جلسة بعد جلسة ترتفع نسبة إسهام المحامين فى صنع الأحداث فى محاكمة قاتل مروة الشربينى، ذلك لأن كل محام بدأ فى إعداد مذكرة مرافعته التى سيلقيها على المحكمة بعد الانتهاء من جلسات الاستماع للشهود، وكل منهم يرغب فى توجيه القضية إلى مصلحة موكله والحصول على أكبر المكاسب الممكنة. حمدى خليفة، نقيب المحامين، أكد أن فرصة الدفاع عن المتهم أليكس فينس صعبة للغاية، وازدادت صعوبة بعد سماع الشهود الذين أجمعوا على توافر القصد الجنائى ونية إزهاق الروح وركن سبق الإصرار والترصد، وتشهد على ذلك تصرفاته قبيل ارتكاب الجريمة من تعمده الجلوس بجانب باب القاعة، وإخفائه السكين فى حقيبة يدوية، والتمويه على الحاضرين بإخراج الهاتف المحمول وزجاجة المياه من الحقيبة ذاتها. وأضاف خليفة أن أهم ما يركز عليه الدفاع هو أن المتهم مصاب بمرض نفسى وأنه ارتكب فعلته نتيجة لوثة عصبية أو حالة تشنج، لكن المحكمة لن تستطيع الأخذ بهذه الإدعاءات وتدير ظهرها لتقارير الطب الشرعى وطبيبة السجن ومعلمة المتهم فى الدورة الدراسية، وكلها شهادات أكدت سلامته العقلية وعدم معاناته من أى مرض مزمن أو عارض، بالإضافة إلى أنه ليس مدمنا على المخدرات أو الكحول. وأشار خليفة إلى أن التناقضات فى أقوال الشهود ثارت فى مواضع غير أساسية فى القضية، مثل توقيت دخول رجال الأمن والإسعاف، وعدد مرات دق جرس الإنذار من قبل رئيس المحكمة الشاهد على الواقعة، بينما اتفق جميع الشهود على رواية واحدة لواقعة القتل. من جهته تسبب المحامى خالد أبو بكر، عضو هيئة الدفاع عن مروة الشربينى، فى حرج بالغ للقاضى توماس ماتسيفسكى، الشاهد على الواقعة، والقاضية كارين فالبرج، التى أصدرت حكم الغرامة الأول ضد المتهم، عندما سألهما عن سبب عدم اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة ضد المتهم فى جلستى المحاكمة، رغم قراءتهما الخطاب الذى وجهه المتهم لمحكمة أول درجة وكان مليئا بالعبارات العنصرية والهجوم على الإسلام. القاضيان لم يقدما إجابات وافية لعلامة الاستفهام هذه، واكتفيا بالتعبير عن عدم تخيلهما أن تصل الأمور بين الخصمين لحد القتل، وهو ما دفع أسرة مروة الشربينى للضغط على النيابة العامة بدريسدن من أجل تحريك الدعوى الجنائية ضد القاضى ماتسيفسكى والضابط جونتر جريم، الذى أطلق النار على علوى عكاز، لاتهامهما بالتقصير فى أداء الواجب، غير أن المدعى العام رفض تحريك الدعويين قبل صدور حكم فى قضية القتل. وعلى الجانب الآخر ما زال محاميا المتهم يبحثان عن دلائل ترسخ ما يدفعان به من مرض القاتل النفسى، لكن مراقبين قانونيين أكدوا أن اشتباكهما ومشاداتهما أكثر من مرة مع هيئة المحكمة يدل على سقوط خطوطهما الدفاعية بالتدريج. فقد شهدت جلسة أمس الأول مشادة كلامية بين رئيسة محكمة دريسدن الجزئية برجيت فيجاند ومحامى المتهم ميشيل شتورم، بسبب إصرار القاضية على الاعتداد بشهادة دراسية للمتهم تثبت نجاحه فى دورة دراسية حصل عليها عقب دخوله ألمانيا قادما من روسيا، تؤكد أنه شخص سوى ولا يعانى أى متاعب عقلية أو دراسية. وأصر محاميا المتهم أمام المحكمة على أن شهادة معلمته تؤيد ما يدعيانه من أن المتهم يعانى مشكلات فى التواصل الاجتماعى مع الآخرين، فتدخلت المعلمة مرة أخرى ونفت ذلك، وقالت إن انعزاله عن الآخرين كان بصورة عادية وغير مرضية على الإطلاق. لكن المحامى شتورم استمر فى معارضته للشهادة وقال لرئيسة المحكمة: يجب أن تسجلى اعتراضى على هذا الكلام وعلى الاعتداد بشهادة دراسية وجدت فى منزله وليس لها صلة بالجريمة، فردت عليه القاضية قائلة: أذنت للنيابة بجمع كل الأوراق التى تساعدنا على فهم القضية من منزل المتهم، وسنعتد بالشهادة لأنها تعكس حالته العقلية والنفسية. هذا فى الوقت الذى لم تظهر فيه أى أقوال يمكن للمحامى الثانى فايكو بارتل الاستناد إليها فى معرض تحميله مسئولية الجريمة لوسائل الإعلام وهجومها على العرب بعد 11 سبتمبر، وهو ما يبدو دفعا مستبعدا وغير واقعى. أوباما 2 في ساكسونيا عندما زار الرئيس الأمريكى باراك أوباما مدينة دريسدن الألمانية مطلع يونيو الماضى، اعتبر مواطنو ولاية سكسونيا هذه الزيارة مولدا جديدا للمدينة التى كانت تسمى قبل الحرب العالمية الثانية ب«فينيسيا ألمانيا» لا سيما أن الحلفاء تعمدوا بعد انتهاء الحرب عمليا وانحصار المعارك حول العاصمة برلين، تعمدوا أن يقصفوا دريسدن أكثر من أى مدينة ألمانية أخرى حتى أصبحت أنقاضا خربة، وبقيت دون تطوير حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى. أوباما زار «الفراونكريشه».. وهى الكاتدرائية القديمة التى دمرها الحلفاء تماما فى الحرب، ورفض الشيوعيون تعميرها لأربعين عاما بحجة أن بقاءها تذكار مهم لتبعات الحروب، لكن ألمانيا الموحدة قررت إعادة بناء الكاتدرائية باهرة الجمال مستعينة بصور ورسوم قديمة لها، والأمر ذاته ينطبق على العديد من الآثار والمبانى القديمة فى دريسدن. كانت زيارة أوباما حدثا تاريخيا فى سكسونيا.. رفعت خلالها السلطات حالة التأهب إلى درجتها القصوى، واحتلت عناوينها وصورها صدر الصفحات الأولى من الصحف الألمانية بصفة عامة والصادرة فى سكسونيا بصفة خاصة. هذه الصحافة أطلقت على أحداث محاكمة قاتل مروة الشربينى لقب «أوباما 2» أى حالة الاستنفار والزخم الثانية بعد أوباما، فى إشارة إلى الأهمية غير العادية للمحاكمة التى استدعت نقل جميع القضايا الأخرى المتداولة فى مبنى محكمة الولاية بدريسدن إلى مبان أخرى فى مناطق مختلفة، وهو الإجراء الذى لم يسبق اتخاذه على مدار تاريخ القضاء الألمانى. القنوات الفضائية تفرد يوميا دقيقتين أو ثلاثة من نشرات الأخبار العامة لعرض ملابسات الجلسات وأقوال الشهود ومقابلة المحامين الذين أصبحوا نجوم مجتمع دريسدن، لا سيما المحامى ميشايل شتورم الذى انتدبته المحكمة للدفاع عن المتهم بصفته أحد أشهر محامى دريسدن، وهو اليوم الأكثر اشتباكا ومشاغبة مع المحكمة.. وسبق له طلب ردها ودخل فى مشادة مع رئيسة المحكمة أمس الأول. الصحف تفرد صفحة كاملة يوميا لمتابعة «أهم قضية فى تاريخ دريسدن».. «يلد» واسعة الانتشار تهتم بالتفاصيل الصغيرة والحالة النفسية لأطراف القضية.. «زاكسن تسويتونج» الصحيفة الأولى فى سكسونيا تنشر أقوال جميع الشهود وتبرز آراء الساسة المحليين فى القضية.. «دى فيلت» الأكثر مصداقية تهتم جدا بالأسئلة التى يوجهها المحامون إلى الشهود فى محاولة لكشف الخطوط العريضة للمرافعات قبل بدايتها بأيام. أما المواطن العادى فى دريسدن فهو على معرفة أيضا بطبيعة الحادث وتوابعه السياسية، لكن طبيعة المواطن الألمانى تمنعه من الخوض صراحة فى تفاصيل المحاكمة بسبب حساسية الحديث فى ألمانيا عن النازيين الجدد والعنصريين والفاشيين، وتصرفاتهم تجاه الأجناس الأخرى. ريتا جراش، ناشطة حقوقية فى سكسونيا تحرص على حضور جلسات المحاكمة، تقول إن الحكم الذى ستصدره محكمة دريسدن فى القضية سيكون تاريخيا.. إما أن يضع حدا للتجاوزات فى حق الأجانب أو يسمح للمتعصبين الجدد بأن يعيثوا فى أرض الولاية فسادا، واعتبرت جراش أن المتهم ليس نازيا وإنما ذو فكر فاشى.. يبغض الآخر ويسعى لتدميره بأى وسيلة، مما يخالف قيم المجتمع الألمانى. وأكدت جراش أن الخطاب (الطلب) الذى وجهه المتهم أليكس إلى محكمة أول درجة قبل نظر قضية سب وقذف مروة، يدل على تمتعه بدرجة عالية من الذكاء والثقافة، حيث ربط بين قضيته الشخصية وبين معاناة المهاجرين الأوروبيين إلى ألمانيا من البطالة ونقص فرص العمل، فى مقابل تميز عدد من أبناء الجاليات الأخرى وبالأخص العربية، وهذا كله ينفى تماما الادعاء بكونه يعانى من مشكلات نفسية أو صعوبات فى التعلم. ويحمل الخطاب فى نهايته الساسة الألمان مسئولية مجاملة الغرباء على حساب المواطنين «للتكفير عن أخطاء تاريخية»، مما يدل على أن قضية المتهم الرئيسية كانت محاولة إثبات أنه ألمانى وليس روسيا، وأنه يستحق الحياة بشكل أفضل فى بلد أجداده!! المواطنون المسلمون من الألمان والعرب والإيرانيين والهنود كانوا حاضرين بشكل لافت فى الأسبوع الأول من المحاكمة، واللافت أن بعضهم حضر دون توجيه دعوة له من قبل المراكز الإسلامية التى يديرها المصريون والعرب، وجاء عدد كبير منهم إلى دريسدن خصيصا من مدن غرب ألمانيا مثل بريمن ومونشنجلادباخ وفرانكفورت، كما كان الحضور الأفريقى بارزا لتأييد حق الملونين والأجانب فى العيش الكريم فى هذا المجتمع.