أظهر أحدث تقرير صادر عن البنك المركزى الأسبوع الماضى ارتفاع قيمة القروض الإجمالية فى شهر أغسطس 2009 بنسبة ٪0.03 لتبلغ 425.255 مليار جنيه، وذلك لأول مرة منذ شهر إبريل الماضى، إلا أن تفاصيل التقرير كشفت استمرار تراجع اقتراض القطاع الخاص، خاصة فى مجالات الزراعة والصناعة، وأن الزيادة فى الاقتراض جاءت من ارتفاع القروض الحكومية بالعملتين المحلية والأجنبية. ويدل ذلك على أن خفض الفائدة شجع الحكومة على الاقتراض لسد عجز الموازنة المستمر، والذى ارتفع بعد تراجع الموارد، لكنه لم يدفع القطاع الخاص لزيادة الاقتراض لتمويل التوسعات، مع أن مبرر البنك المركزى فى كل مرة خفض فيها سعر الفائدة وفقا لما يعلنه بعد اجتماع لجنة السياسة النقدية يكون (بالإضافة إلى هبوط التضخم) هو تحفيز الاستثمار. لخص مسئولون فى شركات من القطاع الخاص ل(الشروق) أسباب التراجع فى القروض إلى تشدد البنوك معهم، وعدم مرونتها، وقالوا إن تلك المشكلة ما زالت تضعف من قدرتهم على الاقتراض،رغم التسهيلات التى يحاول تقديمها البنك المركزى بعدة وسائل أبرزها خفض سعر الفائدة 6 مرات تقريبا منذ بداية العام الجارى، لتحفيز الاقتراض والاستثمار بغرض دفع معدلات النمو الاقتصادى مجددا للصعود. ويقول جهاد الصوافطة نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى القابضة، إن البنوك كانت تتشدد فى شروط منح الائتمان قبل الأزمة وزادت من تشددها بعدها فى مجال الضمانات التى تطلبها، «مع أن وجود أزمة لا يعنى أن نغلق أبواب البنوك بالضبة والمفتاح»،تبعا للصوافطة، لأن القطاع الخاص لديه من المرونة ما يكفى ليتعامل مع الأزمة، ومن المؤكد أن أى دراسة جدوى لتوسع فى أى شركة تأخذ فى الاعتبار كل المعطيات الاقتصادية المحيطة بنشاط الشركة التى تعمل فيه. ويرى الصوافطة أن توفير التمويل للقطاعات الاقتصادية بطريقة سلسة وصحيحة تسهم فى دفع النمو، مشيرا إلى أن القطاع العقارى خاصة يعتبر قاطرة التنمية الذى يخلق 90 نشاطا آخر إذا تم تنشيطه، والسبيل الأكبر أهمية فى هذا المجال هو تفعيل دور التمويل العقارى، وعدم قصره فقط على تمويل الوحدات الجاهزة كما يحدث حاليا. ويدفع صعوبة الحصول على تمويل من البنوك بعض الشركات إلى إصدار سندات بسعر مرتفع لدرجة أن التمويل عبر السندات أصبح كلفته أكبر من الاقتراض من البنوك كما قال الصوافطة، وأضاف أن حاجة الشركات إلى تمويل سريع دون تعقيدات تدفعها حاليا إلى طرح سندات بسعر مرتفع جدا وتصل إلى 20% حاليا مقابل 9.5 فى البنوك، حتى تغرى المستثمرين على شرائها. «أى إن تعنت البنوك رفع تكلفة وسيلة تمويل مثل هذه السندات مقارنة بالتمويل البنكى مع أنها فى الظروف الطبيعية تكون أرخص» تبعا لتعبيره. واتفق نهاد رجب رئيس مجلس إدارة شركة سياك الخاصة للمقاولات مع الصوافطة مشيرا إلى أن «الضمانات المبالغ فيها» التى تطلبها البنوك من أصحاب المشروعات تمنع طبقة واسعة من أصحاب المشروعات بكل أحجامها من الحصول على قروض، ويتجهون إلى آليات أخرى للتمويل مثل طرح جزء من الشركة فى البورصة أيضا، لسهولة الحصول عليه. وفى حين يرى الصوافطة أن البنوك تتشدد فى منح الشركات قروضا بصفة عامة، يرى حاتم صالح العضو المنتدب لشركة بيتى المتخصصة فى إنتاج الألبان، إن الشركات الكبرى لا تعانى مع البنوك ولكن المتوسطة والصغيرة هى التى تواجه صعوبات تجعل الاقتراض من البنوك يبدو مستحيلا معظم الوقت «مع أنها الأكثر حاجة للتمويل والتوسع» حسب تعبيره. وقال صالح إن من الأمثلة الصارخة على تعنت البنوك مع الشركات الصغيرة والمتوسطة اشتراطها عليهم تغطية خطاب الضمان بالكامل عند استيراد خامات لازمة للصناعة» إذا كانت الشركة تمتلك كامل قيمة الخامات لماذا ستلجأ إلى البنك»، وأضاف أن البنك أيضا يفرض وجود سابق خبرة لدى الشركات التى تتوسع، مع أنها قد تتوسع فى أنشطة صناعية أخرى مرتبطة، مما يزيد من صعوبة الحصول على تمويل. وكان الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة قد ازداد منذ بداية الأزمة، حيث تراهن عليها الحكومة لدفع عجلة النمو الذى أضير بشدة (انخفض من ٪7 فى المتوسط خلال السنوات الثلاث السابقة للأزمة إلى ٪4.7 فى العام المالى الماضى)، لذلك قام البنك المركزى فى نهاية ديسمبر الماضى بإعفاء البنوك التى تقوم بإقراض الشركات صغيرة و متوسطة الحجم من نسبة الاحتياطى التى تضعها البنوك لدى المركزى عند تمويل تلك المشروعات، كما بدأت عدة بنوك بتوجيهات من المركزى تؤسس وحدات خاصة بتمويل تلك المشروعات. «المشكلة ليست فى قرارات المركزى أو الحوافز القانونية، لكنها تكمن فى ثقافة البنوك فى التعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة» تبعا لصالح، وأضاف أن القائمين على التمويل لم يغيروا من فلسفة التعامل مع هذه المشروعات حتى بعد الاهتمام الحكومى بها. «لقد تضرر المودعين من خفض الفائدة ولم يستفد الاقتصاد المصرى منها» كما قال صالح. ويردد بعض المسئولين فى البنوك أن تحفظها مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يرجع إلى فشل الأخيرة فى تقديم دراسة جدوى مقنعة، لكن صالح يعتقد أنه على البنوك أن تساعد هؤلاء فى عمل دراسة جدوى ملائمة، «هى لن تكلفها كثيرا، لكنها ستربح من ورائها» تبعا لصالح، وأضاف أن البنوك مليئة بالسيولة التى تحتاج توظيفها حتى تغطى تكلفة الودائع، لذلك سيكون من المفيد لها وجود مشروعات ناجحة يمكن أن تتوسع وتزيد من استثماراتها. وإذا كان تشدد البنوك عند تمويل المشروعات من أهم العوامل التى تؤدى إلى استمرار تراجع قروض القطاع الخاص، فإن ضعف وجود الفرص الاستثمارية بسبب الأزمة العالمية أحد العوامل المؤثرة فى هذا التراجع كما قال رجب، وأضاف أحمد الحمصانى رئيس علاقات المستثمرين فى شركة السويدى للكابلات إن كثيرا من المشروعات قررت إلى إبطاء توسعاتها المخطط لها لحين وضوح الرؤية الاقتصادية، كما أن بعضها تعثر ولم يستطع مواصلة تلك التوسعات. وأشار إلى أن شركته من الشركات القليلة التى واصلت توسعاتها فى ظل وجود الأزمة بسبب تركيز خطتها الاستثمارية على التنوع الجغرافى، وسعيها إلى الوصول إلى أسواق تتسم بقلة أو عدم وجود مصانع تنتج نفس منتجاتها، «وهو ما يعنى أن وجودنا فيها منذ البداية يجعل لنا قدرة تنافسية أقوى» حسب تعبيره.