكشافية غير مسبوقة إلى لبنان، باسم ما يمكن تعريفه بأنه "واجب التدخل"، وفقاً للمؤرخ الفرنسي هنري لورينز. لكن النفوذ الفرنسي في لبنان انتشر من خلال المبشرين، الذين افتتحوا في القرن التاسع عشر مدارس وأسسوا أولى الجامعات الناطقة بالفرنسية، بما في ذلك جامعة القديس يوسف المرموقة في بيروت. بدورها، قالت جيهان صفير، المدرسة في جامعة بروكسل الحرة والمتخصصة في العالم العربي المعاصر، إن هؤلاء المبشرين ساهموا بشكل كبير في "تكوين النخبة السياسية المسيحية في لبنان، وتعلم اللغة الفرنسية والتاريخ الفرنسي وقيادة الدولة اللبنانية المستقبلية". * التاريخ الاستعماري وفيما يتعلق بحقبة الاستعمار الفرنسي للبنان، لفتت المحطة الفرنسية إلى أنه في عام 1916 ، وقعت فرنسا مع بريطانيا اتفاقية "سايكس بيكو" التي حددت مناطق نفوذ القوتين في الشرق الأوسط، ورسمت حدود الدول العربية المستقبلية بشكلها الحالي. وتقول أخيسا مومي، باحثة الدكتوراه في مدرسة "الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية" في باريس إنه وفقاًً للاتفاقية، التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى، حصلت باريس في عام 1920 على تفويض من عصبة الأمم في سورياولبنان، من أجل قيادة هذين البلدين إلى الاستقلال. وتابعت: "لكن في الواقع، كانت الاتفاقية بمثابة "بداية للتجربة الاستعمارية الفرنسية"، بفرض عسكري، وهيمنة دبلوماسية، وإمبريالية اقتصادية وثقافية". وأوضحت أنه "تم إنشاء دولة لبنان الكبير وإعلانها من مقر إقامة السفارة الفرنسية الحالية في لبنان، في سبتمبر 1920 من قبل الجنرال الفرنسي هنري جورو، ثم أصبحت الجمهورية اللبنانية عام 1926"، مشيرة إلى أنه في العام نفسه، كرّس الدستور طائفية النظام السياسي عبر "مبدأ يؤسس لتقاسم السلطة بين مختلف الطوائف الدينية". بدوره، قال المؤرخ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ستيفان مالساني إنه "بين عامي 1920 و1943، كان لبنان يحكمه مفوضون سامون فرنسيون وكانت مؤسساته الأولى من صنع الانتداب الفرنسي". وتم اعلان استقلال لبنان في نوفمبر 1943، لكن فرنسا رفضته وقامت باعتقال الرئيس اللبناني بشارة الخوري ورئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح وعدد من الوزراء لمدة 10 أيام قبل الاستسلام والإفراج عنهم بضغط من بريطانيا، وبقيت القوات الفرنسية في لبنان حتى عام 1946، وفقاً للصحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية. * العلاقات الثقافية بين بيروتوباريس فيما يتعلق بالارتباط الثقافي بين لبنانفرنسا، فقد فقدت الفرنسية مكانتها اللغوية الرسمية عام 1943، إذ أن المادة 11 من الدستور نصت على أن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وحدد القانون الحالات التي تستخدم فيها اللغة الفرنسية. وعلى الرغم من ذلك لا تزال اللغة الفرنسية مستخدمة في التذاكر أو على إشارات طرق معينة أو في المباني الرسمية، بحسب المؤرخة جيهان صفير، التى تقول إن"كل النصوص التأسيسية والنصوص التشريعية تمت بالفرنسية". ووفقا لبيانات المنظمة الدولية للفرانكوفونية لعام 2010 فإن ثلث سكان لبنان يتحدثون الفرنسية، بإجمالي 1.6 مليون لبناني، كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية آنذاك، هناك حوالي 23 ألف فرنسي يعيشون في لبنان و210 لبناني يعيشون في فرنسا. كما ساهم قطاع التعليم إلى حد كبير في إعطاء اللغة الفرنسية مكانة قوية في لبنان. وبحسب تقديرات السفير الفرنسي في لبنان، برونو فوشيه في عام 2018 فإن " 55% من تلاميذ المدارس في لبنان يتحدثون الفرنسية كلغة أجنبية أولى، كما يدرس 60 ألف طالب برنامج اللغة الفرنسية في 41 مؤسسة معتمدة"، مشيرا إلي أن لبنان الدولة التى تحتل المرتبة الأولى في العالم "من حيث تدريس المناهج الفرنسية". * العلاقات الاقتصادية اللبنانية الفرنسية أما عن طبيعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فتشير تقديرات وزارة الخارجية الفرنسية، إلي أن قيمة الصادرات الفرنسية إلى لبنان في 2018 بلغت 748 مليون يورو، والواردات 54 مليون يورو. وفي عام 2017، بلغت الاستثمارات الفرنسية في لبنان 612 مليون يورو. كما يوجد ما يقرب من مائة شركة فرنسية في لبنان في مجالات (الصناعات الغذائية، والاتصالات)، ورغم ذلك فإن هذه التبادلات محدودة مقارنة بالشركاء الرئيسيين لفرنسا (ألمانيا، والولاياتالمتحدة، وإيطاليا، والصين، وإسبانيا)، وفقاً لإحصاءات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية. وتلعب باريس دوراً محورياً في الاقتصاد اللبناني، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات الدولية وبرامج المساعدات الاقتصادية والمالية، كما تتدخل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عندما يتعلق الأمر بمناقشة توزيع المساعدات المالية لبلاد الأرز. * العلاقات الدبلوماسية يقول المؤرخ الفرنسي ستيفان مالساني إن فرنسا ظلت حليفة تقليدية للبنان منذ استقلاله، إذ وصفها بعض اللبنانيين ب "الأم الحنون"، موضحاً أن "سنوات حكم الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديجول كانت بمثابة العصر الذهبي الحقيقي لنفوذ فرنسا في لبنان". وأضاف مالساني أن الجنرال ديجول حافظ على علاقاته الوطيدة بنظيره اللبناني الجنرال فؤاد شهاب الذي تولى الحكم عام 1958، كما كان يدعمه في مواجهة إسرائيل. وأشار المؤرخ الفرنسي أنه في عام 1983، كان فرانسوا ميتران أول رئيس دولة فرنسي يذهب إلى بيروت منذ الاستقلال، بعد الهجوم الانتحاري على مبنى، "دراكار" في بيروت، حيث قتل 58 مظليًا فرنسيًا، وقال ميتران آنذاك :"في لبنان، تبقى فرنسا وستبقى وفية لتاريخها والتزاماتها". * التعاون العسكري اللبناني الفرنسي ووفقاً للمؤرخ الفرنسي ستيفان مالسان، فإن وزارة القوات المسلحة الفرنسية قد أعلنت أن "فرنسا موجودة في لبنان منذ عام 1978 وهي أحد المساهمين الرئيسيين في قوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان والتي يبلغ قوامها حاليا نحو 700 جندي، وتم تدريب غالبية الضباط اللبنانيين من قبل فرنسا، وهو يتعارض ما أرادته الولاياتالمتحدة". كما لعب الجيش الفرنسي دوراً محورياً في عام 1990، بحماية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، الذي كان مهدداً من قبل الجيش السوري. وفي عام 1996، شاركت فرنسا بنشاط في المفاوضات لإنهاء عملية "عناقيد الغضب" الإسرائيلية ضد حزب الله في جنوبلبنان. واعتبر الباحث الفرنسي ستيفان مالسان أن لبنان بمثابة بوابة فرنسا للشرق الأوسط، موضحاً أنه منذ الحرب في سوريا، كانت بيروت بالنسبة لباريس مرصدها المتميز في الشرق الأوسط وفضاء سياستها في المنطقة، وتابع:"أن زيارة ماكرون إلى مرفأ بيروت تعتبر جزءًا من استمرارية العلاقات اللبنانية - الفرنسية وتاريخ لبنان، وليس تدخلاً استعمارياً. وأضاف مالسان، أن لبنان يجد نفسه الآن في قلب مسرحية من النفوذ بين القوى العالمية المختلفة، موضحاً أنه "من جهة، هناك محور الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ومن جهة أخرى، التحالف بين سوريا وإيران وحزب الله اللبناني". من جانبها، قالت جيهان صفير :"لطالما ترك لبنان الباب مفتوحًا للتدخل: ففي عام 1958، استدعى قوات المارينز الأمريكية؛ وفي عام 1982، القوات الدولية، حتى أن البعض أطلق على الحرب الأهلية اسم "حرب الآخرين". وتابعت:"لن يعيد الفرنسيون احتلال أو إعادة تشكيل دولة لبنانية. لكن هناك شكل من أشكال التدخل في طريقة المساعدة، والذي يسمح لهم بإعادة تموضعهم في لبنان". في المقابل، يرى البعض في خطوات ماكرون مؤشرا على تدخل باريس في شؤون لبنان"، بحسب المؤرخ ستيفان مالسان.